الإخوان... سنوات "العزلة" في أحضان التنظيم [1/ 2]

29 أكتوبر 2015
حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان (مواقع التواصل)
+ الخط -
عادة ما تكون البدايات أصعب المراحل في كل الأشياء، لكن دخولك إلى عالم الإخوان عادة ما يكون المرحلة الأسهل من خروجك منها!

منذ أن انطلقت جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها حسن البنا - رحمه الله - لم تبرع في شيء مثلما برعت في جذب المؤيدين، وتكوين الأعضاء الجدد، قدرة عجيبة على التفريغ والتشكيل والتجميع، وهي قدرة -ولا شك- أثارت الإعجاب والتعجب في آنٍ واحد!


كيف لجماعة يمتلئ تاريخها بكل تلك المآسي أن تستمر في جذب المزيد من المؤيدين، لكن هذه الميزة تحديداً ما لبثت أن تحولت إلى واحدة من مآسي الإخوان الكبرى! مأساة خاصة لمن يعيش داخل الإخوان، أو تركها أو فكّر في تركها، ترتسم معالم تلك المأساة في ذلك الجدار من "العزلة" الذي يبنيه التنظيم حول أفراده، فلا يكون لك خيار متى اختلفت معه إلا أن تتعايش في حدوده، أو تظل بقية عمرك تحاول الفرار من فوق أسواره، أو أن تكسره بأكبر قدر من الخسائر!

أخي في الله.. أخي في التنظيم
في حياة المنتمين للإخوان مصطلحان في غاية التباين، بالرغم من تأكيد الإخوان على أنهما شيء واحد، هما "الدعوة والتنظيم"! فالدعوة ذلك البساط الرحب الذي يلتقي فيه أفراد الإخوان "بالناس العادية" ممن ليسوا في "التنظيم" لدعوتهم وإقناعهم بالفكرة، وعادة ما تكون تلك الأماكن كالمسجد والجامعة والحي والمدرسة وغيرها، وطالما ظل مؤيد الإخوان خارج "التنظيم" فإنه لا يلتقى أبداً مع أفراده إلا في مساحات الدعوة العامة تلك، ومتى انتقل الفرد من "مشروع دعوي" إلى فرد "تنظيمي" تبدأ هنا اللقاءات الخاصة، ويحمل معها الفرد لقباً جديداً "أخ" ، ولا شك في أن هذه المرحلة تكون بداية لنمو بذرة "العزلة" داخل فرد الإخوان، فهذا التمايز الحاد ما بين صفوف من هم خارج التنظيم - الناس العاديون - ومن هم داخله، يخلق تلك المسافة ما بين الإخوان ومحيطهم.

فيلزمك هنا متى التحقت بالتنظيم أن تشعر بأنك "مختلف"، ثمة ما يميزك عن "الآخرين"! ربما لا تشعرك الدعوة إلى الله - بمعناها الاصطلاحي - بتلك الحالة من الاختلاف والتميز، لكن التنظيم الذي اختارك وأشرف على انتقائك وسط مجموعة من أقرانك، يشحنك بلا وعي بذلك الشعور الذي يجعلك تستخدم مباشرة ذلك المصطلح "هم.. ونحن".

(........) الإسلامية
كان لاتساع دائرة التيار الإسلامي عامة، ونفوذ الإخوان المسلمين المجتمعي خاصة، أثره في الرغبة الملحة في صبغة المجتمع - مرحلة المجتمع المسلم - بصبغة إسلامية ما، لكن هذه الصبغة التي أتت استكمالاً لمرحلة التمايز الأولى - تكوين الفرد المسلم - ما لبثت أن تحولت هي الأخرى إلى واحدة من مفردات "العزلة" المجتمعية لدى الإخوان! فبدأ الإخوان في إنشاء مؤسساتهم الخيرية التي عادة ما ينتهي اسمها (بالإسلامية)، فالمستشفى، والمستوصف، والمدرسة، ودور الرعاية، جمعيها حملت لقب (إسلامية).

