في ظلّ تصاعد التوتر الأميركي الإيراني في المنطقة، خصوصاً بعد الهجوم على ناقلتين للنفط في بحر عُمان، يوم الخميس الماضي، تبدو الإدارة الأميركية منقسمة على نفسها بشأن كيفية التعامل مع إيران. ففي حين يشجّع مسؤولون كبار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الرد عسكرياً حتى لو على حادث معزول، خصوصاً بعدما أوصل وزير الخارجية مايك بومبيو رسالة غير مباشرة بهذا المعنى إلى طهران، فإن احتمال الاستجابة العسكرية أثار نقاشاً داخلياً بين المسؤولين الأميركيين، حيث يُطرح تساؤل عما إذا كانت سياسة الإدارة تتجاوز هدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحدد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
وقد بعث بومبيو بإحدى هذه الرسائل التحذيرية إلى الإيرانيين عبر الزعماء العراقيين، خلال زيارته إلى بغداد في شهر مايو/أيار الماضي، وذلك بعد ورود معلومات عن أنّ عناصر مليشيات مدعومة من إيران قد يستأنفون تنفيذ هجمات تستهدف القوات الأميركية العاملة في العراق.
وفي هذا السياق، نُقل عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية منخرط باستراتيجية التعامل مع إيران، رفض الكشف عن اسمه، قوله: "ماذا سيحصل إذا قُتل أميركيون؟ هذا يغيّر كلّ شيء".
وأكد بومبيو خلال زيارته إلى مقر القيادة المركزية الأميركية في تامبا، يوم الثلاثاء، أن ترامب لا يريد الحرب، لكنّ الولايات المتحدة الأميركية ستتحرّك إذا تمّ الاعتداء عليها، مضيفا: "نحن هنا لردع العدوان".
وفيما يتزايد نفوذ بومبيو في رسم استراتيجية التعامل مع إيران، لفتت الصحيفة إلى أن الرحيل المفاجئ للقائم بأعمال وزير الدفاع باتريك شاناهان يثير مخاوف من تهميش إضافي للبنتاغون. ومن بين المخاوف الإضافية أن يساهم غياب وزير دفاع أصيل في دفع كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الجيش الأميركي إلى ما هو أبعد من مهمته المتمثلة بتدمير تنظيم "داعش"، ما يعزّز فرص حدوث صراع مع إيران.
وأكد شخص اطلع على المناقشات الأخيرة، أن مسؤولي البنتاغون، وفي مقدّمتهم شاناهان قبل انسحابه من الترشح لمنصب وزير الدفاع، هم الذين فرملوا اندفاعة وزارة الخارجية والبيت الأبيض، مؤكداً أنّ وزارة الدفاع لا تقرع طبول الحرب.
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست"، نقلاً عن مسؤولين في الإدارة الأميركية، بإشارتهم إلى أنّ مستشار الأمن القومي جون بولتون يسيطر على السياسة الأميركية تجاه إيران، ويفرض قيوداً صارمة على المعلومات التي تصل إلى ترامب. ويلفت المسؤولون إلى أنّ بولتون قلّص بشكل ملحوظ الاجتماعات التي تحصل في البيت الأبيض بين كبار المسؤولين، والتي تناقش السياسة بشأن إيران، فيما رفض متحدث باسم مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع التعليق على هذه المعلومات.
يأتي هذا كلّه في وقت أعلن البنتاغون أنه سيرسل ألف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط، في خطوة أخرى لتعزيز الموقف الأميركي في المنطقة.
وتأتي التعزيزات العسكرية بموازاة حملة يقودها بولتون وبومبيو لتقويض الاقتصاد الإيراني. وقد تم توسيع الحملة أخيراً لتشمل تصنيف "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" كمجموعة إرهابية وحرمان إيران من العائدات النفطية.
وفي حين سعى المسؤولون في وزارة الخارجية إلى إضعاف إيران من خلال فرض العقوبات عليها، من دون الضغط عليها بقوة بشكل يدفعها إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، رأى آخرون أن هدف ترامب هو تدمير الاتفاق بأي ثمن ومتابعة السياسة التوسعية التي تسعى إلى شلّ القوات الحليفة لإيران في أنحاء المنطقة. وفي السياق، ذكرت الصحيفة أن مسؤولين في وزارة الخارجية والدفاع اشتكوا من صعوبة تنظيم جلسات استماع كافية لهذه المناقشات في عهد بولتون، وبالتالي فإن الحجج المختلفة حول السياسات المتبعة تجاه إيران لا تصل إلى الرئيس في كثير من الأحيان.