الأزمات الاقتصادية ترهق أطفال اليمن

23 نوفمبر 2019
طفل يمني يبيع الحلوى (العربي الجديد)
+ الخط -
دفعت الظروف الاقتصادية المتردية بعدد كبير من الأطفال اليمنيين إلى أسواق العمل، وأجبرت الكثير منهم خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الحرب الدائرة في البلاد على ممارسة أعمال، بعضها شاق وخطر من أجل إعالة أسرهم والتي باتت عاجزة عن توفير متطلبات الحياة الأساسية. 

من بين أولئك الأطفال إبراهيم أحمد (15 عاماً)، والذي يعمل لأكثر من تسع ساعات يومياً في ورشة للحدادة بمدينة تعز، بمقابل أجر مادي زهيد لا يتجاوز 120 دولاراً شهرياً وأحياناً يعمل لساعات إضافية للحصول على مكافأة نهاية الشهر كي تساعد أسرته في تسديد ما عليها من ديون.

يقول إبراهيم في حديث مع "العربي الجديد": "أعرف أنه كان يفترض أن تكون بيدي كتب المدرسة بدلاً من ماكينة اللحام ولكنها الحرب. والدي موظف حكومي ولم يعد يتسلم راتبه منذ مدة وأصبح مقعداً على الفراش وأنا أكبر إخواني، أعمل في ورشة الحدادة من أجل توفير إيجار المنزل، وكذلك بعض الحاجات الرئيسية التي يمكن أن تبقينا على قيد الحياة كالدقيق والسكر والزيت".

إبراهيم أحمد ليس الوحيد من بين أطفال اليمن الذين قذفت بهم الحرب إلى أرصفة الشوارع للعمل، ولكن مئات الآلاف منهم باتوا منافسين رئيسيين للكبار والذين يبحثون عن فرص للعمل، وأصبح الأطفال يعملون في شتى المهن خلال الحرب وتحديداً في تلك الأعمال التي لا تحتاج إلى بذل مجهود بدني مثل البيع والشراء في الشوارع.

وقد ابتكر الأطفال لأنفسهم طريقتهم الخاصة في تسويق بضاعاتهم التي تساعدهم في صنعها أسرهم أحياناً بالمنازل، فهناك من يعمل في بيع المياه المعدنية أو جمع المواد البلاستيكية من أجل بيعها وكذلك بيع البطاطس المقلية والبيض والخضار والفواكه فيما يختار أغلبهم مهنة غسل السيارات.

وباتت للكثير من أطفال اليمن، خلال الفترات الماضية، بسطات على أرصفة الشوارع لبيع الملابس. كما التحق البعض الآخر بالعمل في ورش إصلاح السيارات، وذهب آخرون للعمل حتى في أعمال شاقة مثل نقل البضائع ومواد البناء وحمل أوزان ثقيلة أكبر من قدراتهم .

ورغم أن النسبة الأكبر من الأطفال المنخرطين في أسواق العمل من الذكور، إلا أن هناك أيضاً نسبة لا بأس بها من الفتيات اللواتي يشاركن أسرهن في تحمل الأعباء الاقتصادية، وأصبحن يعملن في العديد من المهن مثل المخابز والمتاجر. ومنهن من يعملن كبائعات متجولات في شوارع المدن.

ويقول سامي القباطي، وهو باحث اقتصادي ويعمل في إحدى المنظمات اليمنية المعنية بالأطفال: "أضحت مشاهد أطفال اليمن وهم ينتشرون خلال السنوات الأخيرة في الشوارع أمراً مألوفاً، وغالباً ما تتم مصادفة أطفال في أعمار مبكرة وهم يحملون بضاعاتهم في أيديهم ويعرضونها للسائقين في الشوارع وعلى الخطوط الطويلة وعند مداخل المدن. يقفون لساعات طويلة تحت حرارة الشمس، ويعرضون حياتهم للأخطار والتي تصل أحيانا إلى الاستغلال الجنسي وهم يبحثون عن شيء يسدون به حاجة أسرهم للقمة العيش بعد أن فقدت من كان يعيلها بسبب الحرب".

ويضيف سامي لـ "العربي الجديد": "يجب أن يتحرك المجتمع بأكمله بدءاً من الأطراف المتحاربة من الحوثيين والحكومة الشرعية ومعهم منظمات الأمم المتحدة، لإنقاذ هذا الكم الهائل من أطفال اليمن والالتزام بتوفير حياة كريمة لأسرهم المعدمة وتركهم يعيشون طفولتهم الطبيعية وإيقاف الحرب قبل أن يكتشف الجميع وقد نشأ جيل بأكلمه بعيداً عن التعليم".
وبحسب تقارير رسمية حكومية، فإن أعداد الأطفال العاملين تضاعفت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، وتجاوزت أعدادهم اليوم أكثر من مليون ونصف المليون طفل وجميعهم يعملون في ظروف صعبة.

وتشير منظمة يونسيف المعنية بحقوق الأطفال، في تقرير حديث لها نشرته بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الطفل الأربعاء الماضي، إلى أن استمرار الحرب وما ترتب عنها من أزمة اقتصادية وضعا أنظمة الخدمات الاجتماعية الأساسية في عموم البلاد على حافة الانهيار ونتجت منها عواقب بعيدة المدى على الأطفال.

ووفقاً لبيانات اليونسيف، فإن هناك أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس و3.7 ملايين آخرين معرضون لخطر التسرب من المدارس إضافة إلى 12 مليون طفل في عموم البلاد بحاجة للحصول على مساعدة إنسانية عاجلة.

وتضاف مشكلة عمالة الأطفال في اليمن إلى قائمة الأزمات التي تحيط باليمن ذات الاقتصاد الضعيف، والذي يعتمد بشكل رئيسي منذ بدء الحرب الدائرة في البلاد قبل خمسة أعوام وما رافقها من عملية استنزاف لموارد الدولة.

ومنذ انقلاب الحوثيين على الحكومة اليمنية عام 2014، انخفضت قيمة الريال اليمني من 215 ريالاً مقابل الدولار بداية النزاع إلى 567 ريالاً خلال نوفمبر/ تشرين الثاني، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار الواردات وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين.

وأكثر ما زاد من معاناة المواطنين في البلاد والذين يعيشون ضمن ما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية بالعالم، هو الحصار الذي يفرضه التحالف السعودي الإماراتي على اليمن واستمراره في السيطرة على الموانئ الرئيسية، ليرزح ثمانية ملايين يمني على حافة المجاعة.
دلالات
المساهمون