الإفلات من الإقامة الجبرية للحوثيين... ظاهرة تتسع في اليمن

22 اغسطس 2018
يخشى الحوثيون فرار مزيد من السياسيين والعسكريين (فرانس برس)
+ الخط -
تمكن وزير التعليم الفني والتدريب الفني في الحكومة الشرعية اليمنية، عبد الرزاق الأشول، أخيراً من الإفلات من الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون في العاصمة اليمنية صنعاء شمال البلاد، والتي غادرها إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوباً، إلا أن محافظ تعز المعين من جماعة أنصار الله، عبده الجندي، وهو قيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، تم نقله إلى صنعاء بعد وصول معلومات للحوثيين عن ترتيبات بينه وقيادة حزبه لتسهيل هروبه إلى عاصمة اليمن المؤقتة عدن جنوب البلاد، وسط تزايد الخشية لدى الجماعة من تمكن مزيد من العسكريين والسياسيين من الإفلات من قبضتها والانضام إلى الشرعية.

وصل الأشول إلى العاصمة المؤقتة عدن في العاشر من أغسطس/آب 2018، بعد أن تمكن من الفرار من صنعاء إلى عدن عبر محافظة تعز، متحَرراً بذلك من الإقامة الجبرية المفروضة عليه منذ أكثر من عامين من قبل جماعة الحوثيين.

وكان الحوثيون قد اعتقلوا الأشول في العام 2015 لأكثر من ستة أشهر قضاها في سجون المباحث وفي فيلا خاصة، قبل أن يطلقوا سراحه مطلع العام 2016 إثر وساطة قادها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ليضعوه بعد الإفراج عنه تحت الإقامة الجبرية لمنع مغادرته البلاد أو الانضمام إلى السلطة الشرعية.
ويعد الأشول من أبرز قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح التي اعتقلها الانقلابيون، رغم انتمائه لأسرة هاشمية التي تشكل الحامل الرمزي لجماعة الحوثيين. شغل الأشول مناصب قيادية عدة في الدولة أبرزها منصب وزير التربية والتعليم في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت وفقاً للمبادرة الخليجية عقب ثورة 11 فبراير/شباط الشبابية الشعبية. كما تم تعيينه وزيراً للتعليم الفني والتدريب المهني في حكومة خالد بحاح عام 2014 ليستمر في منصبه حتى الآن.

تزامن انتقال الأشول إلى عدن مع وصول وزير الداخلية الأسبق اللواء مطهر رشاد المصري إلى محافظة مأرب شرق اليمن. ينتمي المصري لمحافظة ذمار اليمنية التي تعتبر من أبرز المحافظات الموالية للحوثيين ويشكل أبناؤها نسبة 70 في المائة من قوام الجيش اليمني السابق. ويعد من أبرز الشخصيات الأمنية الموالية والمقربة من أسرة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذي قتله الحوثيون في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.
وتفيد معلومات "العربي الجديد" بأن تهريب المصري جاء لإسناد مهمة كبيرة له في الساحل الغربي بجانب طارق صالح، ابن شقيق صالح، واستقطاب مقاتلين من أبناء محافظة ذمار إلى جانب استقطاب ضباط وجنود الأمن إلى صف قوات طارق التي تقاتل في الساحل الغربي لليمن والمدعومة من الإمارات.

