لا تخلو برمجة شهر رمضان في الإذاعات والتلفزيونات التونسية عادة من الابتهالات والأناشيد الدينية، والتي تعدّدت في خلال السنوات الماضية، واتخذت أشكالاً ومواضيع مختلفة. ولكن هذا الاهتمام بقي أقلّ من المتوقع، إذ طالما اشتكى القائمون على إنتاج هذه الأعمال من ضعف الإمكانات المادية المخصّصة، وقلّة اهتمام المؤسسات الإعلامية التونسية بها، رغم قداسة الشهر وروحانيته، بينما يذهب السخاء والميزانيات الضخمة لبرامج ترفيهية، ومسلسلات لا صلة لها بالشهر ومعانيه وروحيّته، وأيضاً مسابقات وألعاب وجوائز...
في حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، يقول الفنان والمنشد الديني فوزي بن قمرة إنه اتصل بعدّة مؤسّسات إعلامية تونسية منذ فترة، وأجمعت كلها على غياب الإمكانات المادية لإنتاج ابتهالات لشهر رمضان هذه السنة، وهذا ما سمعه السنة الماضية والتي قبلها.
وقد اعتادت القنوات التونسية إعادة بثّ ابتهالات دينية قديمة، لبعض الدقائق قبل موعد الإفطار، في حال لم تُنتج أخرى جديدة، وفي حال غابت الفقرات الدينية التثقيفية، ما يجعل هذه الأناشيد تبدو وكأنها لمجرد سدّ الفراغ أو قتل البثّ الميت.
ويجمع الفنانون التونسيون الأكثر شهرة في مجال تأدية وتأليف الأناشيد الدينية كلمات وألحاناً، على أنّ المؤسّسات الإعلامية التونسية تتبع عرفاً مجحفاً في حقّهم، فهي لا تدفع جيّداً لهم لقاء إنتاجهم وجهدهم، هذا إذا دفعت بالأصل، إذ درج عرف لفترة اعتبار هذه الابتهالات والأناشيد الدينية، خصوصاً في خلال الشهر الكريم هبةً من الفنّان وعملاً خيرياً، ويفسّر أحمد جلمام، أحد أبرز المنشدين الدينيين في تونس، ذلك قائلاً: "يقولون إنّ لا مقابل لكلام الله، وربما نكون قد ساهمنا في ذلك، لأننا اعتدنا تقديم الابتهالات بدون مقابل مادي لسنوات طويلة". ويؤكّد جلمام لـ "العربي الجديد" أنه "قدّم هذه السنة أيضاً بعض الابتهالات مجاناً لبعض المؤسسات الإعلامية"، كما عرف أنّ القناة الوطنية الأولى ستقوم بإعادة بثّ ابتهالات سابقة له، والتي أُنجزت سنتي 2010 و2011.
من جهته، أعدّ الفنان والمنشد الديني حسين عامر، المشهور بحسين العفريت، عدداً من الابتهالات الدينية، قام بتوزيعها من دون مقابل، حسب ما صرّح لـ "العربي الجديد"، على أن تبثّها جميع الإذاعات التونسية الخاصّة والعمومية. ويوضح قائلاً "منذ سنتين انطلقتُ في إنجاز عمل بجزأين، يحمل اسم "كانوا حول رسول الله"، خُصص جزؤه الأوّل في 15 حلقة لصحابة الرسول، وكان إنتاجاً مشتركاً مع قناة "حنبعل"، أما الجزء الثاني فهو من إنتاجي الخاص، وسيُبثّ على مستوى الإذاعات في خلال رمضان هذه السنة".
إقرأ أيضاً: مسلسلات تونس.. وجوه جديدة وأخرى تعود في رمضان
وأوضح عامر أنّ الجزء الثاني من "حول الرسول" يتعرّض في 15 حلقة، مدّة كلّ حلقة منها حوالي أربع دقائق ونصف الدقيقة، لصحابيات حول رسول الله، ومحتواها متنوّع بين ابتهالات تتلى من دون موسيقى، وأخرى ملحّنة.
