وأفاد تحليل أجرته المنظمة بأن متوسط الحرارة العالمية عام 2018 قد تجاوز ما سجل في فترة ما قبل العصر الصناعي (1850 إلى 1900) بنحو درجة مئوية، ليصبح العام الماضي رابع أعلى الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل تلك البيانات.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن القلق بشأن المعلومات التي أصدرتها المنظمة، أمس الأربعاء. وذكر بيان صادر عن المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن تلك البيانات تشدد على الحاجة الملحة للعمل المناخي، كما أكد ذلك التقرير الخاص الأخير الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، حول آثار ارتفاع الحرارة بدرجة ونصف درجة مئوية عن مستويات ما قبل عصر الصناعة.
الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، قال إن الاتجاه الاحتراري طويل الأمد آخذ في التصاعد، وإن أحر 20 عاما مسجلة جاءت خلال الأعوام الاثنين والعشرين الماضية.
وأضاف أن درجات الحرارة ليست إلا جزءا من المشهد العام، مشيرا إلى تضرر الكثير من البلدان وملايين البشر من الظواهر المتطرفة للطقس، فضلا عن الآثار المدمرة على الاقتصاد والنظم الإيكولوجية خلال العام الماضي.
وقال "إن عددا كبيرا من الظواهر المتطرفة يتماشى مع ما نتوقعه في ظل مناخ متغير. هذه هي الحقيقة التي علينا أن نواجهها. ينبغي أن تكون تدابير خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع المناخ، أولوية عالمية عليا".
ولمواجهة الظواهر المتطرفة، قال عمر بدُّور، وهو الخبير المنسق للتقرير الذي أصدرته المنظمة، في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، إن هناك مسارين: "المسار الأول هو الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة. وهذه من الأولويات، فبدون الحد من هذه الانبعاثات، سيستمر المناخ في الاحترار بكل تجلياته على البحر وعلى الإنسان والبنيات التحتية. والمسار الثاني هو مواكبة هذه التغيرات بإعادة بناء استراتيجيات لمقاومة الظواهر القصوى. يجب على الدول أن تمتلك استراتيجيات على المدى البعيد في ما يخص منظومة الإنذار المبكر حتى تتمكن السلطات المعنية بالأمر من تفادي الخسائر البشرية".
وشدد عمر بدُّور على ضرورة تأسيس استراتيجيات الدول، خاصة تلك التي ليست لديها استراتيجيات تخص الظواهر الجديدة على مناخها، وخصّ بالذكر دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث إنَّ "هذه الدول اعتادت على مناخ متوسط أو شبه جاف، لكنه الآن يزداد جفافا وكذلك يزداد تطرفا"، حسب قوله.
وكان تقرير اللجنة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ قد أفاد بأن الحد من ارتفاع الحرارة كيلا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، سيتطلب تحولا عاجلا وغير مسبوق في مجالات الأراضي والطاقة والصناعة والبناء والنقل والمدن، وضرورة خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010، ليصل إلى الصفر في عام 2050.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن ذلك التحول يتطلب زيادة المستوى العالمي للعمل والطموح في مجال المناخ بشكل كبير.
ومن المقرر أن يعقد أنطونيو غوتيريس قمة حول المناخ في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول لحشد الإرادة السياسية من أجل زيادة الطموح لتنفيذ أهداف اتـفاق باريس للمناخ الذي توصل إليه قادة العالم عام 2015.
وستركز قمة الأمين العام على عدة مجالات رئيسية، منها الطموح في مجال التخفيف من آثار التغير المناخي، والتحول في الطاقة والصناعة، والحلول القائمة على الطبيعة، والبنية الأساسية، والمدن والعمل المحلي، وتمويل العمل المناخي، وتسعير الكربون، والصمود والتكيف، والعوامل الاجتماعية والسياسية.