ويعيد إفلات الأشول والمصري من الإقامة الجبرية إلى الأذهان قصص إفلات عدد من الوزراء والبرلمانيين والقادة السياسيين اليمنيين من الإقامة الجبرية المفروضة عليهم من الانقلابيين وأبرزهم الرئيس عبدربه منصور هادي الذي نجح في الإفلات من الإقامة الجبرية والتوجه إلى عدن ومنها إلى السعودية.
بعد أشهر من الانقلاب الذي نفذه الحوثيون، بمساعدة من وحدات الجيش المرتبطة بعلي عبد الله صالح، وتمكنهم من السيطرة على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، هاجموا منزل الرئيس هادي في 19 يناير/ كانون الثاني 2015 بعد اشتباكات مع الحرس الرئاسي، كما حاصروا القصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس الوزراء السابق خالد بحاح، واقتحموا المعسكرات ومبنى التلفزيون والمؤسسات وسيطروا عليها بالكامل، ليقدم الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح استقالتَيهما في 22 يناير/ كانون الثاني، ليقوم الحوثيون بخطوة تصعيدية عبر حل البرلمان وإعلان بيان الإعلان الدستوري في 6 فبراير/ شباط وتمكين ما يسمى باللجنة الثورية من حكم البلاد. بعد ذلك فرض الحوثيون الإقامة الجبرية على هادي وبحاح وعدد من وزراء حكومة الوفاق بالإضافة إلى برلمانيين وقادة سياسيين قبل أن ينجح هادي في 21 فبراير/ شباط 2015 في الإفلات من قبضة الحوثيين إلى عدن في قصة هروب استمرت أكثر من 16 ساعة تعددت حولها الروايات، لكن الرواية الأبرز والتي تؤكدها مصادر "العربي الجديد" أن عملية الهروب تمت بمساعدة وتنسيق وإشراف مخابرات أجنبية بينها مخابرات دول خليجية.
وتؤكد هذه المصادر أن العملية تمت بالتنسيق بين وحدة الحماية الخاصة التابعة لهادي وبين أجهزة مخابرات لدول أجنبية وخليجية ومشايخ قبليين بارزين سهلوا عملية الهروب، حيث تم نشر أخبار تتحدث عن سوء الحالة الصحية للرئيس هادي عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية، كما تم إحداث اشتباكات في معسكر الصباحة القريب من منزل هادي غرب مدينة صنعاء لإشغال أفراد جماعة الحوثي المحاصرين منزلَ هادي، بالتزامن مع زيارات لسياسيين إلى منزل هادي للإيهام بأنهم التقوا هادي للاطمئنان على صحته بعد الأخبار التي تحدثت عن تعرض وضعه الصحي للخطر".
وتوضح المصادر أن عملية الهروب تمت ليلاً ولم يرافق الرئيس هادي سوى مرافقين اثنين بلباس مدني، لتنفذ عملية الهروب عبر مراحل عدة تم فيها عبور طرق فرعية".
بدوره، تمكن قائد الفرقة الأولى- مدرع، نائب رئيس الجمهورية الحالي الجنرال علي محسن الأحمر، من الفرار بعدما لجأ عقب سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء إلى السفارة السعودية ليتم تمويه موكبه وتهريبه عبر مروحية خاصة إلى الأراضي السعودية، بحسب ما كشف السفير السعودي محمد سعيد آل جابر في مقابلة تلفزيونية. وأشار السفير إلى أنه قام بإعداد خطة للتمويه حيث تم تقسيم الموكب الخاص بعلي محسن إلى ثلاثة مواكب للخروج دفعة واحدة من السفارة وكل يتجه إلى محافظة للتمويه وأمر الحراسة أن يودعوا الموكب على الأبواب الخارجية للسفارة بصوت عالٍ، وفي الليل اتصل بالرئيس هادي وأخبره أن علي محسن لديه وأنه يحتاج إلى مروحية لنقله ونقل علي محسن إلى دار الرئاسة ومن ثم إلى جيزان".
وتتم عمليات هروب القيادات العسكرية والمدنية الموالية للشرعية من مناطق سيطرة جماعة الحوثيين إلى مناطق الشرعية بالغالب عبر طرق فرعية وعرة بمساعدة شيوخ قبليين أو عبر التنكر بالإضافة إلى شراء الولاءات. ونجح بعض البرلمانيين خلال الشهرين الماضيين بينهم البرلماني في كتلة المؤتمر، علي قائد الوافي، بالانتقال إلى مناطق الشرعية في عدن ومأرب بعد دفع مبالغ مالية لأفراد نقاط التفتيش التابعين للحوثيين، بحسب ما أكده برلمانيون تحدثوا إلى "العربي الجديد" وطلبوا التحفظ عن ذكر أسمائهم لأسباب خاصة.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، يتم تهريب معظم الهاربين من صنعاء إلى مناطق الشرعية عبر مهربين بمقابل مبلغ مالي من صنعاء إلى منطقة خولان جنوب شرقي صنعاء ومنها إلى محافظة مأرب الواقعة تحت سيطرة الشرعية مباشرة، وأحياناً يتم التهريب من منطقة خولان إلى محافظة ذمار ومنها إلى محافظة إب وسط اليمن ثم إلى فنادق منطقة قعطبة بمحافظة الضالع ومنها إلى عدن.

ويتم التهريب عادة بالتنسيق مع شخصيات كبيرة موالية للتحالف، منهم وفق المصادر نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر أو أسرة صالح، حيث يتم التواصل مع الشخصية المستهدف إخراجها من صنعاء عبر وسطاء وتتكفل بتوفير وسيلة النقل وترتيب وضع الشخصية مالياً وكل ما عليه هو الموافقة بالخروج. كما يتم أحياناً الإفراج عن شخصيات محتجزة لدى الحوثيين أو السماح لها بالخروج من صنعاء بصفقات سرية تتم بين الحوثيين وقيادات عسكرية موالية للشرعية أو مشايخ قبليين في مأرب والجوف مقابل الإفراج عن قيادي حوثي محتجز لديها أو أسرى يمثلون أهمية خاصة عند جماعة الحوثي.
كما تكشف المصادر عن وجود صفقات وتبادل خدمات بين الحوثيين وشخصيات موالية للشرعية بصورة غير معلنة بسبب القرابة أو مقابل حماية منازلهم وممتلكاتهم وتسهيلات تجارية للطرفين، من بينها الإفراج عن شخصيات في صنعاء مقابل صفقات من الغاز والمشتقات النفطية.

في مقابل هروب القيادات السياسية الموجودة في مناطق سيطرة الحوثيين، نقلت الجماعة القيادي في حزب المؤتمر جناح صالح، عبده الجندي، بعد اكتشافها ترتيبات بينه وبين قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام للهروب إلى عدن. وكان الجندي يوجد في منطقة الحوبان شرق مدينة الحوبان، والتي تشكل مركز السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية في تعز التابعة للحوثيين، بينما تتخذ السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية التابعة للشرعية من وسط المدينة مقراً لها.
ويؤكد مصدر في جماعة الحوثي، طلب عدم نشر هويته، "أن جماعة الحوثيين نقلت الجندي إلى صنعاء ووضع تحت الإقامة الجبرية وتحركاته باتت مقيدة بحراسة تابعة للجماعة".