وضع ألحان العمل سليم عبد الله، والكلمات للشاعر الطاهر ساسي، والتوزيع لمحمد القريتلي، ويشارك في قراءة النصوص الإعلامي وليد التليلي.
ويرى حسين عامر أنّ السبب الأساسي خلف إهمال القنوات التلفزيونية والإذاعية التونسية لمثل هذه الأعمال هو "سعيها خلال رمضان خلف ما يجلب نسب المشاهدة، وما يُحدث الضجة الإعلامية"، ويضيف موضحاً في هذا الإطار: "هناك تقصير في إنتاج الأعمال الدينية، ومنها الابتهالات والأناشيد، رغم كوننا نحاول الاجتهاد وتقديم أفكار جديدة، لكن بعلّة السبق ونسب المشاهدة لم تعد المؤسّسات الإعلامية في تونس تكترث بخصوصيات الشهر، وتصرف بناء على ذلك مئات الملايين على مضامين سيئة ومستهلكة في الكثير من الأحيان".
أناشيد مهاجرة
من جهة أخرى، التجأ جزء من الفنانين والمنشدين في تونس إلى القنوات العربية لتقديم ابتهالات وأدعية هذا العام، كردّ فعل على تجاهل القنوات التونسية لأعمالهم. ويذكر الفنان لطفي بوشناق لـ "العربي الجديد" أنه "أعدّ ابتهالات في شكل أدعية، ستمرر كامل أيام الشهر الكريم على قنوات عربية، هذا في الوقت الذي عرضت فيه هذه الأعمال على قنوات تونسية لكنها لا تقدّر قيمة العمل ولا الجهد المبذول ولا تقدّم المقابل المادي المنصف إزاء العمل" كما يقول.
ويعتبر لطفي بوشناق من أهم الفنانين التونسيين في مجال الإنشاد الديني والابتهالات، وله أعمال أخذت شهرة كبيرة كابتهالات "أسماء الله الحسنى"، التي قدّمها في 600 بيت شعر، وانتشرت في العديد من القنوات التونسية والعربية.
وفي السياق ذاته، يوضح أحمد جلمام لـ "العربي الجديد" قائلاً: "من المهمّ أن نطوّر من أعمالنا في مجال الابتهالات والبرامج الدينية، وقد كان لي برنامج أقوم خلاله بتعليم جمهور الناشئين وعائلاتهم أسباب نزول القرآن، وطريقة تلاوته للصغار، وقد بثّته القناة الوطنية الأولى في خلال السنوات الماضية، ثم انتقلت به إلى إذاعات في فرنسا، لإفادة الجالية العربية هناك، ومؤخّراً توجّهت إلى قطر حيث أتعاون مع مؤسسات مختلفة هناك لتقديم الابتهالات ومشاريع أخرى خلال الشهر الكريم هذه السنة".
إقرأ أيضاً: نجوم التلفزيون التونسي في دراما رمضان الإذاعية
وسيكون للفنان لطفي بوشناق تجربة جديدة مع الأطفال هذه السنة من خلال 24 أنشودة دينية وابتهالأ، مع مجموعة من الأطفال ستقدّم في قنوات عربية أيضاً، في سياق سياسة الإهمال الذي تعانيه مثل هذه الأعمال من قبل القنوات التونسية.
يذكر أنّ الابتهالات والأناشيد الدينية تستقطب عدداً من الفنانين التونسيين، المؤمنين بضرورة متابعة إنتاجها كونها جزءاً من الثقافة والفنّ في البلاد، وهم يصرفون عليها من حساباتهم الشخصية انطلاقاً من هذا الإيمان، ونذكر من أبرز المختصّين في هذا المجال المنشدين: أحمد جلمام وفوزي بن قمرة وحسين عامر وعادل سلطان ومنير المهدي... الذين لا يقتصر عملهم على شهر رمضان، بل هم ينتجون ألبومات أو برامج تلفزيونية في هذا الإطار الديني وُجهت معظمها للبلدان العربية الأخرى.