الأونروا... الشاهد الأخير

19 مارس 2018
+ الخط -
منذ تأسيسها في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول عام 1948، تعايشت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مع مأساة اللاجئين الفلسطينيين بشكل يومي لما يقارب من سبعة عقود، وهي حاضنة لذاكرتهم وتحتفظ بآلاف الوثائق التي تشهد على فاجعة الفلسطينيين التاريخية. وينظر اللاجئون إلى الأونروا على اعتبار أنها رمز إنساني وعالمي لضمان حقوقهم القانونية في العودة إلى ديارهم، التي طردوا منها وممتلكاتهم التي سلبت منهم بدون وجه حق على يد العصابات الصهيونية.

وبذلك أضحت الأونروا شاهدة على جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، ومصدرا تاريخيا لتوثيق هذه الجرائم والانتهاكات للقانون الدولي، وجميع تقاريرها تعتبر أدلة إدانة ضدّ الكيان الصهيوني. كما أنّ لديها أرشيفا كبيرا موثقا خطيا بالمستندات وتسجيلات بالصوت والصورة لهذه الجرائم، سيستفاد منها كأدلة قانونية دامغة لإثبات ارتكاب قادة الاحتلال الصهيوني لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة والتطهير العرقي في حال تمت إحالة ملف الاحتلال الصهيوني إلى المحكمة الجنائية الدولية وتمت محاكمته عنها ولو بعد حين.

لذا تسعى دولة الاحتلال بكل طاقاتها وتسخر كافة إمكاناتها لإعدام هذا الشاهد وإنهاء وجوده فعليا حتى تخفي أهم مصدر للأدلة على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني. وهنا يثور تساؤل هل وقف تمويل الأونروا وتجفيف مصادر تمويلها سيؤدي فعليا وبأي شكل لإنهاء وجودها قانونا؟


الإجابة المؤكدة هي: نعم فالأونروا وكالة إغاثة تقدم خدماتها لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني، وترعى أكثر من نصف مليون طالب على مقاعد الدراسة وتشغل أكثر من 30 ألف موظف، وبالتالي فإن تجميد أو وقف تمويلها سيفاقم أزمتها المالية وسيوقف نشاطاتها الخدمية والإنمائية، وستكون نتائج ذلك كارثية على المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية سواء تجاه خمسة ملايين لاجئ فلسطيني أو تجاه حكومات الدول المضيفة لهم، مما سيخلق أزمة إنسانية تعجز الأونروا عن تداركها مما يجعل استمرارها بلا جدوى عمليا لعدم مقدرتها على أداء المهمات التي أنشئت من أجلها، وسيكون وجودها مصدر قلق وأزمات للأمم المتحدة، فتصبح الأونروا هي المشكلة بعد أن كانت هي الحل. وتصبح عقبة أمام إنقاذ اللاجئيين الفلسطينيين. إذ لا يجوز لهم الاستفادة من خدمات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لكونهم خاضعين لولاية الأونروا ويصبح الحل لأزمة اللاجئين يتمثل في إنهائها، مما يجعل الطريق ممهدا أمام الكيان الصهيوني مدعوما بحليفته الولايات المتحدة لاستصدار قرار أممي بإلغاء وكالة الأونروا وإنهاء وجودها قانونا، وتحويل كافة صلاحياتها في رعاية اللاجئين الفلسطينيين إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كما صرح قادة الكيان الصهيوني أكثر من مرة.

بقاء الأونروا يقوض شرعية دولة الاحتلال الصهيوني ويبطل عضويتها في الأمم المتحدة ويعتبر هذا الأمر من أهم الآثار القانونية التي يسعى الاحتلال الصهيوني لتحقيقها من خلال إنهاء وجود وكالة الأونروا لضمان شريعته القانونية وسلامة عضويته في الأمم المتحدة؛ هذه العضوية التي تعثرت وتأخرت لمدة سنة بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني في مايو/ أيار 1948 وبعد جهود مضنية ودعم لا محدود سياسي ودبلوماسي من الولايات المتحدة وروسيا استطاعت دولة الاحتلال بالمراوغة السياسية نيل الاعتراف بها كدولة عضو في الأمم المتحدة ولكن عضويتها ولدت ناقصة ومشروطة وغير مكتملة، كما سنبين تالياً:

1. بتاريخ 15 مايو/ أيار 1948، تقدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي بطلب الحصول على عضوية في الأمم المتحدة، أي بعد يوم واحد من وثيقة إعلان قيامها ولكن الطلب تم رفضه من قبل مجلس الأمن الدولي في 17 ديسمبر/ كانون الأول لسنة 1948.

2. وفي غضون شهر فبراير/ شباط 1949، تقدم الاحتلال الصهيوني بطلب عضوية آخر وتم قبوله وتم الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة وقبولها كعضو في الأمم المتحدة بموجب القرار رقم 273 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 مايو/ أيار 1949، بناء على توصية مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 69 الصادرة في 4 مارس/ آذار، سنة 1949 ولكن قبول عضويتها كان مشروطا بتنفيذ قراري الجمعية العامة رقمي 181 الصادر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1947 (قرار التقسيم) وقرار 194 الصادر في 11 ديسمبر/ كانون الأول سنة 1948 المعروف بقرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

3. وبذلك تكون دولة الاحتلال الدولة الوحيدة في تاريخ القانون الدولي التي صدر قرار قبول عضويتها مقيدا ومشروطا وأصبحت عضويتها مرهونة باحترامها لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالتقسيم، وبحق العودة للشعب الفلسطيني المهجر، والتعويض عليه.

غير أن دولة الاحتلال التي التزمت رسميا باحترام وتطبيق هذين القرارين لم تف بالتزاماتها بل على النقيض تماما، جاءت ممارساتها بخلاف ذلك وأكملت احتلالها للضفة الغربية سنة 1967 وهجرت بقية الشعب الفلسطيني خارج أرضه ودأبت منذ قيامها وحتى اليوم على ارتكاب الجرائم وانتهاك أحكام القانون الدولي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني.

ورغم هذا كله لم تفكر المنظمة الدولية يوما ما في مساءلتها عن خرق شروط العضوية، أو حتى عن إمعانها في خرق التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وهو ما يوجب قانونا إلغاء عضويتها نهائيا وفصلها من الأمم المتحدة عملا بأحكام المادة السادسة من الميثاق.

4. وفيما يخص الشرط الأول فإن دولة الاحتلال لا تجده عائقا إذ أسقطته مسبقا بتوقيعها اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية وإنشاء السلطة الوطنية.

5. ولكن يبقى التهديد الوحيد لوجودها القانوني والعائق الوحيد أمام اكتمال عضويتها وشرعيتها الدولية ونقاء صفتها القانونية وشخصيتها الدولية هو حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والذي ارتبط تنفيذه بوكالة الأونروا.

لذا تسعى دولة الاحتلال الصهيوني جاهدة بكل إمكاناتها إلى تفكيك وكالة الأنروا وإنهاء وجود الأونروا بهدف شرعنة وجودها القانوني وإنقاذ عضويتها في الأمم المتحدة.
9CCA9ABB-3959-4C11-9859-245652445B40
معتز المسلوخي

محامي وباحث قانوني مقيم في قطر... عضو الأمانة العامة ورئيس اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وعضو منظمة العفو الدولية.