بينما تواجه تونس ضغوطاً من المقرضين لتسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي، إثر الهزة التي أصابت الاقتصاد العليل بعد هجومين استهدفا قطاع السياحة، فإنها لا تسير، فيما يبدو، في طريق سالكة مع تزايد نفوذ النقابات ورفض المعارضة العديد من الخطوات المماثلة.
ورغم أن تونس أصبحت نموذجاً للانتقال الديمقراطي في المنطقة، فإنها تواجه ضغطاً لتنفيذ إصلاحات تساعد في إنعاش الاقتصاد وخفض العجز، مع تراجع إمكانيات الدولة منذ ثورة 2011، التي أنهت 23 عاماً من حكم الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي.
وبعد أربع سنوات من الثورة ما زال كثير من التونسيين يشعرون بالضيق، في ظل غلاء الأسعار وتفاقم معدلات البطالة في البلد، الذي يعتمد أساسا على صناعة السياحة مع موارد طبيعية على عكس جارتيه ليبيا والجزائر.
وبالفعل بدأت تونس بعض الخطوات المتحفظة في طريق الإصلاح في القطاع المصرفي، بعد أن ضخت 440 مليون دولار لإعادة رسملة مصرفيين عموميين ضمن خطة لإنقاذ المصارف العمومية، لكن الحكومة، التي تعهدت بالمضي قدماً في الإصلاحات، اضطرت إلى رفع أجور 800 ألف موظف في القطاع العمومي للمرة الثانية هذا العام، وهو ما سيكلف خزينة البلاد حوالى مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة.
ويشمل الاتفاق سنوات 2015 و2016 و2017، لكن رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، قال إن: "هذه الخطوات ضرورية للسلم الاجتماعي، ولإضفاء مناخ من الهدوء ووقف نزيف الإضرابات مما يساعد على استعادة نسق الاستثمار الأجنبي والنمو".
ودعت رئيسة صندوق النقد، كريستين لاغارد، تونس إلى التعجيل بإصلاحاتها وخفض الإنفاق العمومي، معتبرة أن كتلة الأجور بلغت في تونس 13% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، وفق تقديرها.
ونقلت وكالة "رويترز" عن الصيد، قوله: "نحن نعرف جيداً أن الإصلاحات لها ثمن غالي، ولكنه ضروري لأننا نحتاج السلم الاجتماعي في الفترة المقبلة للمضي قدما في الإصلاحات، التي لم تعد تحتمل تأخيرا نظرا للوضع الاقتصادي الحرج للبلاد".
وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، نظم المعلمون إضرابات متتالية للمطالبة بزيادة الأجور والمنح، وهو ما استجابت له الحكومة في نهاية المطاف.
وتراجعت الحكومة في فبراير/شباط الماضي عن إقرار ضريبة بعد احتجاجات قتل خلالها شاب برصاص الشرطة، لكن الحكومة تقول إن الكثير من الإصلاحات الجبائية سترى النور في 2016، وإنها لن ترفع الأجور في القطاع العام في 2016 و2017.
ولم تعلن الحكومة بعد عن الإجراءات بشكل واضح، لكن وفقاً لوزير الشؤون الاجتماعية، عمار الينباعي، فإن: "رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاماً من بين الإجراءات، التي قد تعلن في الفترة المقبلة، لسد عجز الصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزاً يصل إلى مليار دولار".
اقرأ أيضاً: تونس تنهي الطوارئ أملاً في عودة المستثمرين
وأضاف الوزير التونسي: "نحن قريبون من الوصول إلى اتفاق مع اتحاد الشغل لإقرار قانون يقضي برفع سن التقاعد بشكل اختياري، بعامين، ضمن خطة إصلاحات عاجلة".
ونقلت الوكالة عن مصادر أن: "مشروع قانون رفع سن التقاعد سيطرح نهاية هذا العام على البرلمان"، لكن حكومة الصيد لا تبدو جادة بالشكل الكافي، رغم أنها جمعت بين الخصمين، وهما حزب نداء تونس العلماني وحزب النهضة الإسلامي أكبر حزبين، وتتعرض لهزات من حين لآخر، من بينها استقالة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، لزهر العكرمي، هذا الشهر والذي قال إن: "الفساد استشرى وإن الحكومة أياديها مرتعشة في مكافحة الفساد وتوسع الاقتصاد الموازي، الذي ارتفع إلى 50% من اقتصاد البلاد".
ولا تبدو حكومة الحبيب الصيد في وضع مريح في ظل توالي دعوات، من قياديين في حزب نداء تونس، بتغيير رئيس الحكومة وإجراء تعديلات على تركيبتها، معتبرين أن نداء تونس لا يحكم وأن إدارة الصيد هي من تحكم، دون الالتزام ببرنامج نداء تونس الانتخابي.
وذكرت مصادر أن الصيد يستعد لتعديل وزاري وشيك، الشهر المقبل، لضخ دم جديد في الحكومة.
والدخول في مرحلة من عدم الاستقرار السياسي من شأنه أن يعطل الإصلاحات، التي يراها المقرضون ضرورية بعد تعرض الاقتصاد لهزة كبيرة إثر هجومين لمتشددين استهدفا قطاع السياحة الذي يمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأثار مشروع قانون للمصالحة الاقتصادية، اقترحه رئيس الجمهورية، جدلاً واسعاً وتوحدت المعارضة في رفضه، وخرجت في مظاهرات للشارع بعد أشهر من الهدوء، مما يشير إلى صعوبة تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية.
ولكن الصيد قال: "إن الإصلاحات يجب أن تكون في إطار توافق واسع مع النقابات والأحزاب السياسية، ولا يتعين أن تكون في إطار صدام لأننا بحاجة لمناخ سليم لاستقطاب الاستثمارات الخارجية".
اقرأ أيضاً:
تونس تبحث عن مَخرج لأزمتها الاقتصادية
توقعات النمو الاقتصادي في تونس تثير جدلاً