الإعلام الجزائري يتعامى عن حراك الشعب

02 نوفمبر 2019
شارك أكثر من مائة ألف جزائري (بلال بن سالم/نورفوتو)
+ الخط -


شارك أكثر من مائة ألف جزائري، أمس الجمعة، في مسيرة طالبت بإزاحة النخبة الحاكمة وإنهاء تدخل الجيش في الحياة السياسية، تزامناً مع ذكرى انتفاضة عام 1954 على الاحتلال الفرنسي، لكن القنوات التلفزيونية المحلية أطفأت كاميراتها أمام الحراك الشعبي، فغابت التظاهرة الحاشدة عن نشرات الأخبار والبرامج.

وباستثناء "جزاير نيوز" المحلية التي أفردت الجمعة حيزاً لتغطية التظاهرات، فإن القنوات التلفزيونية الباقية لم تخصص أي فقرات إخبارية للتظاهرات الحاشدة، وفي الغالب اقتصر الأمر على خبر عابر، ولم تتضمن النشرة الرئيسية للتلفزيون الجزائري الرسمي أي إشارة أو خبر أو صور عن المسيرات الحاشدة، رغم أهميتها وضخامتها، علماً أنها استقطبت اهتماماً كبيراً من قبل القنوات الأجنبية. 

ومنذ أسابيع طويلة تمتنع القناة التلفزيونية الرسمية والقنوات المستقلة عن تغطية الحراك الشعبي، وتتجاهله كحدث مركزي له تداعياته السياسية. وعلى الرغم من مقاطعتها للتظاهرات في الجزائر، لا يجد التلفزيون الرسمي والقنوات المحلية حرجاً في إيلاء اهتمام وتغطية للانتفاضة الشعبية في العراق ولبنان، وتفتح نقاشات حولها وتداعياتها.

وتمارس السلطات الرسمية ضغوطاً كبيرة على القنوات التلفزيونية، لمنعها من تغطية الحراك الشعبي، وهو أمر لا يروق جزءاً مهماً من الصحافيين العاملين في هذه القنوات، إذ كان عدد من الصحافيين في التلفزيون الرسمي قد نشروا قبل أيام فيديو وثّق نقاشاً في مقرّ عملهم، حول ضرورة تجاوز هذه الضغوط، وتحرير التلفزيون من الأوامر الفوقية، والتعامل مع الحراك الشعبي والتظاهرات كحدث يدخل في إطار نقل الخبر وتقديم الخدمة العامّة.

وتحدث صحافيون يعملون في قنوات مستقلة لـ "العربي الجديد"، من دون ذكر أسمائهم، عن النقاشات داخل قاعات التحرير في مؤسساتهم، وعبّروا عن رفضهم للوضع الحالي، مطالبين بفكّ الحصار الإعلامي، وإنهاء ما وصفوه بـ "الوضع المخزي" و"الموقف غير المهني"، و"الخطأ التاريخي الذي سيسجل على المؤسسة الإعلامية والصحافيين ". وأكدوا حصول ضغوطات تمارسها السلطة على القنوات، مشيرين في الوقت نفسه إلى بروز حالة من الرقابة الذاتية وبعض التملق المجاني يبديها رؤساء تحرير للمسؤولين، عبر تطبيق تعليمات السلطة بحذافيرها. 

ويجد متابعون في عزوف القنوات المحلية عن تغطية الحراك الشعبي وتظاهرات الجمعة وضعاً غير قابل للتفسير والتبرير، خاصة أنها لا تبذل أي جهد نضالي للدفاع عن المهنية والأخلاق التي تفرض التعاطي مع الحراك كحدث محلي مركزي وتاريخي. وتمثل القناة الإذاعية الثالثة، الناطقة باللغة الفرنسية، الاستثناء مقارنة بباقي القنوات التلفزيونية والإذاعية في الجزائر، إذ تفرد في نشرتها الإخبارية، يومي الجمعة، والسبت فقرات للحديث عن تظاهرات الحراك الشعبي.

ويفسّر الإعلامي، سامي طالحي، هذه المفارقة في تصريح لـ"العربي الجديد"، قال فيه إن "القنوات الجزائرية نفسها لم تتمكن بعد من تسوية وضعيتها القانونية كقنوات جزائرية مستقلة، وبالتالي من الطبيعي خضوعها للنظام والبقاء رهينة له على حساب صوت الشعب وتطلعاته التي لم تكن بمستواها من جهة، وعلى حساب أخلاقيات المهنة من طريق تغييب صوت الشعب وتجاهله من جهة أخرى"، مضيفاً أن "الأكثر سوءاً من تجاهلها لتغطية الحراك ممارستها في أغلب الأحيان الدعاية لقرارات السلطة ومشاريعها، علماً أن هذه القنوات رهينة الإشهار (عائدات الإعلانات) الذي تحتكره الدولة".

ويعتقد طالحي أن البيئة التشريعية التي تعمل في ظلها القنوات الجزائرية تضعها تحت رحمة السلطة، وتمنعها من الخروج عن الضوابط والخطوط التي تحددها لها السلطة. وقال إن "هناك مشكلاً جوهرياً متمثلاً بتبعية سلطة ضبط مجال السمعي البصري للجهاز التنفيذي، فمن غير المعقول أن تمنح وزارة الاتصال اعتماد القنوات كمكاتب أجنبية، عوض وضع إطار قانوني ينظم نشاط القنوات الذي هو في الأصل من اختصاص سلطة الضبط".

وعلى أساس هذا الوضع القاتم، يلفت متابعون إلى أن السلطة الجزائرية، بضغطها على القنوات المحلية الرسمية والمستقلة ومنعها من تغطية الحراك وفق رؤية محلية، تقدّم المشاهد الجزائري هديةً للقنوات الأجنبية، بما تملكه هذه القنوات من رؤية تحريرية وسياسية خاصة تقرأ وفقها الحدث الجزائري، وتتيح للقنوات الأجنبية فرصة الانفراد بالتعاطي مع الشأن الجزائري إعلامياً.