الإرهاب يكبد الاقتصاد العالمي 53 مليار دولار سنويّاً

19 نوفمبر 2015
رجال الأمن في فرنسا بعد الاعتداء الأخير على باريس(Getty)
+ الخط -
فيما ترتفع كلف الخسائر البشرية من جريمة الهجوم الإرهابي المتوحش على العاصمة الفرنسية باريس، ويرتفع عدد الضحايا والخسائر المادية، يواصل العالم تكبد المزيد من الخسائر من العمليات الإرهابية التي باتت المهدد الأول للاقتصاد العالمي، خصوصاً إرهاب ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي يواصل نقل الحرب إلى خارج المنطقة العربية ليضرب المدن الأوروبية.
وباتت هنالك مخاوف رئيسية من قيام هذا التنظيم بهجمات إرهابية تقطع إمدادات النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط التي تعد أهم مُمد للعالم بالطاقة، إن لم تتم محاصرته والقضاء عليه بشكل نهائي.
وعلى الرغم من صعوبة حساب الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي يتكبدها العالم من العمليات الإرهابية، فإن بعض معاهد الدراسات العالمية، حاولت إصدار مؤشرات خسائر الإرهاب للاقتصاد العالمي. من بين المعاهد، معهد السلام والتجارة العالمي، ومؤسسة راند وغرفة التجارة البريطانية.
ويبدو من السهولة حساب الكلف المباشرة من العمليات الإرهابية، ولكن هنالك صعوبة في حساب الكلف غير المباشرة التي تتخلل مجمل النشاط الاقتصادي، وتمتد من التأمين إلى الاستثمار إلى أسواق المال ودورة التجارة والحركة التجارية.
ويقدر "مؤشر الإرهاب" الذي يحسب خسائر العالم من العمليات الإرهابية، كلفة الإرهاب في أنحاء العالم، خلال عام 2014، بحوالي 52.9 مليار دولار. وهذه الإقام لا تأخذ في الحسبان كلف العمليات الإرهابية التي ينفذها نظام بشار الأسد وتنظيم الدولة "داعش" في كل من العراق وسورية.
وحسب المؤشر، الذي يصدره معهد التجارة والسلام الذي يوجد مقره في كل من مدينة أوكسفورد البريطانية، ونيويورك الأميركية، فإن هذه الكلفة تعد الأعلى، منذ عملية تفجير مبنى التجارة العالمي، بنيويورك في عام 2001.
وفي بريطانيا تشير الدراسة، إلى أن عمليات مكافحة الإرهاب تكلف الفرد البريطاني حوالي 40 دولاراً في السنة، وهذا الرقم أعلى من كثير من الكلف الأخرى.

ويلاحظ أن كلف العمليات الإرهابية على مدينة لندن أقل كثيراً من كلف العمليات الإرهابية على باريس وباقي المدن الأوروبية والأميركية. ويرجح السبب حسب غرفة التجارة بلندن، إلى أن لندن تعاملت مع العمليات الإرهابية فترة طويلة، حيث أن الجيش الجمهوري الإيرلندي، ظل ينفذ عمليات إرهابية في مدينة لندن منذ الثمانينات.
وترى الغرفة أن هذا العامل جعل مدينة لندن سريعة التعامل، وربما أكثر كفاءة في التعامل اللحظي مع التداعيات الاقتصادية للعمليات الإرهابية.
ولاحظت في دراسة بهذا الصدد، أن العملية الإرهابية التي تعرضت لها مدينة لندن في عام 2005، تم التعامل معها بشكل سريع، حيث تمكنت السلطات الأمنية من إعادة تشغيل البريد بشكل كامل، في نهاية اليوم، الذي نفذت فيه العملية، وعادت المتاجر لأعمالها بشكل طبيعي في اليوم الثاني. فيما يلاحظ أن عودة العمليات التجارية إلى وضعها الطبيعي، ربما تأخذ أياماً في باريس، كما أخذت أكثر من أسبوع في مدينة نيويورك عقب العملية الإرهابية على مبنى التجارة الدولي.
وعلى الرغم من أن الكلفة الاقتصادية المباشرة للهجوم الإرهابي على باريس، الذي حدث في يوم الجمعة الماضي، يمكن حسابها، وحسب التقديرات البريطانية، لن تكون كبيرة وسط إصرار مواطني فرنسا، على هزيمة الإرهاب، إلا أن الكلف غير المباشرة على الاقتصاد الفرنسي، ستكون كبيرة بالتأكيد، لأنها تتناول زيادة الإنفاق الفرنسي على مكافحة الإرهاب من جهة، وكلف التأمين وخطوات إعادة الثقة للأعمال التجارية والدورة الاقتصادية.
وحسب دراسة معهد السلام والتجارة الدولي، فإن كلف الإرهاب لا تتوقف على خسائر الأرواح البشرية من قتلى وجرحي، وهي من الخسائر التي لا تقدر بثمن، ولكنها تمتد إلى تدمير الممتلكات والبنى الأساسية للدول والمدن، وتمتد كذلك لتشمل جوانب اقتصادية مهمة، مثل زيادة الإنفاق الأمني والدفاعي وارتفاع كلف التأمين على الأعمال التجارية والشحن وتأمين خطوط الإمداد للخدمات الرئيسية، مثل محطات التوليد الكهربائي وأنابيب نقل الغاز والنفط والمنشآت الرئيسية.
وعلى صعيد الأسواق المالية والتجارة، فإن العمليات الإرهابية تقود في الغالب إلى حال من عدم اليقين والشكوك بشأن التنبؤ بالمستقبل بالنسبة للمستثمرين والمتسوقين. وتتفاعل حال عدم اليقين في أسواق المال لتخفض تدفقات الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد، كما تحدث تغييرات كبرى في وسائل التصدير والطرق الآمنة البرية والبحرية.

