لا يمكن فكّ الارتباط بين عالمي الأرقام والأخبار، وهو ما تثبته مؤشّرات الأسواق العالميّة والبورصات الكبرى التي تتغيّر إما صعوداً أو نزولاً، حسب طبيعة الأحداث السياسيّة والأوضاع الأمنيّة. وهو ما يؤكده الخبير محمد ياسين السوسي الذّي أشار إلى أنّ العلاقة بين الشأن السياسيّ وعالم الاقتصاد، جعلت الإشاعة ذات تأثير كبير على توازن الأسواق وتحديد السياسة الاقتصاديّة.
خطة الأخبار الكاذبة
ويوضّح السوسي لـ "العربي الجديد" أنّ الأمس القريب يحمل العديد من الأمثلة لأخبار كاذبة استطاعت أن تؤثّر في السوق وفي الوضع الاقتصاديّ بشكل عامّ في تونس، لعلّ أبرزها ما راج السنة الماضية عن عزم المصارف منع التسهيلات وإيقاف القروض الاستهلاكيّة، وهو ما نفاه البنك المركزيّ فيما بعد، ممّا أثار بلبلة كبيرة وأدّى إلى موجة من السحوبات والإقبال على استباق القرار الوهمي وتقديم عدد ضخم من ملفّات القروض الصغيرة. وقد ارتفع حجم القروض حينها إلى 23 مليون دولار أي بتطور بلغ 3.97% مقارنة بنفس الفترة من عام 2013.
كما شهد قطاع المحروقات ضغطاً هائلاً السنة الماضية، عقب إشاعة تحدّثت عن عزم محطات البنزين الدخول في إضراب مفتوح، ممّا دفع الآلاف من المواطنين إلى تعبئة سياراتهم وصهاريج صغيرة بالبنزين والمازوت تحسبّاً لهذا الانقطاع المرتقب؛ والذي تبيّن أنّه لم يكن سوى إشاعة، الغرض منها تشجيع تجارة البنزين المهرّب عبر استنزاف محطّات التزويد. وتستمرّ الأمثلة، حيث أدّت إشاعة عن تواجد مكوّنات سامة في غذاء أسماك الأحواض الاصطناعيّة إلى خسائر بلغت 800 ألف دولار لمربّي الأسماك وعشرات المحاضن الصغرى التي أعلنت إفلاسها، في إطار حرب اقتسام السوق بين موزّعي الأسماك.
قدرة الإشاعة في زعزعة السوق
في هذا السياق، تقول الخبيرة الماليّة نجوى الهمّامي، إنّ البورصة تعتبر أفضل مثال على قدرة الإشاعة على زعزعة استقرار السوق. فالبورصة التونسيّة شهدت العديد من الاضطرابات التي أدّت إلى انخفاض المؤشّرات نتيجة أخبار زائفة استفادت من مناخ الخوف والضبابيّة السياسيّة التّي تخيّم على البلاد منذ ثورة 2011. آخر هذه الحوادث ما نقلته قناة إيطاليّة الأسبوع الماضي عن مظاهرات حاشدة ترفع أعلام "داعش" في قلب العاصمة التونسية، وقد عرضت مقاطع قديمة يعود بعضها لسنة 2012. وهو ما أدّى إلى ردّة فعل سلبيّة في السوق الماليّة حيث بلغت خسارة المؤشر الرئيسي لبورصة تونس للأوراق المالية "توننداكس" 0.08% بحسب موقع البورصة على الإنترنت.
هذا ومُنيَ المؤشر الرئيسي للبورصة التونسية بخسائر بلغت نسبتها 8.8% خلال العام الماضي، نتيجة تواتر الإشاعات الأمنية والسياسيّة، من قبيل الإضرابات الوهميّة وخلافات بين الأحزاب واحتمالات التصعيد، بالإضافة إلى أخبار كاذبة حول عمليات إرهابية أو كشف مخازن سلاح وغيرها، إذ انخفضت الصفقات التي عقدتها مختلف الشركات المدرجة في البورصة التونسيّة خلال السنة الماضية إلى ألفي صفقة لا غير بقيمة لا تتجاوز 1.2 مليون ورقة مالية.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي إنّ القانون التونسيّ يجرّم بثّ الإشاعات، ويعاقب بالسجن من شهرين إلى عامين وبخطية من 200 دولار إلى 12000 دولار. إلاّ أنّ الإشاعة تحوّلت إلى آليّة معتمدة للتلاعب بالسوق، وجزء من السياسة الاقتصادية التي تدفع بأصحاب المصالح إلى بثّ هذا النوع من الأخبار لخدمة مصالحهم.
ويستطرد الجويلي أنّ إشاعة إمكانية انقطاع الحليب بسبب التصدير إلى ليبيا أدت إلى اختفاء هذه المادة الأساسيّة من الأسواق، وصارت تباع خلسة بضعف سعرها تقريباً من قبل المحتكرين. كذلك هو الحال بالنسبة للعقارات التي شهدت أسعارها إبّان الثورة الليبيّة ارتفاعا جنونيّا، بسبب إشاعة عن نيّة عشرات الآلاف من الليبيّين شراء المنازل والعقارات والاستقرار نهائيّا في تونس. المعضلة الكبرى كما يراها الخبير الجويلي ليست في الإشاعة بحدّ ذاتها، بل في تباطؤ السلطات الرسميّة في نفيها وتكذيبها عبر الأدلة والحجج المقنعة، ما يجعل البلاد أرضاً خصبة لانتشار الأخبار الملغومة.
إقرأ أيضاً: ريم الضامن:المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية ثابتة منذ 20 عاماً