وفي أول تعليق رسمي أميركي على العملية، قال قائد القيادة الوسطى الأميركية في تامبا بفلوريدا، الجنرال جوزيف فوتيل، "يحزننا جداً خسارة أحد عناصر قواتنا الخاصة"، لافتاً إلى أن "التضحيات كبيرة جداً في قتالنا ضد الإرهابيين الذين يهددون الأبرياء في جميع أنحاء العالم". وقالت السلطات العسكرية الأميركية إن "العملية أثمرت عن الحصول على معلومات من المرجح أن تقدم لنا نظرة عن مخططات إرهابية مستقبلية". وذكر مسؤولون أن عمليات مماثلة أدت الى الحصول على معلومات استخباراتية عن لوجستيات تنظيم القاعدة وعمليات التجنيد والتمويل التي يقوم بها.
من جهتها، أفادت مصادر محلية يمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن العملية بدأت فجر الأحد، بضربات جوية هاجمت أهدافاً يسيطر عليها تنظيم القاعدة في قرية يكلا بمنطقة قيفة، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى إنزال جوي لجنود أميركيين هاجموا منزل الزعيم القبلي المتهم بالارتباط بتنظيم القاعدة، عبدالرؤوف الذهب، وخاضوا اشتباكات في المنزل، نتج عنها مقتل الذهب وشقيقه سلطان الذهب، وشيخ قبلي يُدعى سيف النمس الجوفي، من أبناء محافظة الجوف، بالإضافة إلى مدنيين من أسرة الذهب ومسلحين من أنصاره.
ونشر ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً قالوا إنها لركام طائرتين، جرى إسقاطهما خلال الإنزال، والاشتباكات التي استمرت نحو ساعة وسط أنباء عن تمكن القوات الأميركية من إنقاذ طاقميهما قبل أن يتم تدميرهما عقب السقوط، في حين تضاربت الأنباء حول عدد الضحايا اليمنيين، بين 27 و41 قتيلاً، بينهم 10 نساء وثلاثة أطفال. وأكدت مصادر "العربي الجديد"، أن من بين القتلى، طفلة تدعى نوار، وهي ابنة القيادي المعروف في تنظيم القاعدة، أنور العولقي، والذي قُتل في سبتمبر/أيلول 2011 بغارة أميركية لطائرة بدون طيار في محافظة الجوف. وكانت طفلة العولقي برفقة والدتها التي تنحدر من أسرة بيت الذهب بمحافظة البيضاء. وبمقتل ابنة العولقي تكون ثالث فرد من العائلة يقتل من قبل الولايات المتحدة بعدما استهدفت غارة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2011 نجل العولقي، عبد الرحمن العولقي، الذي كان يبلغ في ذلك الحين 16 عاماً.
ويعد عبد الرؤوف الذهب الذي قتل بالعملية من أبرز وجهاء القبائل في محافظة البيضاء، وسبق أن نجا أكثر من مرة من ضربات طائرات أميركية بدون طيار، استهدفته بين عامي 2012 و2013. وهو شقيق أمير تنظيم القاعدة، في رداع، سابقاً، القيادي طارق الذهب، والذي قتل بصراع عائلي عام 2012. وتعد رداع، وأبرز مناطقها قيفة، من أهم المعاقل التقليدية لتنظيم القاعدة في اليمن، نفذ فيها الجيش عملية ضد القاعدة مطلع العام 2013، كما خاض فيها مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفاؤهم معارك عنيفة مع مسلحين من القاعدة وقبليين أواخر العام 2014 ومطلع عام 2015.
وعلى الرغم من الاتهامات لعبد الرؤوف الذهب بالانتماء إلى تنظيم القاعدة ينفي مناصروه هذه التهمة، ويقولون إنه منذ تصاعد الحرب في اليمن ومع بدء عملية التحالف بقيادة السعودية، أصبح "قائداً للمقاومة الشعبية ضد الانقلابيين" في منطقة قيفة، ومع ذلك لا ينكرون علاقته الجيدة مع "القاعدة"، وكون التنظيم يلقى حاضنة قبلية واضحة في تلك المناطق. وتعد البيضاء عموماً من أكثر المحافظات التي ينشط فيها التنظيم، بعد تراجع انتشاره في المحافظات الجنوبية العام الماضي.
