الإدارة... العقدة والحل في الاقتصاد العربي

13 ابريل 2017
مواجهة الفساد تمثل تحدياً كبيراً للإدارة العربية (Getty)
+ الخط -
شكلت الإدارة على الدوام عنصرا هاما في الإكراهات السياسية والاقتصادية للعالم العربي، فتدبير شؤون الأمة ورعاية مصالحها وتسيير الخدمات الاجتماعية للمواطنين مع مواجهة التحديات الإدارية المختلفة والمتعلقة بإدارة الأزمات، إدارة الوقت والتخطيط الاستراتيجي، إدارة الموارد البشرية وتأهيل الكفاءات والقدرات البشرية، ضبط المالية، مراقبة وتدقيق النتائج المحصل عليها، إدارة المخاطر وإقامة يقظة تنافسية وذكاء اقتصادي لاستباق الأحداث المستقبلية.

وفي هذا السياق، فالبحث ودراسة الإدارة جد مهم بحكم مكانتها الوازنة في الارتقاء الاقتصادي عبر جلب الاستثمارات الأجنبية، تحسين مناخ الأعمال، إرساء علاقة ثقة بين الجهاز الإداري والمواطنين وتخليق الحياة العامة. ففي عالم اقتصادي معولم، يتميز بتعاقب الأزمات المالية وانتشار وسائل التواصل والتكنولوجيا، ضرورة سرعة اتخاذ القرار والاهتمام بالتنافسية، الإنتاجية والتشغيل، فإن الإدارة ركيزة أساسية في دفع عجلة التنمية من خلال محاربة الريع والفساد، ضمان النزاهة والشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.


وعلى هذا النحو، عرفت الإدارة في العالم العربي مراحل متباينة ارتبطت بشكل وثيق بتطور دور الدولة وأدائها في تحقيق الاستقرار، التنمية والتماسك الاجتماعي وفي توفير الخدمات العمومية للمواطنين، وكذلك بالظرفية السياسية الاقتصادية للمنطقة العربية وما ينتجها عنها من أثر.

وفي هذا الصدد، شهد العالم العربي بعد الاستقلال مرحلة بناء الإدارة وتوجيهها لخدمة المخططات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر وضع النظام العام للوظيفية العمومية، توحيد الإجراءات الإدارية، إقامة نظام للتوظيف، الرواتب والأجور. وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي واجهت الإدارة في العديد من الدول العربية إكراهات برنامج التقويم الهيكلي الذي فرضه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث انصبت جهود الدولة على إعادة التوازنات المالية وتقليص ميزانيات القطاعات الاجتماعية وخصخصة عدة مؤسسات عامة في قطاعات اقتصادية متنوعة.

ولا بد من الإشارة للاختلافات البينية بين الدول العربية، فدول الخليج حققت قفزات كبيرة في تطوير الإدارة وتنمية مكتسباتها، مقارنة بدول أخرى تعيش حالة من التضخم الإداري كما هو الحال في مصر، العراق والجزائر، حيث يعاني القطاع العام من تعقيدات بيروقراطية ووجود مكثف للموظفين الأشباح المحسوبين على الدولة ولكن دون أية مساهمة في إنتاجية ومردودية الدولة، فيما نجد دولا أخرى تعاني من عراقيل وإكراهات إصلاح الإدارة متعلقة بالفساد والحوكمة كحالة المغرب، الأردن ولبنان.

وفي السياق ذاته، نسجل أن الدول العربية عانت من الانحطاط في معدل التنافسية الدولية، فباستثناء اقتصاديات الخليج تتمركز الدول العربية في ما وراء الصف السبعين على المستوى الدولي، بل تصل إلى مراتب جد متدنية (اليمن: 145، موريتانيا: 141، مصر 118، ليبيا: 108)، وبشكل مشابه يدرج مؤشر مناخ الأعمال الدول العربية تحت منزلة الخمسين، عدا المملكة العربية السعودية، الإمارات، قطر وتونس.

