الأهل غير مؤهلين لتوعية أبنائهم جنسياً!

31 يناير 2016
لا تخجل من أسئلتهم وتطلعهم للمعرفة وأجب عليهم بذكاء(Getty)
+ الخط -
كيف تلد أمي؟ لماذ يختلف جسدي عن جسد أختي؟ لماذا يتغير جسدي؟ وغيرها من الأسئلة والملاحظات، التي تدور في ذهن الطفل، فيلجأ بفطرته وعفويته إلى والديه، محاولاً إيجاد إجابة تشبع حاجته المعرفية الفطرية، والتي تساعد بشكل أو بآخر في تكوين ثقافته الجنسية، إلا أن الكثير من الأطفال يصدمون بإجابات "الصد" المنطلقة من ثقافة العيب والحرج وانعدام الوعي لدى الأهل، في كيفية التصرف في هذه الحالة.

تلك الثقافة والموروث الاجتماعي، الذي يتلخص بتهرب الوالدين من الإجابة، أو إسكات الطفل، وعدم المبادرة إلى توعيته جنسياً، تدفع الأبناء في كثير من الأحيان إلى البحث عن مصادر أخرى، تشبع حاجتهم المعرفية المتعلقة بالجنس، مما يوقع الأهل لاحقاً في شباك البحث عن حلول، بعد أن أضاعوا فرصة الوقاية.

اقرأ أيضاً:ضحايا الجهل الجنسي... قصص وعبر

هذا "العيب" دفع الشاب العشريني، أحمد سعيد، إلى البحث عن إجابات لأسئلة كثيرة كانت تدور في ذهنه عندما كان طفلا، بعيداً عن الأهل.

يقول أحمد لـ "العربي الجديد": "للأسف لم نجد الجرأة لدى الأهل لمصارحتنا بالأمور الجنسية، خاصة في سن المراهقة، لا سيما أن هناك بعض الأمور، التي كانت تدفعنا إلى البحث عن إجابة، ككيفية الإنجاب التي كانوا يخبروننا أنها من قبلة، وبعد دخولنا إلى المدراس أصبحنا نملك الكثير من المصطلحات الجنسية التي كنا نتناقلها في ما بيننا".

ولأن الأصدقاء لا يملكون المعلومات الكافية عادة في هذه المواضيع، اتجه أحمد إلى الشبكة العنكبوتية لإشباع رغبته في المعرفة، ويقول:"كنت أستقي معلوماتي من الأصدقاء، وبعدها ألجأ إلى الانترنت الذي يعد المصدر الأساسي للمعلومات لكثير من الشبان، وبعد ذلك أصبحت الخبرات تتناقل من الشاب المتزوج إلى صديقه الأعزب".

في المقابل، لا تجد بعض الأمهات حرجاً في الإجابة على استفسارات أبنائهم، كالسيدة نهاد خالد، وهي أم لستة أبناء أكبرهم 16 عاماً.

تقول نهاد عن تجربتها لـ "العربي الجديد":"لم أجد حرجاً في مصارحة بناتي مثلاً في مسألة الاستعداد لمرحلة البلوغ، فقد رأيت قصصاً لفتيات مراهقات وبعمر الطفولة، أصبن بحالة صدمة عند بلوغهن، لعدم معرفتهن أي شيء عن هذه المرحلة".

وتضيف:"أجبت أبنائي عن طريقة الولادة أيضاً، بشكل سلس ودون حرج، وهذا ما زاد علاقتهم وثقتهم بي".

اقرأ أيضاً:قواعد حماية الأبناء من مخاطر الإنترنت

الأهل والبيئة المحيطة بالطفل هي أولى مصادره من الثقافة الجنسية. هذا ما أشار إليه أستاذ التربية وعلم النفس في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، غسان ذوقان، في حديثه مع "العربي الجديد"، موضحاً:"يبدأ الأطفال بتكوين تصورهم عن ذاتهم وعن الحياة من خلال الخبرات، التي يشاهدونها أو يعيشونها في بيوتهم، والبيئة التي ينشؤون فيها، وطبيعة هذه البيئة لها دور كبير في ثقافة الطفل، سواء من جانب نفسي أو اجتماعي أو عضوي أو من الناحية الجنسية والمعرفية".