وبالرغم مما كانت تؤديه تلك المؤسسات من عمل إنساني راقٍ لخدمة الناس، إلا أنها رسّخت بشدة مفاهيم التباين بين الجماعة والمجتمع، فأصبح جل العاملين في تلك المؤسسات من الإخوان أو من دوائرهم، وهنا بدأ يحضر في المشهد النشاط الاقتصادي، الذي تتسع معه أيضاً دائرة التمايز، فيصبح صاحب النشاط الاقتصادي "الإسلامي" لا يوظف إلا المنتمين للجماعة، في حين تصبح أولوية الفرد الإخواني أن يعمل في مؤسسة تتبع التنظيم.. وهكذا تتعمق الهوة ما بين "هم.. ونحن".

دوائر العزلة
في إطار تعزيز ذلك البنيان الذي يبنيه التنظيم حول أفراده - بدعوى الحماية - تتشكل دوائر محكمة الإغلاق حول الفرد والتي منها (الأسرة التنظيمية - الزواج - الأبناء - العمل - الأصدقاء) والتي تصبح جميعها بشكل أو بآخر ملك التنظيم أو جزءاً منه، تتداخل تلك الدوائر مع بعضها أو تتكامل لتحقيق أكبر قدر من مساحات عدم التماسّ مع المجتمع الذي ينحصر دوره في كونه "مجتمع الدعوة" الذي يبذل الفرد فيه جهده كي ينقل الفكرة إليه ويجتذب منه المؤيدين الذين يصلحون لدخول التنظيم. وقليلون هم في حقيقة الأمر من يستطيعون التفريق ما بين الدور "الدعوي" الخاص بهداية الناس إلى ربهم، وبين الدور "التنظيمي" الذي يهدي الناس إلى الجماعة.

وبمرور الوقت وكلما تقادم وجودك داخل عتبات التنظيم يصبح كل شيء مغلفاً بالسرية، لقاءات التنظيم، مهامه، أنشطته المختلفة سواء كانت إنسانية أو تنظيمية، فجميع تلك الأنشطة تتم في إطار من السرية والكتمان خوفاً من المطاردات الأمنية للجماعة، وهنا يفقد المرء الكثير من تاريخة الإنساني وذكريات سنيّ عمره، التي تتحول إلى ملف مغلق - سري للغاية - لا يستطيع أن يسترجعه أو يسرد تفاصيله التي عادة ما تكون متشابكة مع تفاصيل التنظيم ذاته.

الاستنساخ الفكري
تتقارب دوائر العزلة من بعضها البعض، فيحدث ذلك التناسخ الكبير ما بين أفراد التنظيم، تطابق في الأفكار والرؤى وأسلوب الحياة، بل يصل إلى حد التشابه في الملبس والمظهر الخارجي! فأصدقاؤك من الإخوان، وزوجتك من الإخوان، وعملك مع الإخوان.. إلخ.

وهنا يصبح من الصعوبة بمكان أن تُلقي بفكرة أو رأي أو تصور مختلف عن ما يؤمن به المحيطون بك داخل جدران التنظيم، وإذا أضفت إلى ذلك تدارس ما يطلق عليه الإخوان "المنهج" وهو المحتوى المعرفي ذاته الذي يتدارسه الإخوان في القطر المصري فستجد نفسك أيضاً أمام نوع من العزلة الثقافية والانتقائية في مصادر المعرفة والتي نادراً ما يتم الخروج عليها.

كل ما سبق وإن عظم مشكلة التناسخ والتشابه ما بين أفراد التنظيم، فإن أثره السلبي الأبلغ يكمن في عدم القدرة على توجيه اللوم أو النقد داخله، فأحد أساسيات التنظيم هي "الثقة" في القيادة، والتي تعد من أركان بيعة فرد الإخوان المسلمين، ويمكنك أن تضع تحت هذا البند كل العوامل التي ستجعل من نقدك، أياً كان موضوعه، محل امتعاض واستهجان، حتى من رفقائك من غير ذوي المسؤولية داخل التنظيم، وهنا تحدث مساحة أخرى من العزلة ما بين الفرد وأقرانه، لشعوره بأنه بات مختلفاً عنهم، أو ربما لشعورهم هم بأنه بات منتقداً لهم.

(مصر)
دلالات
المساهمون