وفي سياق متصل، يكشف تقرير منظمة الشفافية الدولية عن التوغل الممتد للفساد في شريان الاقتصادات العربية، إذ يحتل السودان الصف 173 عالميا والعراق: 169، ثم ليبيا: 160 على مستوى مكافحة الفساد الإداري والمالي. فعلى الرغم من معدلات النمو الإيجابية المحققة ببعض الدول العربية، يظل هذا النمو كميا ومعاقا وغير قادر على إنجازات وقفزات نوعية في ما يخص خلق فرص للشغل وتقوية الإنتاجية. ومما تجدر الإشارة إليه أن 30% من الشباب العربي عاطلون و40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر و45% يعانون الحرمان، وأربع دول فقط تتواجد فوق المرتبة الخمسين من سلم التنمية البشرية في العالم، وهي بذلك كلها مؤشرات توضح جليا عارا اقتصاديا وتنمية هجينة وترهلا مؤسساتيا بيّنا.

إن نجاح الإدارة وتقويمها نحو التقدم الاقتصادي رهين بإرساء منظومة متكاملة من المحاور، يتجلى ذلك في المساءلة والمحاسبة، فالمساءلة هي وسيلة تمكن الأفراد والمؤسسات من تحمل مسؤولياتهم وتبرير أدائهم للوثوق بهم، حيث إنها مجموعة من الأدوات والتقنيات لتقييم السياسات العامة وتجسيد لمفهوم ديمقراطية الإدارة. أما المحاسبة فهي واجب الكشف عن كيفية التصرف في المسؤولية المعطاة، من خلال تقديم كشف حساب عن نتائج وأهداف تم الاتفاق على شروطها مسبقا من حيث النوع، الكلفة، التوقيت والجودة. أما المحاسبة فهي مكملة للمساءلة بسعيها إلى تحسين أداء المؤسسات والارتقاء بها عبر المراقبة المستمرة، التدقيق وإدارة المخاطر.

بالإضافة إلى ذلك، تستند الإدارة إلى الحوكمة كمجموعة من الآليات والوسائل لتعبئة الحركة الجماعية لمختلف الفاعلين والفرقاء حول غاية مشتركة مع العمل على فصل واستقلال وتوازن السلطات. وبذلك، فالحوكمة هي مقاربة تشاركية لإدارة الشؤون العامة، استنادا إلى تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، المنتمين للقطاع العام والخاص وكذلك المجتمع المدني، من أجل ضمان رفاه دائم لجميع المواطنين.

علاوة على ذلك، فإن الحوكمة تستوجب إقامة إطار قانوني وتنظيمي فعال، يوضح صلاحيات واختصاصات مجالس إدارة المؤسسات العامة لتنفيذ مهمتها في ما يخص القيادة والرقابة، كما تستلزم الانتقال من علاقة وصاية الدولة على المؤسسات العامة إلى شراكة تعاقدية بالتزامات متبادلة، أهداف محددة، وسائل للتقييم والتنسيق تكفل انسجام السياسات العامة وترسخ ثقافة العقد الاجتماعي.

ومن بين المحاور الرئيسية، نجد مواجهة الفساد ذاك التحدي الكبير للإدارة العربية، وفي العالم العربي تتعدد أشكال الفساد بين أنشطة فردية وأخرى جماعية، فالرشوة تعني الحصول على أموال أو أية منافع ‏أخرى من أجل تنفيذ عمل أو للامتناع عن تنفيذه بطريقة مخالفة للأصول.

أما المحسوبية فهي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي ‏إليها الشخص، مثلا: الحزب، العائلة، الطائفة، العشيرة، والمحاباة تتمثل في تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق ‏للحصول على مصلحة معينة. بينما الواسطة هي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة ‏اللازمة لأسباب تتعلق بالقرابة والانتماء.‏

وبذلك، يشل الفساد خلايا التنمية، فيضعف الإنتاج والرخاء الاقتصادي، ويغيب التوزيع العادل للثروة، وتضيع مقدرات الدولة الطبيعية والحقوقية والمعرفية في غياهب الفقر والجهل والمرض. كما يترتب عن الفساد اندثار تكافؤ الفرص وتدمير ثقافة الاستحقاق والإتقان، بل ينتشر الإحباط واللامبالاة في ‏المجتمع مع تدمير واضح لمنظومة القيم ولمصداقية مؤسسات الدولة.‏
المساهمون