على مدى أشهر، اضطر كثيرون حول العالم، لا سيّما من الأطفال، إلى ملازمة بيوتهم أو أقلّه إلى الحدّ من التحرّكات في خارجها، على خلفيّة الجائحة الأخيرة. فالتدابير التي اتُّخذت للحدّ من انتشار فيروس كورونا الجديد فرضت ما أُطلق عليه تباعد اجتماعي، وهكذا وجدنا أنفسنا - كباراً وصغاراً - منقطعين بشكل أو بآخر عمّا يحيط بنا، لا سيّما الطبيعة.
بعيداً عن أزمة كورونا، يؤكّد أهل الاختصاص أنّ الاحتكاك بالطبيعة أمر ضروريّ لنموّنا منذ الصغر. يأتي ذلك في حين أنّ نمط الحياة في السنوات الأخيرة الذي تغلب عليه التكنولوجيا، يجعلنا منعزلين عن الحياة البريّة. وتؤكّد الباحثة الفرنسيّة في علم النفس البيئيّ، أليكس كوسكر، أنّه "عندما يتقلّص ذلك الاحتكاك بالطبيعة ليصير نادراً أو حتى متواضعاً، فإنّ آثاراً سلبيّة تبدأ بالظهور من قبيل البدانة والقلق". من هنا، لا بدّ من تشجيع الأطفال ودفعهم إلى التقرّب من الطبيعة، حتى لو كانت مقرّات سكننا في المدن، بحسب ما جاء في مقال أعادت نشره مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة المتخصّصة في علم النفس، نقلاً عن موقع "ذي كونفرسايشن" البحثيّ والأكاديميّ، تحت عنوان "كيف ولماذا نساعد الأطفال في التقرّب من الطبيعة".
ثمّة أهل يدركون أنّ مصلحة أولادهم تقتضي في مكان ما العودة إلى الحياة البريّة، في عصر يتناقص فيه الوقت الذي نقضيه بعيداً عن الأماكن المغلقة، وهم على حقّ. بالنسبة إلى كوسكر، فإنّ "نموّنا كجنس بشريّ مرتبط بعالم الطبيعة". وتوضح أنّ التفاعل مع الطبيعة بطرق متنوّعة من شأنه أن يعود بكثير من النفع على الصعيد الصحيّ. إلى جانب زيادة النشاط البدنيّ الذي يخفّض مخاطر الإصابة بالبدانة وبقصر النظر لدى الأطفال، على سبيل المثال لا الحصر، فإنّ التردّد المنتظم على حدائق ومساحات خضراء مختلفة يؤدّي إلى الرفاه النفسيّ من خلال مساعدتهم في مقاومة الضغوط النفسيّة.
والمشاهد التي تقدّمها الطبيعة للصغار، من قبيل الهواء الذي يحرّك أوراق الأشجار أو الغيوم التي تمرّ في السماء، توفّر راحة للنفس من خلال عمليّة انتباه من دون جهد، وهو ما يساعد في إصلاح الوظائف المعرفيّة. كذلك، فإنّ مهارات جديدة قد تُطوَّر. قضاء بعض الوقت في الطبيعة يحفّز الإبداع وحسّ النقد والقدرة على حلّ المشكلات. بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ الاستكشافات التي ترتكز على اختبارات في الطبيعة تعزّز الرغبة في التعلّم والحماسة والهدوء والسيطرة على الذات. وهذا مجرّد غيض من فيض.