الإعلام الغربي والرواية الفلسطينية: عراقيل أبدية

18 اغسطس 2018
من مسيرات العودة (عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -
تواجه الرواية الفلسطينية في الإعلام الغربي، خصوصاً في الآونة الأخيرة والتي تزامنت مع أحداث مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار على حدود قطاع غزة مع الأراضي المحتلة، العديد من العقبات التي تعرقل تلقيها من قبل المجتمعات الغربية ووسائل الإعلام التابعة لها.
وتتمثل هذه الملاحظات في قصور الأداء الإعلامي الموجه للشارع الغربي ووسائله الإعلامية إلى جانب حضور النفوذ الإسرائيلي عبر أدوات الضغط والسيطرة على الكثير من وسائل الإعلام، الأمر الذي يجعل الرواية الفلسطينية في الكثير من المرات محط شك بالنسبة للمتلقي الغربي مع كثرة التعديلات التي تتم على المواد الصحافية المنتجة عن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

ومع بداية أحداث مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي انطلقت من غزة في 30 مارس/ آذار الماضي، توجهت أنظار وسائل الإعلام الغربية إلى القطاع بشكلٍ لافت حيث لم تخلُ أيام الجمعة من حضور الصحافيين الأجانب، إلا أن ذلك تراجع بصورةٍ ملحوظة في الأسابيع الأخيرة.
وواجه الاحتلال في ظل مسيرات العودة الكبرى انتقادات لاذعة وجهت له ولعناصر جيشه لا سيما على خلفية استهداف المدنيين وخصوصاً المسعفين وصغار السن وغيرهم من الحالات الإنسانية التي أثارت طبيعة تعامل جيش الاحتلال معها غضباً في الشارع الغربي.

الخطاب الإعلامي
ويرجع مراقبون ومختصون في الشأن الإعلامي والدعائي أسباب ذلك إلى طبيعة الخطاب الإعلامي الذي يستخدمه الفلسطينيون وعدم انسجامه مع الثقافة الغربية، إلى جانب بعض الأخطاء التي ترتكب عن سوء قصد ويقوم الاحتلال باستغلالها لتسويق روايته ضد الرواية الفلسطينية.
ويؤكد الصحافي سامي أبو سالم الذي يعمل مع وسائل إعلام غربية منذ سنوات، أنّ الرواية الفلسطينية ضعيفة جداً في وسائل الإعلام الأجنبية لعدة أسباب من أهمها الاختلاف الثقافي بين الراوي والمستمع وحجم الفجوة الثقافية إلى جانب الأخطاء التي ترتكب ويستغلها الاحتلال لا سيما على صعيد التصريحات والصور أو مقاطع الفيديو التي يجيد الاحتلال إعادة تصديرها بطريقة تخدمه.

ويقول أبو سالم لـ "العربي الجديد" إن هناك غيابا في النشاط ومتابعة ما ينشر في الوقت الذي يرصد الاحتلال ما ينشره الصحافيون الأجانب ضده ويضغط عليه من أجل إدخال تعديلات على تقاريرهم وموادهم الصحافية، في الوقت الذي يغيب الفلسطينيون عن القيام بذلك.
وعن تأثيرات مسيرات العودة والتصعيد الغربي الأخيرة على حضور الرواية الفلسطينية في الإعلام الغربي، يوضح الصحافي الفلسطيني أنه ورغم تسليط الضوء في بداية الأمر على الأحداث إلا أنه يمكن القول إن الرواية الفلسطينية تعرضت للهزيمة بفعل التكرار للأحداث وما ارتكب من أخطاء.
والتركيز على الصحافة المحلية وحتى العربية كمن يتحدث مع نفسه، لا سيما مع التركيز على استخدام اللغة العربية وغياب اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأجنبية في نقل الأحداث والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني للعالم الغربي، وفق أبو سالم.

وبحسب الصحافي الفلسطيني فإن النفوذ السياسي والمالي الذي يتمتع به الاحتلال على وسائل الإعلام الغربية يعتبر أحد الإشكاليات التي تعترض الرواية الفلسطينية، كما جرى واستجابت هيئة الإذاعة البريطانية لشكوى وزارة خارجية الاحتلال وقامت بتعديل أحد الأخبار المرتبطة باستشهاد فلسطينية وجنينها وطفلتها بقصف إسرائيلي.