ويتابع:"يبدأ الطفل في السنوات الأربع الأولى في اكتشاف ذاته وأعضائه، لذلك نلاحظ الكثير من الأطفال في عمر مبكر يبدؤون العبث بأعضائهم التناسلية، وهذا أمر طبيعي جداً من باب اكتشاف الجسد، ولا تعطي أي مدلول آخر، على عكس ما يفسره بعض الأهل الذين يدخلون في تفسيرات خاطئة لهذه الممارسة الطفولية العفوية والعشوائية".
ويردف:"لطبيعة وسرعة التطور التكنولوجي في عالم الاتصال، أصبحت الكثير من الأمور والخبرات تدخل إلى بيت الطفل، الذي يعد ناقداً وملاحظاً دقيقاً، وإن كان الكثير من الأهل لا ينتبهون إلى هذه المشاهدات والملاحظات التي يراها الطفل، لا سيما في بعض برامج الأطفال التي قد تحمل إيحاءات جنسية قد تفتح مداركه، وهو لم يبلغ السن التي تؤهله لفهمها، ومن هذا الباب تبدأ مراحل تكوين الثقافة الجنسية للطفل".

ينتقل الطفل بعد ذلك إلى عالم الروضة، حيث تتنوع ثقافات الأطفال وبيئاتهم المنفتحة والمغلقة، ويبدأ تبادل الخبرات بين الأطفال، ويبدؤون بمراقبة المعلمات أو سماع بعض كلام المعلمات بين بعضهن، والأمهات أيضاً، دون الانتباه إلى أن الطفل لاقط من النوع القوي جداً.

ويرى أستاذ التربية أن لعب الأطفال مع بعضهم بعضاً، يعد مرآة تكشف من خلالها ثقافة الطفل، وما الذي اكتسبه من خلال مشاهداته، فهم بالعادة يقومون بإعادة تمثيل ومحاكاة ما سمعوه من الكبار أو شاهدوه في أثناء لعبهم العشوائي.

اقرأ أيضاً: سمر عبده: الجنس مدخل تربوي لفهم الحياة

"الأهل غير مؤهلين لتوعية أبنائهم جنسياً"، هذا ما أشارت إليه الخبيرة في التنمية البشرية والناشطة المجتمعية، حكمت بسيسو، خلال حديثها عن الدور الملقى على الآباء في توعية أبنائهم جنسياً.

وقالت بسيسو لـ "العربي الجديد":"الأهل عادة لا يكونون مؤهلين للحديث مع أبنائهم في ما يتعلق بالأمور الجنسية من ناحيتين، الأولى أنهم غير مدركين أن هذا الأمر هو دورهم، والآخر أنهم عندما يتدخلون في هذا الجانب، فهم يعززون مفاهيم خاطئة، فلا يكون تدخلهم عن وعي وثقافة أو الاستعانة بذوي الاختصاص".

وتشير الخبيرة إلى أن الأهل غالباً لا يبادرون إلى التوعية، ويكون تدخلهم عبارة عن ردة فعل، وهنا يختفي الجانب الوقائي والتوعية قبل النضوج الجنسي للطفل، حتى في أوساط الأمهات والآباء المتعلمين والمثقفين ومن يمتلكون سلاح المعلومة، فهم يفتقدون الطريقة لكسر الحاجز مع الطفل والحديث معه في هذه الأمور.

وترى الخبيرة التربوية بسيسو أن أبرز ملامح هذه المرحلة تتمثل في قضاء الأطفال، الذين يكونون في المرحلة الإعدادية والثانوية، أوقاتاً طويلة في غرفة منعزلة عن العائلة، وقد يذهبون إلى البحث عن البديل من خلال امتلاك أجهزة اتصال، وصور ومقاطع جنسية بعيدة عن العادات والدين، وحتى عن الصحة.

