الأزمة المالية قيد التحضير

19 سبتمبر 2018
الديون على الأسر الأميركية تصل إلى 25 تريليون دولار(Getty)
+ الخط -
بمناسبة مرور عشر سنوات على اندلاع الأزمة المالية عام 2008، ركّزت وسائل الإعلام الغربية، مثل بلومبيرغ الأميركية، وBBC البريطانية، على أزمة ليمان براذرز (LIHMAN BROTHERS) الأميركية، والتساؤل حول ما إذا كان في الإمكان إنقاذها، علماً أنها أفلست، وبيعت إلى شركاتٍ أخرى.

وربما يفتح البكاء على "ليمان" الباب على احتمال سقوط مؤسسات أخرى، مالية ومصرفية متورّطة في الديون الكبيرة المستحقة، في مقابل السحوبات على بطاقات الائتمان والديون الأخرى.
أزمة المديونية
وفي إحصاء أجرته "نيرد والت" (Nerd Wallet) المتخصصة في الاستشارات المالية سنة 2017، تبيّن أن مجموع ديون بطاقات الائتمان وصلت إلى حوالي تريليون دولار العام الماضي، وديون العقار إلى تسعة تريليونات، وديون السيارات 1.25 تريليون دولار، والقروض المقدمة للتلاميذ 1.4 تريليون، وباقي الديون حوالي 13.3 تريليون دولار.

أي أن مجموع الديون على الأسر الأميركية تصل إلى حوالي 25 تريليون دولار، أو بمعدل 135 ألف دولار تقريباً على كل أسرة. ولربما تبلغ ديون الأسر الأميركية ثلث مجموع الديون المستحقة على الأسر في مختلف الدول، ما يجعل الديون الأسرية العالمية تصل إلى حوالي 75 تريليون دولار.

أما بالنسبة للديون الحكومية، فإن معظم الإحصاءات المتاحة عن دول العالم تقدّر حجم الديون لكل دولة، ولا تقدّم هذه الجداول المجموع المقدّر للديون الحكومية العالمية. لكن ديون الولايات المتحدة تشكل 29.1% من ديون العالم، تليها اليابان بديون تقدر بنسبة 20.0% من ديون العالم، والصين 6.25%، أما الدول المدينة حسب الترتيب، والتي تحتل المراكز من سبعة إلى خمسة عشر، فكلها أوروبية.

وتبلغ المديونية الأوروبية 26% من جميع ديون العالم، باستثناء روسيا الاتحادية. وهكذا، فإن 75% من ديون العالم تقع على ثلاث جهات، الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.

ونعلم الآن أن دولاً أوروبية بدأت تتفاقم فيها أزمة المديونية إلى حد مقلق، خصوصا أنها تعاني من التدنّي في معدّلات نموها، ومن تراجع إيراداتها مثل إيطاليا.

ومع أن الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا يجعلها في المرتبة الثالثة من دول الاتحاد الأوروبي، والثامنة دولياً، إلا أن معدل النمو فيها يقل عن 0.3%، وتبلغ البطالة فيها حوالي 11%، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 135% عام 2016، ويزيد.

هزات ضخمة

ويكفي أن تواجه دولةٌ واحدةٌ، مثل إيطاليا، أزمةً عالميةً، تجعلها تفكّر في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ويصوّت شعبها لحكومة يمينية معادية للهجرة، لكي تبدأ الأزمة الأوروبية في التفاقم. وإذا ما بدأت الأزمة الاقتصادية في الاستفحال، أوروبياً أو يابانياً، حيث من غير المتوقع أن تنفجر في الولايات المتحدة أو الصين، فإن هذا سيُحدث أزمة كبرى.

وعندما نتأمل في النماذج الاقتصادية المتاحة حالياً، والتي يفرضها صندوق النقد الدولي، فإن المشكلة لا يمكن حصرها فقط في أوروبا واليابان، حجم المديونية الأكبر في القطاعين، العام والخاص، ربما يعرّض الاقتصاد الأميركي لهزة ضخمة كذلك.

ونحن نذكر أن أزمة العامين (2008 - 2009)، لم تبدأ في الولايات المتحدة، بل بدأت في آيسلندا، والمملكة المتحدة، ودول أخرى، ثم فوجئنا بانهيار السوق الثانوي الأميركي للعقار، ومن ثم المصارف في شارع وول ستريت، وانتهت بأزمة حقيقية في أسواق البورصات والإنتاج.

وقد تؤدي احتمالات الدخول في أزمة عالمية إلى عجز دولٍ كثيرة عن الوفاء بديونها، ما سيربك أسواق العملات في العالم، وأسواق رأس المال، ومن ثم الأسواق التجارية. وإذا حصل هذا الأمر، فإن حجم الدورة الاقتصادية الهابطة قد يتحوّل إلى كساد كبير عميق، يستمر سنواتٍ كما حصل إبّان ثلاثينيات القرن الماضي، وأدّى إلى حرب عالمية دامية.
وبحسب نظرية الاقتصادي النمساوي الأميركي، جوزيف شومبيتر، والذي تنبأ بسقوط الرأسمالية، فقد حدّد في مؤلفاته أربع دورات اقتصادية. الأولى تستمر من ثلاث إلى خمس سنوات، يليها نوع ثانٍ يمتد بين سبع وعشر سنوات، ونوع ثالث قد يمتد بين عشر إلى عشرين سنة. أما أطولها فقد يصل بين سبعين وتسعين سنة.

وقال إن الدورة طويلة الأجل هي إطار لدوراتٍ أخرى أقصر أجلاً. وبحسب قراءاته، فإن العالم مقبل على دورة اقتصادية جديدة طويلة الأمد ولكنها ستكون، في كل مرة، أعمق من سابقتها، وأطول فترة، وأصعب حلاً. ونحن الآن قد نكون واقفين بعد مرور ما يقرب 81 سنة على بدء دورة الكساد الكبير، أننا قد قاربنا على دورةٍ جديدة.
دروس الماضي
ولذلك، على الدول العربية أن تعي وتراقب إمكانيات حصول هذا التطور. ويبدو أن العالم لم يتعلم من دروس الماضي ويتّعظ بها. ولكننا، نحن العرب داخل منطقة الشرق الأوسط، قد نكون المفتاح الأساس لحل الأزمة الاقتصادية العالمية المتوقعة، فمنطقتنا الغنية بالنفط ومصادر الطاقة البديلة، والأراضي الشاسعة، وهيمنة الشباب عددياً على عدد السكان، وإطلالتنا على أهم المعابر المائية في العالم، وموقعنا الممتد على محيطين وعدد من البحار، ونتوسّط العالم، ربما تكون لنا فرصة إنْ أحسنّا استثمارها.

لكن أمراً كهذا يتطلب تفكيراً استراتيجياً، ونهجاً عميقاً لما يدور في العالم. ولعل الأشهر المقبلة تحمل في طياتها تحدياتٍ عالمية جديدة، تعيد تعريف الأدوار، وتجدّد مناطق نفوذ عالمية لم تخطر على البال سابقاً. أو هنالك احتمالية لا نرضاها، وهي أن نصبح حطب جهنم لحروبٍ واعتداءاتٍ على أموالنا وأراضينا، ونكون كبش الفداء.
دلالات
المساهمون