وعن الخطوات التي يتوجب على الفلسطينيين اتخاذها لتغيير حضورهم في الإعلام الغربي، ينبه أبو سالم إلى ضرورة مخاطبة الإعلام الغربي باللغات الأجنبية وعدم المبالغة ونقل الحقيقة المطلقة، إلى جانب التركيز على بعض القضايا الإنسانية التي تلفت انتباه المجتمع الغربي.



غياب المختصين
من جهته، يقول الخبير في الشأن الدعائي حيدر المصدر إن الانتقادات الموجهة لضعف الرواية الفلسطينية في الإعلام الغربي مرتبطة بمعايير منها غياب المختصين في مسألة اللغة وعدم القدرة على صياغة خطاب إعلامي يتناسب مع المجتمع الأجنبي والغربي.
ويضيف المصدر لـ "العربي الجديد" أن غياب فهم ثقافة الآخر وعدم القدرة على بناء خطاب إعلامي يتناسب مع الغرب هي إحدى العقبات التي تعترض الرواية الفلسطينية إلى جانب عدم تزويد المتضامنين الأجانب الذين يتم التشبيك معهم لنقل الرواية بالمعلومات اللازمة التي تساعدهم في مواجهة الرواية الإسرائيلية.

ويلفت الخبير في الشأن الدعائي إلى أن مسيرات العودة بشكلها الإنساني ساهمت في إعادة النظرة الإنسانية للقضية الفلسطينية وأعادت الاهتمام بواقع قطاع غزة لغاية فترة قريبة حيث استطاعت جذب الاهتمام الغربي، إلا أن ذلك لم يقابله خطوات فلسطينية إضافية لاستغلال ذلك.
وعن الضغط الإسرائيلي وتأثيره على الرواية الفلسطينية، يؤكد المصدر على أنّ الفلسطينيين يتحملون جزءاً من المسؤولية فالاحتلال شكل وزارة تسمى وزارة الشؤون الاستراتيجية والمعلومات من أجل أن تنشط في مجال صناعة الصورة وتكوينها عن دولة الاحتلال وهو ما لم يقابله خطوات فلسطينية.



التشويش الخارجي
بدوره، يرى نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل أن الصورة الفلسطينية يشوبها بعض التدخلات والتي تعمل على التشويش على رسالة الشعب الفلسطيني، كما جرى مع انطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي بدأت بطابع سلمي كامل قبل أن يحاول الاحتلال عسكرتها.
ويقول الأسطل لـ "العربي الجديد" إن التركيز على الطابع السلمي للأحداث سواء في مسيرات العودة أو غيرها هو أحد الجوانب التي تبقي وتعزز حضور الرواية الفلسطينية خصوصاً عبر تسليط الضوء على النساء والأطفال وكبار السن الذين يتعرضون لاعتداءات الاحتلال.

وبعض التصرفات التي مارسها النشطاء خلال المسيرات أدت لاستغلالها من قبل الاحتلال لتبرير جرائمه وتشويش الرواية الفلسطينية لدى وسائل الإعلام الغربية، فضلاً عما يمتلكه من جماعات ضغط وتأثير على وسائل الإعلام الأجنبية، وفق الأسطل.
وينبه إلى أن الاحتلال لا يخجل من ملاحقة وسائل الإعلام الغربية والضغط عليها من أجل نشر وتثبيت مصطلحاته عبر مؤسساته الرسمية وغير الرسمية مستغلاً جماعات الضغط والنفوذ المالي والسياسي الذي يمتلكه، في الوقت الذي ينحصر الدور الإعلامي الفلسطيني على الصعيد المحلي.

ويدعو نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين إلى ضرورة اتخاذ وزارة الخارجية الفلسطينية وجامعة الدول العربية وغيرها من المؤسسات سلسلة خطوات تساهم في تعزيز الرواية الفلسطينية في وسائل الإعلام الغربية على حساب الرواية الإسرائيلية وتعمل على تثبيت حضورها.
وطوال سنوات الصراع مارس الاحتلال الإسرائيلي عبر مؤسساته المختلفة ضغوطاً كثيرة على وسائل إعلام أجنبية ودولية شهيرة من أجل تغيير بعض المواد الصحافية التي تدين وتفضح انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني لا سيما تلك المرتبطة بعمليات التصفية الجسدية أو الأطفال والنساء، وهو ما كان يدفع ببعض هذه المؤسسات للرضوخ للضغط المالي والسياسي.
المساهمون