وذكر المصدر، أن ظهور محافظ تعز المعين من قبل الحوثيين، في اجتماع مع رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط، في صنعاء في 15 أغسطس/آب لا يعني أنه محرر من القيود، بعد أن رصدت الاستخبارات ترتيبات مع قيادات حزبه في الشرعية من أجل نقله إلى عدن.
من جهته، يبرر مصدر آخر في جماعة أنصار الله في تعز، في حديث مع "العربي الجديد"، نقل الجندي إلى صنعاء بضلوعه في ما سمّاه "قضايا فساد مالي ترتبط بالإيرادات المالية التي يهيمن عليها أقرباؤه".
ولا تنحصر عمليات الهروب من مناطق الانقلابيين إلى مناطق الشرعية في المعارضين للانقلاب، بل إن عدداً من القيادات التي أعلنت تأييدها للانقلاب قد هربت إلى مناطق الشرعية وتم تعيينها في مناصب عليا، وهذا ما يزيد من تخوفات الانقلابيين. وأبرز تلك الشخصيات رئيس الوزراء الحالي أحمد عبيد بن دغر، ومستشار رئيس الجمهورية الحالي ووزير الخدمة المدنية السابق عبدالعزيز جباري، ومدير أمن مأرب العميد عبدالملك المداني والذي تجمعه علاقة قرابة بزعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي.
وبعد فض التحالف بين طرفي الانقلاب في اليمن، الحوثي وصالح ومقتل الأخير على يد الحوثيين، فرض الحوثيون الإقامة الجبرية على جميع الوزراء التابعين لصالح في حكومة الإنقاذ التابعة للانقلابيين وعددهم 13 وزيراً، بالإضافة إلى المئات من القيادات الأخرى المدنية والعسكرية الموالية لصالح.
وزادت أخيراً تخوفات جماعة الحوثيين من مغادرة قيادات المؤتمر الشعبي العام الموالية لصالح مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في ظل دعوات تطلقها قيادات مؤتمرية نجحت في الإفلات من الإقامة الجبرية المفروضة عليها إلى توحيد المؤتمر الشعبي العام تحت قيادة واحدة مؤيدة لشرعية الرئيس هادي، وتقف في مواجهة جماعة الحوثي التي دعا الرئيس صالح أنصاره إلى التمرد عليها قبل يومين من مصرعه على أيدي مسلحيها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتتعزز مخاوف جماعة الحوثيين من هروب قيادات عسكرية وبرلمانية موالية لصالح والتحاقها بالجيش الوطني والحكومة الشرعية، خصوصاً بعد إنشاء التحالف العربي معسكرات تدريبية لأنصار صالح في عدن بقيادة ابن أخيه العميد طارق صالح، حيث يتم تدريب ودعم هذه القوات وإشراكها في معارك الساحل الغربي، ومعظم الملتحقين بها هم من أفراد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الموالية لصالح والتي قاتلت في صفوف الحوثيين منذ بدء الانقلاب.
وبرأي الناشط السياسي، سعيد الشيباني، الذي تحدث مع "العربي الجديد" فإن لدى جماعة الحوثيين ثقافة وضع خصومها تحت الإقامة الجبرية تماماً كما هي ثقافة تفجير المنازل، وهي ثقافة تهدف إلى إذلال كرامة الخصم وجعله ينصاع لها مكرهاً ومهاناً، حيث تستطيع من خلال ذلك فرض شروطها عليه فيظهر وكأنه يناصر الجماعة بكامل إرادته وحريته. ويلفت الشيباني إلى أن هذا السلوك فرضته الجماعة مبكراً على هادي ورئيس الوزراء والوزراء والبرلمانيين وعدد من القادة السياسيين بهدف مصادرة استقلالية قرارهم وسلبهم حريتهم وحرية التعبير عن مواقفهم المناهضة لجماعة الحوثي وسياستها.
ووفقاً للشيباني، فإن جماعة الحوثي تركز بالدرجة الأولى على البرلمانيين الموجودين في مناطق سيطرتها لأنها تخشى أن يغادروا إلى مناطق الحكومة الشرعية أو إلى خارج البلاد، في ظل حرص الحكومة الشرعية والانقلابيين على عقد البرلمان بالنصاب الكافي لمنح الشرعية، على الرغم من أن البرلمان محكوم بالتوافق وليس بالأغلبية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والتي تم بموجبهما التمديد للبرلمان. كما أن جماعة الحوثي تخشى من التحاق بعض قياداتها المدنية والعسكرية أو المحسوبين عليها بالحكومة الشرعية، لأن ذلك سيمثل لها طعنة سياسية ستزيد من تعرية الانقلاب أمام المجتمع الدولي وأمام الشعب اليمني بمن فيه أنصار الحوثي أنفسهم".

دلالات