لعلّ المغرب يحتل المرتبة الأولى عالمياً في التاريخ الطبيعي للحياة البشرية والبيئية، فبعد اكتشاف أقدم الديناصورات وينتمي للـ"أبيليسور" النادرة جدا ويشبه فصيلة (تي- ريكس) التي عاشت في أميركا الشمالية في الهيئة وسمات الافتراس، لم تتوقف الاكتشافات عند الحيوانات. حيث يرجح علماء الطبيعة بأنّ المغرب، خاصة جنوبه، كان عبارة عن منطقة غابات خضراء هيأت الظروف الطبيعية للحيوانات آكلات اللحوم والأعشاب، وكانت ساحة قتال بين أنواع متعددة للديناصورات.
قبل يومين، أعلن "المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال" المغربي بإشراف من الباحثين عبد الواحد بن نصر والفرنسي جان جاك هوبلان أنهما قاما بالكشف عن بقايا عظام إنسان ينتمي لفصيلة "الإنسان العاقل البدائي" (Homo sapiens) ومعها أدوات حجرية ومستحاثات حيوانية بموقع جبل "إيغود" بإقليم اليوسفية جهة مراكش.
وتم تحديد تاريخ هذه الأثريات بحوالى 300 ألف سنة، بواسطة التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، واعتبر المعهد بأنها أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل المكتشفة حتى اليوم. إذ يفوق عمر أقدم "إنسان عاقل" تم اكتشافه إلى الآن بحوالى 195 ألف سنة، مضيفاً أن "هذه الاكتشافات تشكل موضوع مقالين نُشرا في مجلة "نايتشر" (الطبيعة) في عددها الحالي".
وأشار البلاغ إلى أن "موقع "إيغود" عُثر فيه على بقايا إنسان وأدوات تعود إلى "العصر الحجري الوسيط" في ستينيات القرن الماضي، وظلّت القراءة الأولية لهذه الاكتشافات محل لُبس بسبب عدم دقة عمرها الجيولوجي". وبفضل اكتشاف الحفريات الأخيرة وتأريخها التي استأنفت منذ 2004 فإن موقع جبل "إيغود" يعتبر الأقدم والأغنى تاريخياً حول "العصر الحجري الوسيط" بأفريقيا والذي يوثق المراحل الأولى لتطور الإنسان العاقل، خصوصاً أنّه عثر على بقايا حيوانات كالغزال، إضافة إلى أدوات حجرية مصنوعة من حجر الصوان الذي تمّ نقله إلى الموقع.
وقد يعيد الاكتشاف الجديد كتابة قصة الأصول البشرية بالإشارة إلى أن جنسنا قد تطور عبر مواقع متعددة عبر القارة الأفريقية. وقال فيليب غونز، من معهد "ماكس بلانك" في لايبزيغ بألمانيا: "نحن لم نتطور من مهد بشرية في مكان ما بشرق أفريقيا، ولكننا تطورنا في قارة أفريقيا".
والجدير بالملاحظة أن الأحفوريات تشير إلى أن "الإنسان العاقل البدائي" كان لديه وجوه تشبه وجوهنا البشرية الحالية رغم أن أدمغتهم اختلفت ببعض الأساسيات.
ويعتبر الشمبانزي والبونوبوس الحيّة أقرب الفصائل للإنسان العاقل البدائي، وقد تشاطرنا معها فرعاً عاش لأكثر من ستة ملايين سنة، وبعد انشطار هذا الفرع (الجد)، تطورت أسلافنا القديمة إلى العديد من الأنواع المختلفة والمعروفة باسم "هومينيز"، وفقاً لمقال "نيويورك تايمز".
ولملايين السنين، كما يوضح المقال، بقي الـ"هومينينز" شبيهاً بالقرد، كان قصيراً وعقله صغير وأزياؤه عبارة عن أدوات حجرية خام. حتى الآن، تمّ اكتشاف أقدم الأحافير (المتحجّرات) التي تنتمي للإنسان العاقل البدائي في إثيوبيا عام 2003 عندما قام باحثون يعملون في موقع يُدعى "هيرتو" باكتشاف جمجمة يُقدر عمرها بين 154,000- 160,000 سنة.
ولكنْ زوج من الجماجم الجزئية اكتشفت في موقع "أم كبيش" يعود عمرها لـ195,000 سنة، مما جعلها أقدم (المتحجّرات عن الجنس البشري. وتشير هذه النتائج إلى أنّ جنسنا البشري قد تطور في منطقة صغيرة، ربما في إثيوبيا، أو بالقرب منها في شرق أفريقيا، لكن بعد ظهور "هومو سابينس" يعتقد الباحثون بأنّ الأنواع قد انتشرت في جميع أنحاء القارة. فقد قامت مجموعة من "الأفارقة"- قبل ما يقرب 70,000 سنة ــ بعبور قارات أخرى والاستقرار بها، ولكن علماء آثار وأنتروبولوجا كانوا على دراية بحفريات غامضة لـ"هومينينز" اكتشفت في أجزاء أخرى من أفريقيا، ولكنها لم تناسب السرد التاريخي.
