الأسواق الصاعدة تتخذ تدابير وقائية لمواجهة زلزال الفائدة الأميركية

21 ديسمبر 2015
أسواق المال تترقب تداعيات رفع سعر الفائدة الأميركية (Getty)
+ الخط -
أظهر قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (المصرف المركزي الأميركي) رفع الفائدة، تعافي الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد عالمي، مع مطلع عام 2015، وعادت الاقتصاديات الصاعدة والنامية لترتبط بالعملاق الأميركي مرة أخرى، بعد محاولات للخروج من دائرة التبعية.
وقبل مطلع الألفية الثالثة، كانت المقولة السائدة أنه "إذا عطس الاقتصاد الأميركي ارتعدت فرائص الاقتصاد العالمي"، ولكن مع بداية ظهور الدول الصاعدة، ووجود تغير ملموس في طبيعة مساهمة هذه الدول في الناتج المحلي العالمي، وتزايد حصتها في الصادرات على حساب الاقتصاد الأميركي، بالإضافة إلى الأزمة المالية العالمية عام 2007، ظهرت تحليلات تذهب إلى أن المقولة السابقة إلى زوال، وأن خريطة القوى الاقتصادية تشهد تغيرات حقيقة، إلا أن أميركا عادت نهاية العام الجاري لتؤكد أنها ما زالت مؤثرة، وتستطيع ان تحول المسار الاقتصادي في أي لحظة.
وظل العالم يترقب ارتفاع سعر الفائدة مؤخرًا بالأسواق الأميركية، منذ شهور، وبخاصة بعد التحسن الملحوظ في معدلات النمو الاقتصادي والبطالة والتضخم بأميركا، حتى صدر القرار يوم الأربعاء الماضي ليحدث ردود أفعال واسعة بأسواق العالم.
وأشارت تقارير دولية إلى أن أسواق السلع والمال، ولا سيما الصاعدة والنامية، ستتأثر على المدى الطويل بتداعيات القرار الفترة المقبلة. وتوقع البنك الدولي في ورقة بحثية مؤخراً، أن يؤدي القرار إلى تراجع كبير لحركة رؤوس الأموال إلى الاقتصادات الصاعدة بنسبة 45% خلال عام.
وفي ظل تداعيات القرار على الأسواق الناشئة، التي اعتادت أن تكون متغيراً تابعاً لقرارات السياسة النقدية الأميركية، فمن الطبيعي أن تتخذ هذه الدول تدابير وقائية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2010 حينما طرحت أميركا 600 مليار دولار لشراء سنداتها الحكومية، سارعت الدول الناشئة وفرضت ضرائب في العديد من أسواقها على الأموال الساخنة، حتى تجنب اقتصاداتها ويلات التضخم، بسبب هروب جزء من الإصدار النقدي الأميركي إلى أسواق المال بها، حسب محللين.

وسارعت دول مجلس التعاون الخليجي نهاية الأسبوع الماضي إلى رفع سعر الفائدة، في حين يتوقع أن تتخذ معظم الدول المرتبطة اقتصاديًا بالدولار قرارات متعلقة بالقرار خلال هذه الفترة، ما سيكون له أثر على عمل أسواق المال بها، بحيث سيتوجه جزء من مستثمري أسواق المال إلى الأجهزة المصرفية للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيؤدي إلى وجود نقص في السيولة والاستثمارات المتاحة لأسواق المال بالدول الناشئة.
وحسب المحللين، سينعكس ارتفاع أسعار الفائدة في السوق الأميركي، على السندات المحلية في الأسواق الناشئة، وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا على سوق السندات، من حيث الكم، وبخاصة تلك الحكومية التي يسمحها بتداولها في أسواق الدول الناشئة.
وبالنسبة لصناديق الاستثمار الأجنبية التي تمارس دوراً ملموساً في أسواق الدول الناشئة، فرفع سعر الفائدة بالنسبة لها ميزة تجعلها تعيد التفكير في إعادة توزيع استثماراتها، وبخاصة أن رفع سعر الفائدة بالسوق الأميركية هذه المرة، يراه المحللون مقدمة لخطوات أخرى نحو رفع سعر الفائدة، وإن كان بصورة تدريجية، وستكون المحصلة، عودة تلك الصناديق بمعدلات أعلى مما هي عليه الآن إلى السوق الأميركية.
كما يترتب على القرار تأثيرات أخرى على المستثمرين داخل أميركا، سواء كان أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، والذين يفكرون في الاقتراض من السوق الأميركية، وإعادة استثمار هذه القروض داخل أسواق الدول الناشئة، للاستفادة من فارق سعر الفائدة، فإنهم سيواجهون أمرًا جديدًا، وهو ارتفاع تكلفة الاقتراض، وتضييق الهامش بين العائد على الاستثمار في أميركا وغيرها من الأسواق الناشئة.
ويعد سعر الفائدة على الاقتراض المعلن في أميركا بـ0.5%، هو سعر استرشادي، يتم التعامل به للاقتراض فيما بين المصارف، ولكن تكلفة الاقتراض من قبل المصارف للعملاء تفوق هذا بكثير، وقد تصل إلى ما بين 3% و5%، فالمصارف لديها تكاليف تشغيل، وكذلك عوائد عليها أن تدفعها لعملائها المودعين.