وتعتبر عملية الإنزال الأميركية في البيضاء، هي الأولى من نوعها على مستوى المحافظة، وسبقتها ثلاث عمليات بفترات متقطعة كان آخرها في ديسمبر/كانون الأول 2014 في محافظة شبوة، سعت من خلالها القوات الأميركية لتحرير رهينة أميركي محتجز لدى "القاعدة"، وفشلت ما أدى إلى مقتل المختطف، بعد اشتباكات استمرت لساعات. لكن العملية الأخيرة في البيضاء، بدت تطوراً نوعياً لا سيما أن الهدف كان قيادات من الممكن استهدافها من الجو، كما يقول باحث متخصص بشؤون الإرهاب فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، خصوصاً مع الكلفة البشرية التي اقتضاها إنزال مظلي في قرية يمنية وسط البلاد.
وتمثل العملية تطوراً خطيراً، باعتبارها تمثل انتقالاً للعمليات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة ضد المشتبهين بالانتماء لـ"القاعدة"، مع وجود التحفظات على قانونيتها، لتنتقل إلى التدخل بعمليات مباشرة على الأرض، الأمر الذي نظر إليه العديد من المعلقين اليمنيين بوصفه مؤشراً على الطريقة التي قد تعمد إليها الإدارة الأميركية الجديدة بالتعامل مع ملف الإرهاب في اليمن.
ومنذ أواخر العام 2009، بدأت الولايات المتحدة بشن ضربات كانت الغالبية منها بواسطة الطائرات بدون طيار، تستهدف في العادة مشتبهين بالانتماء لتنظيم "القاعدة. مع العلم أن حرب الطائرات الأميركية في اليمن، أو "حرب أميركا السرية في اليمن"، كما تصفها بعض التقارير، مرت بمراحل ثلاث أساسية، الأولى امتدت منذ العام 2001 وحتى 2009. وهي فترة التعاون على مكافحة الإرهاب. واقتصرت على اختراق الأجواء اليمنية والتحليق بطائرات استطلاع. ونفذت خلال هذه الفترة غارة جوية واحدة عبر طائرة من دون طيار انطلقت من جيبوتي، وأدت إلى مقتل 6 أشخاص بينهم أبو علي الحارثي، الذي كان يوصف بأنه قائد عمليات تنظيم "القاعدة" في اليمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2002. أما المرحلة الثانية فقد امتدت من أواخر 2009 وحتى نهاية 2010. وفي هذه الفترة، بدأت حرب الولايات المتحدة الفعلية في اليمن، وخصوصاً بعد اندماج الفرعين اليمني والسعودي لتنظيم القاعدة تحت مسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في يناير/كانون الثاني 2009.
وأخيراً، جاءت المرحلة الثالثة، الممتدة من 2011 وحتى اليوم. وبدأت منذ مايو/أيار 2011، موجة جديدة من الضربات، وذلك مع سيطرة مسلحي ما عرف بـ"أنصار الشريعة" المرتبطين بتنظيم القاعدة على محافظة أبين، ومناطق مجاورة في محافظة شبوة.
ونجحت الضربات خلال العامين الماضيين بحصد عدد كبير من قيادات التنظيم من الصف الأول، ومنها زعيم فرع ما سُمي بـ"تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب"، ناصر الوحيشي عام 2015. ومن اللافت في السياق، مجيء العملية الأخيرة في البيضاء، بعد عام تقريباً، على استهداف القيادي البارز، في التنظيم، جلال بلعيدي، والذي قُتل بضربة جوية مطلع فبراير/شباط 2016. لكن هذه الغارات تسببت في مقتل العشرات من المديين طوال السنوات الماضية، وهو ما جعلها مثار جدل كبير داخل اليمن والولايات المتحدة تركز حول نقاط عدة بينها مشروعية هذه الضربات، وحقيقة جدواها في محاصرة الإرهاب، وموقع هذه الضربات من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فضلاً عن اللغط الكبير حول استباحة السيادة اليمنية تحت شعار "محاربة الإرهاب".
كما يأتي التحول في مسار التدخل الأميركي في اليمن، عقب ساعات من دخول القرار الذي اتخذته إدارة ترامب، والقاضي بمنع اليمنيين ومواطني ست دول أخرى، من دخول الولايات المتحدة. وهو القرار الذي لاقى استياءً واسعاً في الأوساط اليمنية، وسط مخاوف من أن يكون القرار مؤشراً على تصعيد في العمليات العسكرية ضد المجموعات المتهمة بالارتباط بـ"القاعدة" خلال الفترة المقبلة.