وستصدر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيانها الكامل عن حالة المناخ العالمي في عام 2018، في مارس/آذار. وسيتضمن البيان النهائي معلومات من مجموعة كبيرة من وكالات الأمم المتحدة بشأن الآثار الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
ومن بين الأحوال الجوية المتطرفة التي شهدها عام 2018، حرائق الغابات في كاليفورنيا واليونان، والجفاف في جنوب أفريقيا والفيضانات في ولاية كيرالا الهندية. وتتسبب المستويات القياسية من انبعاثات الغازات الناجمة في الأساس عن حرق الوقود الأحفوري في حبس مزيد من الحرارة داخل الغلاف الجوي.
من جهته، قال جافين شميت، مدير معهد جودارد لدراسات الفضاء في إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا): "إن تأثيرات ارتفاع درجات حرارة العالم في الأجل الطويل محسوسة بالفعل.. في الفيضانات الساحلية وموجات الحر وهطول الأمطار بغزارة وتغير النظام البيئي".
وذكرت الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، أن الولايات المتحدة وحدها عانت في العام الماضي من 14 كارثة مناخية تجاوزت خسائر كل منها مليار دولار بسبب الأعاصير وحرائق الغابات. وتقدم الإدارة وناسا بيانات للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وقد بدأ عام 2019 أيضا بارتفاع في درجات الحرارة، وكان شهر يناير/ كانون الثاني الأكثر دفئا في أستراليا على الإطلاق.
وعلى عكس الاتجاه العالمي، شهدت أجزاء من الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، موجة قارسة البرودة جراء عاصفة قادمة من القطب الشمالي. ووفقا لبيانات المنظمة العالمية للأرصاد التي تعود للقرن التاسع عشر، كان عام 2016 هو الأكثر حرارة بسبب ظاهرة النينيو في المحيط الهادئ، تليه سنوات 2015 و2017 و2018.
ورداً على سؤال حول التعارض ما بين ارتفاع درجات حرارة الأرض في بعض الأماكن، والبرودة الشديدة في أماكن أخرى، تقول الباحثة في "معهد البحوث البحرية" النرويجي إنغريد سيمفوي لـ"العربي الجديد": "لا تناقض بين الاحترار العالمي وخطر الشتاء الجليدي في شمال الكوكب، فتلك تأثيرات تغير مناخي متساوٍ ولن يدوم طويلاً مع ارتفاع درجات الحرارة ومستوى البحار، وبعض الأمور التي يجري تغير فيها في أعماق البحار يمكن أن تأخذ ما بين أربع سنوات وستّ، قبل ظهورها، خصوصاً في ما يتعلق بالبرودة التي نتحدث عنها، كنتاج لسنوات من تغيرات سابقة في مجال تيار الخليج الذي تأثر عملياً ويؤثر الآن على طقس بارد جداً في هذه المنطقة وغيرها".
تذكر سيمفوي أنّ التغيرات المناخية "لم تعد قضية تخمين وجدال، ففي منطقة ترومسو، الأقرب إلى القطب الشمالي، بالإمكان ملاحظة أنّ الجليد، منذ عام 2005، لم يعد كما كان سابقاً، بل إنّ انتشاره صار أقل، والتطورات متسارعة في هذا المجال". تشير سيمفوي إلى أنّ تغيرات درجات الحرارة يمكن ملاحظتها "بتغيرات في مستويات المياه العذبة التي تحفظ بطبقاتها الجليدية أعماق المياه من الحرارة". وتلفت إلى أنّ بحر بارنتيس الذي يقع إلى الشمال الشرقي من تورمسو "هو البحر الذي يؤثر على درجات الحرارة في الأرض، وتزداد فيه درجات الحرارة اليوم أكثر بمرتين عن القطب الشمالي".
بدورها، تذكر الباحثة والخبيرة المناخية في جامعة "آرهوس" الدنماركية، ماريا لويزا أندرسن، لـ"العربي الجديد" أنّها لا تتفق كثيراً مع المخاوف المتزايدة في الدول الإسكندنافية، حول نظرية "يوم القيامة"، التي تشير إلى ارتفاع منسوب المياه وإغراق دول، بل تلفت إلى "نشوء حالة طقس متطرف جداً في البداية، سيؤدي إلى برودة شديدة في أيسلندا ودول الشمال الأوروبي، ما سيضرب قطاعي الصيد والزراعة، وهو ما نعتبره قنبلة موقوتة".
(العربي الجديد، رويترز)