اقرأ أيضا: زيادة العائد على الدولار خطر يهدد الأسواق

وحسب المحللين سيواجه قيام البعض بالاقتراض من المصارف الأميركية، وإعادة استثمار تلك القروض في أسواق الدول الناشئة، بتكلفة أعلى، وبخاصة في ضوء آلية العمل بسعر الفائدة، فالرقم الفعلي لأسعار الفائدة يتجاوز بكثير الأرقام المتواضعة التي تعلن من قبل المركزي الأميركي.

وترتبط معظم أسواق واقتصاديات الدول العربية، وحتى السلعة الاستراتيجية الوحيدة، وهي النفط، بالدولار، وقد تحملت هذه الدول مسالب السياسة النقدية لأميركا منذ مطلع الألفية الثالثة.
وبالفعل اتجهت بعض الدول العربية لاتخاذ قرار برفع سعر الفائدة بعد القرار الأميركي، ولكن الأمر لا يتوقف عند مجرد اتخاذ قرار، فبنية تلك الاقتصاديات العربية لا تعمل في إطار منظومة تمكنها من تفادي الآثار السلبية لهذه الخطوة، حيث إن معظمها تعتمد على الخارج.
وسيكون أثر رفع سعر الفائدة بأميركا مؤثرًا على الأسواق العربية بشكل آخر في صورة ارتفاع فاتورة الواردات العربية، وسيكون لذلك انعكاسًا فيما يسمى التضخم المستورد، وبخاصة أن الدول العربية فشلت على مدار سنوات في تعظيم قيمة وحجم التجارة البينية، أو زيادة قدراتها الإنتاجية، مما جعلها خاضعة لتأثير التقلبات الخارجية بشكل كبير.
وأوضح المحللون أن الدول العربية النفطية لم تفعّل سعر الفائدة في تحسين أسعار النفط، لكي يمكنها مواجهة الانحسار الحادث بشكل كبير في مواردها النفطية، وذلك بعد أن أعلنت بعض دول الخليج عن التفكير في الاقتراض من الخارج، أو الاقتراض من الداخل من أجهزتها المصرفية أو مؤسساتها السيادية، في ظل أزماتها التمويلية، ولكن في ضوء أسعار فائدة مرتفعة بعد القرار الأميركي ستزيد تكلفة الاقتراض.
ومن جانب ثان، ستظل أسواق الدول الناشئة رهن التغير الحادث في قرارات السياسة النقدية الأميركية، حتى تفعيل ما أعلن من قبل صندوق النقد الدولي باعتماد اليوان الصيني كعملة دولية، في منتصف 2016، وحينئذ سيكون بإمكان جزء من الدول الناشئة أن يغير من طبيعة ارتباطات اقتصاداتها بالعملة الصينية، ليصنع مصادر ثلاثية لهذه الارتباطات، ما بين الدولار واليورو واليوان.
ولكن المفارقة الكبرى، والتي سيكون لها تأثيرها بشكل قوي، في إطار تفعيل عملة الصين كعملة دولية، حين تتخلص الصين من رصيدها الضخم من احتياطي النقد الأجنبي والذي يصل إلى 4 تريليونات دولار، حيث إن التخلص من هذه المبالغ الضخمة من الدولار لن يكون مرة واحدة، وسيستغرق سنوات، عبر استثمارات وشراكات، وبخاصة في الدول النامية، في أفريقيا وآسيا، وكذلك بعض الاستثمارات في أميركا وأوروبا.
والتغير داخل الدول الناشئة، بعد خطوة تفعيل العملة الصينية، لن يغير كثيرًا من وضع أسواق الدول الناشئة، سوى أنه سيضيف خيارًا جديدًا أمام هذه الأسواق، إلا أنها ستظل تتأثر بالاقتصاد الأميركي العملاق.

اقرأ أيضا: مضاعفة الفائدة الأميركية..واشنطن تدعم اقتصادها على حساب الأسواق الناشئة
المساهمون