اقرأ أيضا: "مجموعة العشرين": تصاعُد الإرهاب يعرض الاقتصاد والسلام للخطر

أما على صعيد الحركة الشرائية، فإن العمليات الإرهابية تقود عادة إلى تغيير أنماط الاستهلاك والادخار. ففي عملية باريس مثلاً، فإن أول الضحايا الرئيسيين، كانت محلات التسوق التي أغلقت أبوابها بعد الحادث مباشرة، ولكنها فتحت في اليوم الثاني، ولكن بشكل جزئي.
من جانبه، قدر صندوق النقد الدولي في دراسة صدرت عقب عملية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، على مركز التجارة العالمي في نيويورك، أن العملية الإرهابية كلفت الاقتصاد الأميركي حوالي 75 مليار دولار سنوياً. ولكنه لاحظ أن عملية إعادة الثقة للأسواق الأميركية أخذت فترة أطول، كما أن مدينة نيويورك اتخذت إجراءات أمنية مشددة أثرت على الأعمال التجارية لمعظم مناطق التسوق. وكانت النتيجة أن المحال التجارية والأعمال تكبدت خسائر في الثلاثة أشهر التي تلت العملية في سبتمبر/ أيلول، حيث جاءت نتائج الشركات الأميركية سالبة في الربع الأخير من عام 2001.

وعلى صعيد الأسواق الناشئة، لاحظت الدراسة الصادرة عن معهد السلام أن أول ضحايا الإرهاب في الاقتصادات الناشئة أو اقتصادات دول العالم الثالث، يتمثل في ضرب تدفق الاستثمارات الأجنبية. كما حدث في كل من مصر ونيجيريا والهند والعراق وسورية وعدد من دول العالم النامي. وذلك ببساطة، لأن رأس المال الأجنبي ينظر إلى مؤشر الاستقرار السياسي في توجهاته الاستثمارية، فكلما كانت الدولة مستقرة سياسياً، كلما تمكنت من جذب استثمارات أجنبية والعكس بالعكس.
وحسب دراسة لمصلحة التجارة والشؤون الخارجية الأسترالية، فإن الإرهاب يضيف كلفاً تقدر بحوالي 180 مليار دولار سنوياً للتجارة العالمية.
وتقسم دراسة معهد السلام والتجارة العالمي، كلف الإرهاب إلى قسمين، القسم الأول هو الكلفة المباشرة من العمليات الإرهابية المتمثلة في القتلى والجرحى والدمار الذي يصيب المباني والبنى الأساسية، أما القسم الثاني فيخص الخسائر الثانوية المتمثلة في الخسائر غير المباشرة التي تؤثر على الاقتصاد فترة زمنية طويلة. وهي كلف أكثر تعقيداً، حيث تمتد إلى مجمل نواحي الاقتصاد والنشاط التجاري.
وفي ذات الصدد، لاحظت الدراسة الصادرة عن مؤسسة "راند" الأميركية، أن العمليات الإرهابية تقود تلقائياً إلى ضرب انسيابية الحركة التجارية في أسواق المال والمتاجر.
وتشير الدراسة التي أصدرتها المؤسسة في عام 2011، إلى أن الهجوم الإرهابي على نيويورك كلف الاقتصاد الأميركي حوالي 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقدرت الدراسة الكلفة المباشرة لمدينة نيويورك عقب العملية الإرهابية بحوالي 55 مليار دولار. فيما بلغت كلفة انكماش النشاط الاقتصادي الذي تلا العملية بحوالي 123 مليار دولار. ولكنها لاحظت أن كلف زيادة الأمن الداخلي والعسكري والمخابراتي رفعت خسائر الولايات المتحدة من العملية إلى حوالي 589 مليار دولار.
وعادة ما تقود العمليات الإرهابية إلى زيادة أسعار بوليصة التأمين على المؤسسات الرئيسية، ومثلاً على ذلك، فإن كلفة بوليصة التأمين على مطار أوهيرو في شيكاغو ارتفعت عقب عملية مبنى التجارة العالمي من 125 ألف دولار في السنة إلى 6.9 ملايين دولار.
ولولا أن الحكومة الأميركية تدخلت وأجرت تعديلات على قوانين صناعة التأمين لتتحمل 85% من كلف التأمين في العمليات الإرهابية لأفلس العديد من شركات التأمين الأميركية.

اقرأ أيضا: الاستثمارات العربية تترقّب ارتدادات زلزال باريس
المساهمون