في عام 1961، قام عمال مناجم في المغرب بالحفر وعثروا على قطع لجمجمة في موقع يسمى جبل "إرهود"، حيث كشفت الحفريات لاحقاً عن عدد قليل من العظام جنباً إلى جنب مع شفرات الصوّان. وباستخدام تقنيات خام، قدر الباحثون عمر البقايا بـ40,000 سنة، وقام الباحث جان جاك هابلين الذي يعمل حالياً في معهد "ماكس بلاك" بإجراء نظرة فاحصة، فوجد الأسنان تحمل تشابهاً مع تلك التي يملكها البشر، ولكن الشكل بدا بدائياً غريباً.
ولكن منذ 2004، عمل الدكتور هوبلان وزملاؤه في الحفر بطبقات صخرية لتلال صحراوية في جبل "إرهود"، وعثروا على ثروة من الحفريات بما فيها عظام جمجمة لفرد من بين خمسة آخرين ماتوا جميعهم بنفس الوقت. كذلك اكتشف الباحثون شفرات الصوان في نفس الطبقة الرسوبية للجماجم، ومن المرجح أن يكون سكان جبل "إرهود" قد صنعوها لأغراض عدة واستخدموها فوق مقابض خشبية لتصميم الرماح. وأظهرت أحجار الصوان علامات على حرقها.
وقد استخدم الدكتور هوبلان وزملاؤه طريقة تسمى "thermoluminescence" لحساب الفترة الزمنية على مرور حرق تلك الشفرات، وقدروا أنها تعود لـ300 ألف سنة للوراء. أمّا الجماجم، اكتشفت بنفس طبقة الصخور، ولا بدّ أن تكون بنفس العمر.
وعلى الرغم من عمر الأسنان والفكين، فقد أظهرت التفاصيل التشريحية أنها تنتمي للإنسان العاقل، وليس لمجموعة "هومينين" أخرى، مثل الإنسان البدائي. وتشاطر الناس في جبل "إرهود" تشابهاً عاماً مع بعضهم البعض وحتى مع الإنسان الحيّ؛ حواجبهم ثقيلة، ذقونهم صغيرة، ووجوههم مسطحة واسعة، ولم يختلفوا كثيراً عن إنسان اليوم.
اقــرأ أيضاً
قبل يومين، أعلن "المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال" المغربي بإشراف من الباحثين عبد الواحد بن نصر والفرنسي جان جاك هوبلان أنهما قاما بالكشف عن بقايا عظام إنسان ينتمي لفصيلة "الإنسان العاقل البدائي" (Homo sapiens) ومعها أدوات حجرية ومستحاثات حيوانية بموقع جبل "إيغود" بإقليم اليوسفية جهة مراكش.
وتم تحديد تاريخ هذه الأثريات بحوالى 300 ألف سنة، بواسطة التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، واعتبر المعهد بأنها أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل المكتشفة حتى اليوم. إذ يفوق عمر أقدم "إنسان عاقل" تم اكتشافه إلى الآن بحوالى 195 ألف سنة، مضيفاً أن "هذه الاكتشافات تشكل موضوع مقالين نُشرا في مجلة "نايتشر" (الطبيعة) في عددها الحالي".
وأشار البلاغ إلى أن "موقع "إيغود" عُثر فيه على بقايا إنسان وأدوات تعود إلى "العصر الحجري الوسيط" في ستينيات القرن الماضي، وظلّت القراءة الأولية لهذه الاكتشافات محل لُبس بسبب عدم دقة عمرها الجيولوجي". وبفضل اكتشاف الحفريات الأخيرة وتأريخها التي استأنفت منذ 2004 فإن موقع جبل "إيغود" يعتبر الأقدم والأغنى تاريخياً حول "العصر الحجري الوسيط" بأفريقيا والذي يوثق المراحل الأولى لتطور الإنسان العاقل، خصوصاً أنّه عثر على بقايا حيوانات كالغزال، إضافة إلى أدوات حجرية مصنوعة من حجر الصوان الذي تمّ نقله إلى الموقع.