أما الملمح الثاني لهذه المرحلة، وفقا لبسيسو،  فيتمثل في سعي المراهقين الذكور إلى الخروج بشكل مستمر ولأوقات طويلة مع بعضهم بعضاً للتنزه والتسكع في الشارع، ومراقبة الفتيات تثيرهم جنسياً، فيصبح لديهم علاقة مع الجنس بشكل مشوه، غير مرتبط بالحقيقة ولا باحتياجاتهم".

ويتفق ذوقان مع بسيسو في أن تلك الممارسات، في ظل غياب دور الأهل، يؤدي إلى تكوين معلومات جنسية ذات طابع مشوه للطفل، قد تدفعه إلى الانحراف، وقد يقع ضحية سلوكيات خاطئة أو استغلال أشخاص آخرين يتسمون بالانحراف، وبالتالي قد يكون هدفا للاستغلال الجنسي أو الشذوذ، وهذا يكون استغلالا لحاجة الطفل إلى المعرفة والإطلاع، أو نتيجة عدم توجيه الطفل بشكل سليم من خلال الأهل.

اقرأ أيضاً:آدم وحواء... "عيب ميصحش"

وحتى تكون العائلة هي المصدر الصحيح والأول لثقافة الطفل الجنسية، حذّر أستاذ التربية وعلم النفس، غسان ذوقان، من الاستهانة بقدرات أو عقلية الطفل، أو الاستخفاف بأسئلته التي تعبر عن حاجته المعرفية.

فوجود خطة تربوية واضحة وشاملة لجوانب واهتمامات الطفل، بما فيها الجنسية، أمر مطلوب من الأهل، لأنه في يوم من الأيام سيسأل أسئلة محرجة للأهل، وعليهم معرفة كيفية الإجابة، فالأسئلة التي قد يتعرض لها الأهل ويحرجون منها تكون نتيجة عدم إشباعهم الحاجة المعرفية لطفلهم"، بحسب ما يطرحه ذوقان.

حب الاستطلاع قد يدفع الأطفال إلى أسئلة عدة. هذا الأمر يمكن أن يوضح للطفل، بحسب ذوقان، بلغة الطفل وبما يتناسب مع عمره، مثل: بأنه كما خلق الله الفواكه أنواعاً مختلفة، خلق البشر مختلفين، لنكون متعاونين، وفي مرحلة لاحقة يمكن أن نحتاج إلى أن نأخذهم إلى حديقة الحيوانات ليلاحظوا وجود الذكور والإناث والتكاثر والإنجاب، فمن خلال هذه المشاهدات تقرب بعض المفاهيم للطفل.

ويضرب ذوقان أمثلة لإجابات خاطئة، قد تشكل حالة القلق لدى الطفل في بدايات معرفته بالثقافة الجنسية، ومن هذه الإجابات ما تقوله بعض الآمهات "اشترينا شقيقكِ من السوق"، كإجابة على سؤال طفلتها من أين جاء أخي؟ وأخرى أجابت طفلتها "ذهبتُ إلى الحمام وأحضرت أخاك، فما كان من الطفلة إلا أن دخلت إلى الحمام وجلست فترة طويلة، وعندما ذهبت الأم لتفقدها أجابتها الطفلة: "بدي أجيب بيبي".

ويرى ذوقان أن أكثر الأسئلة التي تتكرر لدى الأطفال في بداية بحثهم، تتعلق بالحمل والميلاد، فإن كانت الإجابة غير سليمة فقد تدفع إلى عدم الثقة في آبائهم، وقد يلجؤون إلى ممارسات خاطئة، لاكتشاف في ما إذا كان الأمر صحيحاً أم لا.

ويضيف ذوقان:""دور الأهل المفترض، يكون بحجب مصادر المعرفة الخاطئة، وعمل حاجز ما بين الطفل وبين هذه المصادر في مقابل أن نعطيه نحن المعرفة الصحيحة، لذلك يجب التعويد على الصراحة والحوار بين الآباء والأبناء".

اقرأ في الملف:
ثورة على التابوهات
لبنان: التربية الجنسية ممنوعة بأمر الأهل
التربية الجنسية في المناهج العربية... تخبط وعشوائية
دليل الإجابة على أسئلة أبنائنا الجنسية
احذر حمامات المدارس!
كيف اكتشف تعرض أطفالي للتحرش؟
 
المساهمون