الأمنيون في تونس بين الاستهداف والاستقطاب

10 يونيو 2014

وزير الداخلية التونسي بعد استهداف منزله (فرانس برس)

+ الخط -
يستمر الحديث قوياً في تونس عن وجود ثغرات جدية داخل المنظومة الأمنية. وتجدد بمناسبة ما وقع في مدينة القصرين، حين هاجمت مجموعة مسلحة منزل وزير الداخلية، عبد اللطيف بن جدو، وقتلت أربعة من حراس المنزل. تم ذلك ليلاَ، واستمر الاشتباك أكثر من أربعين دقيقة، وبمتابعة من سكان قريبين، من دون أن تلتحق بالحراس تعزيزات أمنية، على الرغم من أن منطقة الحرس الوطني تبعد مسافة قصيرة من مكان الهجوم؟! كما لا يخفى أن لمدينة القصرين بعداً استراتيجياً، حيث تدور في جبالها معارك متواصلة ضد المتحصنين بجبالها منذ أكثر من سنة، وفي مقدمتها جبل الشعانبي، كما تعتبر المنطقة عسكرية بامتياز!
كان القطاع الأمني قبل الثورة القاعدة الصلبة لحكم الرئيس السابق، زين العابدين بن علي. ولهذا، كان الأمنيون يتمتعون بمكانة استثنائية في البلاد، جعلتهم مصدر خشية من التونسيين. لكن، منذ الثورة، اهتز وضع وزارة الداخلية، وأصبحت محل انتقادات واسعة، ليس فقط من المواطنين أو الطبقة السياسية، وإنما أيضاً أصبحت تنتقد، حتى من أبنائها الذين تعددت مطالبهم، واحتدت التناقضات فيما بينهم.
تعتبر "النقابات الأمنية" إحدى ثمرات المرحلة التي أعقبت سقوط الدكتاتور. سارع الأمنيون بتأسيس نقابات للدفاع عن مصالحهم، والمطالبة بتحسين أوضاعهم المهنية الصعبة. فالشرطي البسيط، وحتى الكادر الأمني المتوسط، لا يتمتعان بالحد الأدنى من العناية والرعاية. فهناك نقص فادح في البنية التحتية، وفي الأجهزة الوقائية، وفي تعويض أسرهم عند حالة الوفاة في أثناء القيام بالعمل. وقد أسهمت النقابات في تحقيق بعض هذه المطالب، إلا أنها أصبحت، في المقابل، مثار جدل عاصف داخل المؤسسة وخارجها. اتُّهمت نقابات أمنية عديدة بتسييس مطالبها، إلى درجة جعلت بعضهم يتهم رجال الشرطة بأنهم أصبحوا منقسمين بين موالين لحزب نداء تونس، بقيادة الباجي قايد السبسي، ومن استقطبتهم حركة النهضة. وعلى الرغم من أن هذا قول مبالغ فيه، لأن الحالة أكثر تعقيداً، فإن المؤكد أن شرطي اليوم يختلف كثيراً عن شرطي الأمس. أصبح أكثر اهتماما ومتابعة للشأن السياسي، وأشد عرضة للاستقطاب من مختلف الأطراف الفاعلة في البلاد، بما في ذلك التيارات الأكثر راديكاليةً وتشدداً، وهو ما أثبتته بعض الوقائع. فمعلومات سرية عديدة سبق أن وصلت إلى المجموعات المصنفة إرهابية، عن طريق أمنيين موالين لتنظيم أنصار الشريعة.
لا يعني أن الحالة الأمنية في تونس على أبواب الانهيار، كما يدعي من يروجون مشهداً سوداوياً، يرمون منه إلى تحقيق أهداف شتى. إذ، في المقابل، أثبتت المؤسسة الأمنية نجاعتها في القيام بعمليات استباقية، ما كان له التأثير القوي، والمباشر، على الذين يخططون لتوجيه ضربات مؤلمة لاستقرار البلاد، والذين يصفون رجال الشرطة والجيش بالطاغوت.  فوزير الداخلية يتحدث عن اعتقال مئات، ومنع أكثر من ثمانية آلاف شاب من الذهاب إلى سورية. كما تم قتل كوادر أساسية ممن ينتمون إلى ما يعرف بالسلفية الجهادية. وتكاد التقارير المحايدة تجمع على أن الحالة الأمنية في تونس تحسنت، مقارنة بما كانت عليه قبل أشهر، على الرغم من أن عمليات مضادة كادت أن تربك الأوضاع، وتعيدها إلى ما كانت عليه.
اليوم، هناك من يعتقد أن من شأن حل النقابات الأمنية أن يوحد الأمنيين، ويعيد الثقة والمبادرة لدى القيادات المركزية، لكن، في المقابل، يوجد من يعتقد بأن ذلك لن يحل المشكلة، وقد يزيد من تعقيدها، خصوصاً للذين يحذرون من احتمال عودة ظاهرة تغول وزارة الداخلية التي يُخشى من أن تتمكن من استثمار خوف التونسيين من تفشي الإرهاب، في ظل توقعات انغماس ليبيا في أوحال الحرب الأهلية، ما يحولها قوة ردعية، مدعومة من تفويض شعبي.
مؤكد في ظل المشهد الراهن والتطورات المحتملة أن القطاع الأمني في تونس لم يخضع بعد لإصلاحات عميقة وجذرية، على الرغم من إجراءات عديدة، تم اتخاذها في المرحلة السابقة. وفي كل الحالات، يبقى الأمن مع المؤسسة العسكرية الجهة الأكثر تأهيلاً لحماية البلاد من مختلف التهديدات التي تتعرض لها جدياً، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتفاقم الأزمة السياسية في ليبيا.   
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس