لم تكتف الألعاب الإلكترونيّة اليوم بالدخول إلى عالم الأطفال فقط، بل تخطّته لتصل إلى أيادي الراشدين والبالغين وسيطرت على أوقاتهم بشكل هستيري. لم يعد جيل اليوم يكترث بألعاب "الحبلة" التي كانت تشغل عقول معظم الفتيات، وتخلق فيهم روح المتعة وممارسة الرياضة اليوميّة. كذلك حال لعبة "الطمّيشة" (الغميضة) التي ساهم بنجاحها الأهل. إذ كان الطفل يلجأ إلى التخفي عن رفاقه بمساعدة الأهل الذين كانوا يدركون تماماً المخابئ السريّة لأطفالهم. وأيضاً لعبة "الحرب"، و"الغلّة"، و"ركوب الدراجة الهوائية" وغيرها الكثير من الألعاب التي كانت تخلق روح التحدي بين الأصدقاء، وساهمت في تكوين شخصية الأطفال على الصعيدين الاجتماعي والنفسي.
ومن عالم الطفولة إلى عالم الكبار، حيث كانت "لعبة الورق" بطلة سهراتهم. كان الأهل يجتمعون حول الطاولة، فتسمع صراخ بعضهم على بعض بسبب الغشّ أو محاولة أحدهم التذاكي على الباقين. منازل ملأها الضجيج الممتع والعائلات المتماسكة.
انتهى ذلك العصر، بل انقرض. بات أطفال اليوم منشغلين بالألعاب الإلكترونيّة، فلعبة "الحرب" الحيّة في الشوارع، أصبحت إلكترونيّة. وسباق الدراجات الهوائيّة حلّ محلّه سباق السيارات الإلكترونيّة "كريزي تاكسي". ماتت تلك الدمية التي كانت تنام إلى جانب الفتاة في سريرها، لتحلّ مكانها "فاشن ديزاينر"، إذ تقوم الفتاة عبر كبسات إلكترونيّة بتغيير ملابس الدمية ووضع الماكياج لها. وغيرها الكثير من الألعاب التي نقلت الطفولة إلى عالم غير بريء، عالم أصبح فيه الطفل بعيداً عن الرفاق، وعن دراسته، فخلق لنفسه عالماً خاصاً، حيث بات الانعزال وعدم تقبّل الآخر سيّدَي الموقف.
وللكبار حصّة كبيرة في الألعاب الإلكترونية. "كاندي كراش"، "فارم فيل"، "البلياردو" اقتحمت عالم الكبار وسيطرت على حياتهم الاجتماعيّة والمهنيّة بشكل كامل.
لم تعد ترى فرداً في المجتمع يمشي أو يجلس مرفوع الرأس. الرؤوس منحنية إلى شاشة إلكترونيّة تحكّمت بالعقول والأصابع، منهية نمط تنظيم الأوقات. على الرغم من أنّ هذه الألعاب اجتاحت المجتمعات العربية والغربيّة منذ سنوات عديدة، إلّا أنّ "العربي الجديد" عاد ليسلّط الضوء على هذه الألعاب التي تتطوّر بشكل دائم، ولم تعد مجرّد تسلية أو متعة، بل تحولت إلى آفة تكاد تفتك بالأصعدة جميعها.
ندى، امرأة عاملة وأم لثلاثة أولاد. تتحدث عن علاقتها بالألعاب الالكترونيّة التي بدأت لمجرّد التسلية، وانتقلت في ما بعد إلى مرحلة الإدمان. "بتّ أنتظر ذهاب أولادي إلى المدرسة لأبدأ بلعبة "كاندي كراش". أتمادى باللعب وأنسى أنّه يجب عليّ تحضير الطعام والذهاب إلى العمل. أشكر الله أنّ عملي ملكي، ولست موظّفة وإلا لكانوا طردوني (تبتسم)". وتتابع: "أقفل المحل وأعود إلى المنزل مسرعة عند عودة الأولاد من المدرسة. أجلس إلى جانبهم لمساعدتهم، لكن فجأة أجد الهاتف بين يدي لأبدأ اللعب من جديد. وفي المساء، عندما ينامون، أتابع اللعب. أهملت عائلتي كثيراً وخصوصاً زوجي الذي بدأ يشكو منّي ومن عالم الألعاب أمام كل الأصدقاء".
شادي موظف بنك، يشرح كيف كان يستغلّ عدم وجود زبائن في بعض الفترات، ليلجأ إلى هاتفه ويبدأ بلعبة "البوكر". يعتبر شادي أنّ هذه اللعبة، التي منع نفسه عنها بالذهاب إلى محال ألعاب الميسر، إدماناً و"تخرب البيت وتصبح مفلساً". لكن ممارستها عبر الانترنت، شجّعت شادي وجعلته مدمناً إلكترونيّاً، من دون أن يشعر بذلك. حتى وجد نفسه وحيداً أمام شاشته، رافضاً الخروج والتمتّع مع الأصدقاء، ليشارك أصدقاء وهميين لعبة "البوكر".
تعتبر نادين أنّها أصبحت مريضة "إلكترونيّاً". تدخل إلى كافيتريا الجامعة، وتجلس إلى جانب الأصدقاء الذين أصبحوا مثلها مرضى. تقول نادين: "نجلس مع بعضنا وكأنّنا تماثيل جبسيّة. لا نتحرّك، لا نتحدّث، كلٌّ يحمل هاتفه بيده مبتسماً أو عابساً. لكنّنا نتبادل الحديث، إذا كان أحدنا يحتاج إلى نقاط من الآخر لمتابعة التحدّي".
تنتظر أمل جميع أفراد العائلة حتى يناموا، في حين تدّعي أنّها نائمة، لتقوم عند الثانية ليلاً، وتبدأ باللعب. تقول: "أحاول السيطرة على أعصابي كي لا يسمع أحد صوتي. وينتهي بي الأمر، أخلد إلى النوم لساعتيْن فقط، لأستيقظ وأذهب إلى العمل متعبة، يغلبني النعاس".
وعلى الرغم من الوضع المزري الذي وصل إليه المجتمع بمعظمه، إلّا أنّه لا يزال هناك فئة من الناس الرافضة لهذا الواقع. ربيع، موظّف وأب لولدين، يؤكد أنّ الوضع لم يعد يطاق في عائلته. يدخل إلى المنزل، فلا يرحّب به ولداه الصغيران كما كان يفعل هو سابقاً مع والده. ويعتبر أنّ تربية الأولاد أصبحت صعبة جداً، إذ إنّ التمرّد وأجوبتهم اللاأخلاقية فاقت الحدود. مشيراً إلى أنّ العولمة وهذه الألعاب الالكترونيّة سبّبت تفكّكاً عائلياً وقلّة أخلاق لدى الطفل الذي لم يعد يحترم الأهل ويعاندهم عندما يُطلب منه التوقّف عن اللعب لمتابعة الدرس أو الذهاب إلى الفراش.
سميّة، امراة مثقّفة وناضجة، تشير إلى أنّ رؤية الناس يمشون في الشوارع منحني الرؤوس بسبب لهوهم بهواتفهم، مصطدمين بالمارّة، تستفزّها وترغب أحياناً لو كان باستطاعتها تأديب أحدهم وسط الشارع ليتعلّم الباقون (تضحك). تتابع: "أقصد منزل صديقتي وعائلتها، فأرى الأولاد يحملون "الآيباد" كل على كرسيّه، والوالد يلعب "تكساس هولدن بوكر". أمّا صديقتي فتجلس معي متمنيّة رحيلي لتعاود لعب "كاندي كراش". أعود إلى منزلي مقتنعة أنّ عالمي أعظم من عالمهم الهستيري من خلال الأفلام التي أتابعها والكتب التي أقرأها".
ويبقى الرابح الوحيد، الشركات المنتجة والمسوّقة لهذه الألعاب والبرامج، فأصبح كل منزل يملك أكثر من ثلاثة أجهزة الكترونيّة فضلاً عن الهواتف. فقد توقّعت شركة سوني اليابانية ارتفاع أرباحها بنسبة 108% خلال عام 2015. في حين نتوقّع نحن انخفاض مستوى الأخلاق والترابط العائلي والاجتماعي بنسبة أعلى في العام نفسه.
ومن عالم الطفولة إلى عالم الكبار، حيث كانت "لعبة الورق" بطلة سهراتهم. كان الأهل يجتمعون حول الطاولة، فتسمع صراخ بعضهم على بعض بسبب الغشّ أو محاولة أحدهم التذاكي على الباقين. منازل ملأها الضجيج الممتع والعائلات المتماسكة.
انتهى ذلك العصر، بل انقرض. بات أطفال اليوم منشغلين بالألعاب الإلكترونيّة، فلعبة "الحرب" الحيّة في الشوارع، أصبحت إلكترونيّة. وسباق الدراجات الهوائيّة حلّ محلّه سباق السيارات الإلكترونيّة "كريزي تاكسي". ماتت تلك الدمية التي كانت تنام إلى جانب الفتاة في سريرها، لتحلّ مكانها "فاشن ديزاينر"، إذ تقوم الفتاة عبر كبسات إلكترونيّة بتغيير ملابس الدمية ووضع الماكياج لها. وغيرها الكثير من الألعاب التي نقلت الطفولة إلى عالم غير بريء، عالم أصبح فيه الطفل بعيداً عن الرفاق، وعن دراسته، فخلق لنفسه عالماً خاصاً، حيث بات الانعزال وعدم تقبّل الآخر سيّدَي الموقف.
وللكبار حصّة كبيرة في الألعاب الإلكترونية. "كاندي كراش"، "فارم فيل"، "البلياردو" اقتحمت عالم الكبار وسيطرت على حياتهم الاجتماعيّة والمهنيّة بشكل كامل.
لم تعد ترى فرداً في المجتمع يمشي أو يجلس مرفوع الرأس. الرؤوس منحنية إلى شاشة إلكترونيّة تحكّمت بالعقول والأصابع، منهية نمط تنظيم الأوقات. على الرغم من أنّ هذه الألعاب اجتاحت المجتمعات العربية والغربيّة منذ سنوات عديدة، إلّا أنّ "العربي الجديد" عاد ليسلّط الضوء على هذه الألعاب التي تتطوّر بشكل دائم، ولم تعد مجرّد تسلية أو متعة، بل تحولت إلى آفة تكاد تفتك بالأصعدة جميعها.
ندى، امرأة عاملة وأم لثلاثة أولاد. تتحدث عن علاقتها بالألعاب الالكترونيّة التي بدأت لمجرّد التسلية، وانتقلت في ما بعد إلى مرحلة الإدمان. "بتّ أنتظر ذهاب أولادي إلى المدرسة لأبدأ بلعبة "كاندي كراش". أتمادى باللعب وأنسى أنّه يجب عليّ تحضير الطعام والذهاب إلى العمل. أشكر الله أنّ عملي ملكي، ولست موظّفة وإلا لكانوا طردوني (تبتسم)". وتتابع: "أقفل المحل وأعود إلى المنزل مسرعة عند عودة الأولاد من المدرسة. أجلس إلى جانبهم لمساعدتهم، لكن فجأة أجد الهاتف بين يدي لأبدأ اللعب من جديد. وفي المساء، عندما ينامون، أتابع اللعب. أهملت عائلتي كثيراً وخصوصاً زوجي الذي بدأ يشكو منّي ومن عالم الألعاب أمام كل الأصدقاء".
شادي موظف بنك، يشرح كيف كان يستغلّ عدم وجود زبائن في بعض الفترات، ليلجأ إلى هاتفه ويبدأ بلعبة "البوكر". يعتبر شادي أنّ هذه اللعبة، التي منع نفسه عنها بالذهاب إلى محال ألعاب الميسر، إدماناً و"تخرب البيت وتصبح مفلساً". لكن ممارستها عبر الانترنت، شجّعت شادي وجعلته مدمناً إلكترونيّاً، من دون أن يشعر بذلك. حتى وجد نفسه وحيداً أمام شاشته، رافضاً الخروج والتمتّع مع الأصدقاء، ليشارك أصدقاء وهميين لعبة "البوكر".
تعتبر نادين أنّها أصبحت مريضة "إلكترونيّاً". تدخل إلى كافيتريا الجامعة، وتجلس إلى جانب الأصدقاء الذين أصبحوا مثلها مرضى. تقول نادين: "نجلس مع بعضنا وكأنّنا تماثيل جبسيّة. لا نتحرّك، لا نتحدّث، كلٌّ يحمل هاتفه بيده مبتسماً أو عابساً. لكنّنا نتبادل الحديث، إذا كان أحدنا يحتاج إلى نقاط من الآخر لمتابعة التحدّي".
تنتظر أمل جميع أفراد العائلة حتى يناموا، في حين تدّعي أنّها نائمة، لتقوم عند الثانية ليلاً، وتبدأ باللعب. تقول: "أحاول السيطرة على أعصابي كي لا يسمع أحد صوتي. وينتهي بي الأمر، أخلد إلى النوم لساعتيْن فقط، لأستيقظ وأذهب إلى العمل متعبة، يغلبني النعاس".
وعلى الرغم من الوضع المزري الذي وصل إليه المجتمع بمعظمه، إلّا أنّه لا يزال هناك فئة من الناس الرافضة لهذا الواقع. ربيع، موظّف وأب لولدين، يؤكد أنّ الوضع لم يعد يطاق في عائلته. يدخل إلى المنزل، فلا يرحّب به ولداه الصغيران كما كان يفعل هو سابقاً مع والده. ويعتبر أنّ تربية الأولاد أصبحت صعبة جداً، إذ إنّ التمرّد وأجوبتهم اللاأخلاقية فاقت الحدود. مشيراً إلى أنّ العولمة وهذه الألعاب الالكترونيّة سبّبت تفكّكاً عائلياً وقلّة أخلاق لدى الطفل الذي لم يعد يحترم الأهل ويعاندهم عندما يُطلب منه التوقّف عن اللعب لمتابعة الدرس أو الذهاب إلى الفراش.
سميّة، امراة مثقّفة وناضجة، تشير إلى أنّ رؤية الناس يمشون في الشوارع منحني الرؤوس بسبب لهوهم بهواتفهم، مصطدمين بالمارّة، تستفزّها وترغب أحياناً لو كان باستطاعتها تأديب أحدهم وسط الشارع ليتعلّم الباقون (تضحك). تتابع: "أقصد منزل صديقتي وعائلتها، فأرى الأولاد يحملون "الآيباد" كل على كرسيّه، والوالد يلعب "تكساس هولدن بوكر". أمّا صديقتي فتجلس معي متمنيّة رحيلي لتعاود لعب "كاندي كراش". أعود إلى منزلي مقتنعة أنّ عالمي أعظم من عالمهم الهستيري من خلال الأفلام التي أتابعها والكتب التي أقرأها".
ويبقى الرابح الوحيد، الشركات المنتجة والمسوّقة لهذه الألعاب والبرامج، فأصبح كل منزل يملك أكثر من ثلاثة أجهزة الكترونيّة فضلاً عن الهواتف. فقد توقّعت شركة سوني اليابانية ارتفاع أرباحها بنسبة 108% خلال عام 2015. في حين نتوقّع نحن انخفاض مستوى الأخلاق والترابط العائلي والاجتماعي بنسبة أعلى في العام نفسه.