الأسد يعرض خدماته.. هل ينقذه أوباما؟

30 اغسطس 2014

أوباما في مكالمة هاتفية مع ملك الأردن بخصوص "داعش"(أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -


ماذا يجري بين نظام بشار الأسد والإدارة الأميركية، وهل سنشهد انتقالاً من "على الأسد أن يرحل"، الذي طالما ردده باراك أوباما منذ الأشهر الأولى من اندلاع انتفاضة الشعب السوري ضد الأسد، إلى "التعاون ضد "دولة الإسلام في العراق وبلاد الشام - داعش"، بذريعة مكافحة الإرهاب، بعد أن كانت المنطقة على مسافة ساعات، في صيف العام الماضي، من بدء الهجوم الأميركي الكاسح على جيش النظام وترسانته العسكرية، إثر استعمال الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين؟

خرج وزير خارجية الأسد، وليد المعلم، وهو لا يظهر عادة على الإعلام إلا في المناسبات "المهمة"، عارضاً على الولايات المتحدة، بوضوح وصراحة، خدمات نظامه، للتعاون في مجال "مكافحة منابع الإرهاب وتجفيفها"، ومؤكداً أن لا مانع من أن تقصف واشنطن مواقع "داعش" في سورية، كما تفعل ضده في العراق، ولكن عليها أن "تتعاون وتنسق معنا لكي تنجح العملية". وقد بدا المؤتمر الصحافي مبرمجاً، وكل أسئلة الصحافيين، ومعظمهم من وسائل إعلامية تابعة للنظام، موجهة في اتجاه إظهار استعداد النظام السوري لـ"التعاون" (كررها المعلم أكثر من عشرين مرة!) "في مواجهة خطر الإرهاب" الذي يمثله "داعش" و"النصرة"، مستندا إلى قرار مجلس الأمن 2170 الذي أقر بإجماع الأعضاء.

وأظهر وليد المعلم كل إيجابية، واستعمل أكثر التعابير دبلوماسية ولطافة تجاه الولايات المتحدة، ولم ينطق أي كلمة انتقاد أو ملامة ضد السياسة الأميركية، غير أنه حمل بشدة على دول الجوار، وتحديداً تركيا التي تدعم برأيه وتُؤوي الإرهاب وتسلح الإرهابيين، وكذلك على دولة قطر. ولا شك في أنها خطوة ذكية من النظام الذي يحاول استغلال فرصةٍ، تشكُل إجماعاً إقليمياً ودولياً لمواجهة زحف "داعش" في العراق وسورية، والمجازر الوحشية التي يرتكبها، والمدن التي يسيطر عليها في البلدين وما بينهما.

إنها محاولة من النظام لإعادة تعويم نفسه، والانخراط في هذه المعركة، بهدف تبرئة ساحته من الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها كل يوم ضد شعبه، جرياً على عادته، كما يفعل منذ نحو خمسين سنة، أي منذ أن سيطر حزب البعث على السلطة في سورية، بدءاً من تدخله في لبنان، ثم بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين، ومحاولة فرض وصايته على منظمة التحرير، وانتهاءً بالعراق عبر تصدير الإرهاب والإرهابيين الذين يدّعي اليوم محاربتهم!

وإذا كانت هذه نوايا بشار الأسد وخططه، فما هي نوايا أوباما الذي جعل من قضية حقوق الإنسان شعاراً لولايتيه، الأولى والثانية، وعن حق الشعوب بالحرية وحقوق الأقليات، وهل مكافحة "داعش" والإرهاب في وسعها أن تنسي أوباما (أو تبرر؟)، ومعه الغرب، المجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، والبراميل المتفجرة التي يلقيها بالأطنان على المدن السورية؟ وهل نسي أوباما كم مرة طالب الأسد بالتنحي، خلال عامي 2011 و2012، واتهمه بارتكاب المجازر ضد السوريين؟ وهل يعتقد أوباما أن في وسعه أن ينسي العالم أنه كان قد أعلن في نهاية أغسطس/آب 2013 عن بدء الهجوم على سورية، بعدما أكدت المعلومات وتقارير الخبراء أن الأسد استعمل فعلاً السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية، وأوقع مئات وربما آلاف الضحايا. ثم عاد وتراجع عن قراره إثر وساطة روسية، مستعيضاً عنه بتسليم السلاح الكيماوي وتدميره؟

وكيف يمكن للأسد أن يكون حليفاً لأوباما في معركة التصدي للإرهاب، وهو من صنّاعه بامتياز، بدءا بمعركة مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان، بعد أن أطلق سراح المدعو شاكر العبسي (فلسطيني) وأرسله إلى شمال لبنان، تحت اسم تنظيم "فتح الإسلام" (الإسلام جاهز دائماً للاستعمال!)، في يونيو/حزيران 2007، ليخوض معركته ضد الجيش اللبناني؟

وهل يجهل الرئيس أوباما أن معظم قياديي تنظيم "داعش" ومنظريه المؤسسين كانوا معتقلين في السجون السورية، بتهمة التطرف وإنشاء تنظيمات إسلامية وأصولية؟ وكيف نما "داعش" وترعرع، تحت جناح النظام الذي لم يتعرض له جيشه طوال السنتين الماضيتين، تاركا له إمكانية السيطرة على أكثر من منطقة سورية، بدءا بالرقة التي انسحبت منها كتائب الأسد فور تقدم "داعش" نحوها؟ ولو أن التجارب تثبت أن "الوحش" الذي تصنعه غالباً ما ينقلب عليك.

وأمام كل هذه الحقائق والمعطيات، يصبح، بالتالي، مشروعاً التساؤل: لماذا كل هذا التراجع من الإدارة الأميركية تجاه النظام السوري، والتردد في اتخاذ أي قرار حاسم، من أجل وضع حد لمعاناة الشعب السوري؟ وهل تعني الحرب المزمعة، أو المفترضة، ضد الإرهاب تبرئة الجلاد وإشراكه في مكافحة ما صنعته يداه؟     

5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.