الإرهاب والحدود

11 يوليو 2018
على الحدود بين البلدين أكثر من معضلة(عبدالرازق خليفي/فرانس برس)
+ الخط -
في كل مرة يُسمع فيها صوت الرصاص الغادر على الحدود بين تونس والجزائر، تعود الأسئلة نفسها عن سبب تمركز المجموعات المسلحة في المناطق الحدودية بين البلدين، من جندوبة إلى الكاف، ومن القصرين إلى قفصة، ومن جبال الشعانبي إلى جبل السلوم والمغيلة، وعما إذا كان وجود جبال وغطاء من الغابات وحده السبب في هذا التمركز منذ سنوات.

على الحدود بين الجزائر وتونس أكثر من معضلة، الإرهاب واحد منها، لكنه آخر معضلة وافدة، ففي هذه المناطق الحدودية ما هو أخطر من الإرهاب وأقدم منه، وأكثر تهديداً للأمن بمفهومه الشامل للدولتين. ثمة الفقر والتهريب وتجارة السلاح والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، ومثلما تهتم المجموعات الإرهابية بإقامة جمهورياتها في هذه المناطق، تعمل شبكات التهريب على إقامة قوانينها وطرق تجارتها المخالفة لقانون الدولة على الحدود أيضاً.

ما من شك في أن الجماعات الإرهابية، كما شبكات التهريب، تستغل فقر السكان وغياب التنمية وفرص العمل والحياة القاسية، وأحياناً عدم توفر أبسط مقومات الحياة الكريمة، كالكهرباء والمدارس، ونقل المياه على ظهر الدواب، لتهيمن على جغرافيا الحدود وتنافس الدولة في تدوير اقتصاد، أو في استقطاب وتجنيد الشباب للتمرد على النظام الرسمي.
قبل أن يكون قائداً لـ"كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية في تونس، كان الجزائري لقمان أبو صخر، كما شقيقه، مهرباً يعمل على الحدود. في لحظة ما يلتقي المهرب والإرهابي في نقطة تقاطع، يخرب الأول اقتصاد البلد ويدير اقتصاداً موازياً، ويوفر الثاني الممرات الآمنة لشبكات التهريب، لكنه يتمون منها أيضاً بما تحتاجه الجماعات المسلحة.

صحيح أن الإرهاب خسر كل رهاناته في تونس، كما كان قد خسرها في الجزائر، مع فارق الظروف التي أخرجت ظاهرة التمرد المسلح في البلدين، وطلقاته الأخيرة في جندوبة على الحدود التونسية كما في الهجوم الأخير، أو في تبسة على الحدود الجزائرية كما في تفجير فبراير/ شباط الماضي، وهي ليست سوى رقصة طير مذبوح، لكن الضيم السياسي والهشاشة الاجتماعية وضعف البنية التحتية وغياب البدائل المعيشية بالنسبة لسكان المناطق الحدودية، قد تبقي هذا الطير يرقص لفترة أخرى.

ثمة مشكلة متلازمة بين المركز والهامش، لعقود خلت يضع المركز السياسي في الجزائر كما في تونس الهوامش الموجودة على الحدود ضمن الخطط الأمنية أكثر منها ضمن خطط التنمية، ويسبق العامل الأمني فيها كل عامل في إمكانية تحويلها إلى طريق حرير للاقتصاد البيني ومناطق تبادل تجاري منظم وتعزيز بنية النقل والسياحة الجبلية وغيرها. وطالما أن هذا القصور السياسي قائم، فإن مناطق الحدود ستبقى أيضاً قيد الصراع، إما بين الدولة والمجموعات المسلحة، أو بين الاقتصاد الرسمي وشبكات التهريب، وفي كلتا الحالتين خسارة وإرهاق مؤكدان.
المساهمون