وقد يعيد الاكتشاف الجديد كتابة قصة الأصول البشرية بالإشارة إلى أن جنسنا قد تطور عبر مواقع متعددة عبر القارة الأفريقية. وقال فيليب غونز، من معهد "ماكس بلانك" في لايبزيغ بألمانيا: "نحن لم نتطور من مهد بشرية في مكان ما بشرق أفريقيا، ولكننا تطورنا في قارة أفريقيا".
والجدير بالملاحظة أن الأحفوريات تشير إلى أن "الإنسان العاقل البدائي" كان لديه وجوه تشبه وجوهنا البشرية الحالية رغم أن أدمغتهم اختلفت ببعض الأساسيات.
ويعتبر الشمبانزي والبونوبوس الحيّة أقرب الفصائل للإنسان العاقل البدائي، وقد تشاطرنا معها فرعاً عاش لأكثر من ستة ملايين سنة، وبعد انشطار هذا الفرع (الجد)، تطورت أسلافنا القديمة إلى العديد من الأنواع المختلفة والمعروفة باسم "هومينيز"، وفقاً لمقال "نيويورك تايمز".
ولملايين السنين، كما يوضح المقال، بقي الـ"هومينينز" شبيهاً بالقرد، كان قصيراً وعقله صغير وأزياؤه عبارة عن أدوات حجرية خام. حتى الآن، تمّ اكتشاف أقدم الأحافير (المتحجّرات) التي تنتمي للإنسان العاقل البدائي في إثيوبيا عام 2003 عندما قام باحثون يعملون في موقع يُدعى "هيرتو" باكتشاف جمجمة يُقدر عمرها بين 154,000- 160,000 سنة.
ولكنْ زوج من الجماجم الجزئية اكتشفت في موقع "أم كبيش" يعود عمرها لـ195,000 سنة، مما جعلها أقدم (المتحجّرات عن الجنس البشري. وتشير هذه النتائج إلى أنّ جنسنا البشري قد تطور في منطقة صغيرة، ربما في إثيوبيا، أو بالقرب منها في شرق أفريقيا، لكن بعد ظهور "هومو سابينس" يعتقد الباحثون بأنّ الأنواع قد انتشرت في جميع أنحاء القارة. فقد قامت مجموعة من "الأفارقة"- قبل ما يقرب 70,000 سنة ــ بعبور قارات أخرى والاستقرار بها، ولكن علماء آثار وأنتروبولوجا كانوا على دراية بحفريات غامضة لـ"هومينينز" اكتشفت في أجزاء أخرى من أفريقيا، ولكنها لم تناسب السرد التاريخي.
في عام 1961، قام عمال مناجم في المغرب بالحفر وعثروا على قطع لجمجمة في موقع يسمى جبل "إرهود"، حيث كشفت الحفريات لاحقاً عن عدد قليل من العظام جنباً إلى جنب مع شفرات الصوّان. وباستخدام تقنيات خام، قدر الباحثون عمر البقايا بـ40,000 سنة، وقام الباحث جان جاك هابلين الذي يعمل حالياً في معهد "ماكس بلاك" بإجراء نظرة فاحصة، فوجد الأسنان تحمل تشابهاً مع تلك التي يملكها البشر، ولكن الشكل بدا بدائياً غريباً.
ولكن منذ 2004، عمل الدكتور هوبلان وزملاؤه في الحفر بطبقات صخرية لتلال صحراوية في جبل "إرهود"، وعثروا على ثروة من الحفريات بما فيها عظام جمجمة لفرد من بين خمسة آخرين ماتوا جميعهم بنفس الوقت. كذلك اكتشف الباحثون شفرات الصوان في نفس الطبقة الرسوبية للجماجم، ومن المرجح أن يكون سكان جبل "إرهود" قد صنعوها لأغراض عدة واستخدموها فوق مقابض خشبية لتصميم الرماح. وأظهرت أحجار الصوان علامات على حرقها.
وقد استخدم الدكتور هوبلان وزملاؤه طريقة تسمى "thermoluminescence" لحساب الفترة الزمنية على مرور حرق تلك الشفرات، وقدروا أنها تعود لـ300 ألف سنة للوراء. أمّا الجماجم، اكتشفت بنفس طبقة الصخور، ولا بدّ أن تكون بنفس العمر.
وعلى الرغم من عمر الأسنان والفكين، فقد أظهرت التفاصيل التشريحية أنها تنتمي للإنسان العاقل، وليس لمجموعة "هومينين" أخرى، مثل الإنسان البدائي. وتشاطر الناس في جبل "إرهود" تشابهاً عاماً مع بعضهم البعض وحتى مع الإنسان الحيّ؛ حواجبهم ثقيلة، ذقونهم صغيرة، ووجوههم مسطحة واسعة، ولم يختلفوا كثيراً عن إنسان اليوم.