16 فبراير 2021
الأردن وتداعيات تجاوز حق العودة
تدفع الحساسية الوطنية من مخاطر التوطين والوطن البديل للفلسطينيين النظام السياسي في الأردن إلى الإعلان بشكل متكرّر رفضه هذه الخيارات التي تبقى، على الدوام، عنوانا لتصاعد المخاوف الوطنية وتعاظمها. وقد أمسك العاهل الأردني عبدالله الثاني بياقة بذلته العسكرية، في اجتماع الصيف الماضي، في سياق الرد على تلك المخاوف، متسائلا عن سبب هذا الخوف وتلك الشائعات، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن من يحمي الأردن هو جيشه الذي يعرفه العدو في القدس، وفي مجمل محطات الصراع العربي الإسرائيلي.
ويأتي الرفض الأردني الخطة الأميركية للسلام (صفقة القرن) لمواجهة تلك المخاطر المتشكلة على هامشها، والتي تمسّ، بشكل مباشر، مصالح الدولة وكيانها وأمنها الوطني، خصوصا أن مجمل قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية (اللاجئين والحدود والأمن والمياه والمقدسات والاستيطان) تمسّ بشكل مباشر المصالح الحيوية للدولة الأردنية، وتشكّل، في مجملها، قضايا أمن وطني، تؤثر بشكل مباشر في استقرار الأردن ومستقبل نظامه السياسي. ومع إعلان الخطة الأميركية، وضع الأردن أمام حقيقة تجاوزها قضايا الحل النهائي جملة واحدة، وأمام استحقاق تداعيات ومخاطر غير محسوبة، ربما تعصف بالدولة الأردنية وبمستقبلها وشكل نظامها السياسي المستقر منذ ما يقارب القرن، فقد تجاوزت حق العودة اللاجئين الفلسطينيين
وتعويضهم، محملةً دول اللجوء مسؤولية إدماج الفلسطينيين في بنية تلك الدول، وهو أمر ذو حساسية بالغة للأردن الذي يحتضن النسبة الكبرى من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.
وتفيد الإحصاءات العامة في الأردن 2015 بأن عدد السكان بلغ نحو 10 ملايين و500 ألف نسمة، موزعين على 6.5 ملايين نسمة من يحملون أرقاما وطنية، بينهم نحو 4.5 ملايين نسمة من سكان الأردن الأصليين، فيما بلغ عدد السكان من أصول فلسطينية نحو مليوني نسمة، وعدد الجاليات العربية والأجنبية المقيمة قرابة الأربعة ملايين نسمة، منهم حوالي 1.5 مليون نسمة فلسطيني لا يحملون ارقاما وطنية. أما جهاز الإحصاء الفلسطيني فقدّر عدد الفلسطينيين في العالم بحوالي 11.6 مليون نسمة، يقيم منهم في الضفة الغربية وقطاع غزة 4.4 ملايين نسمة، منهم 2.7 مليون في الضفة، و1.7 مليون في القطاع، وبلغ عدد الفلسطينيين الذين لم يغادروا وطنهم عام 1948 حوالي 1.4 مليون نسمة. وبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والتابعة للأمم المتحدة (أونروا) حوالي 5.3 ملايين لاجئ يشكلون 45.7% من مجمل السكان الفلسطينيين في العالم، يتوزعون بواقع 59% في كل من الأردن وسورية ولبنان و17% في الضفة الغربية و24% في قطاع غزة.
ويتوزّع اللاجئون إلى فئات وشرائح تتباين في خصائصها وحقوقها ومكانتها القانونية في
الأردن، فهناك من يُسمون لاجئي 48 الذين أجبروا على ترك مدنهم وقراهم جرّاء الحرب العربية الإسرائيلية وتداعياتها، وقد بلغ تعداد المسجّلين من هؤلاء في كشوف "أونروا" حوالى المليوني لاجئ، تحدّرت غالبيتهم العظمى من اللاجئين الذين انتقلوا من فلسطين التاريخية إلى شرق الأردن، وتتمتع غالبية هؤلاء بالجنسية الأردنية التي حصّلوا عليها في أعقاب مؤتمر أريحا قرار "وحدة الضفتين" في العام 1950.
وهناك من جهة ثانية، من يسمّون النازحين، الذين أجبروا على ترك ديارهم (الضفة الغربية) بعد الحرب العربية الإسرائيلية الثانية في العام 1967، ولأنهم انتقلوا من منطقة إلى أخرى، داخل الدولة الواحدة، فقد أطلقت عليهم تسمية النازحين، تمييزاً لهم عن اللاجئين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم إلى دولة أخرى. وهناك من جهة ثالثة، فئة اللاجئين/ النازحين، وهي التسمية التي تطلق على فئة من الفلسطينيين تعرّضت للتهجير مرتين، الأولى في عام 1948 حين اضطرت للهجرة من مناطق 48 إلى الضفة الغربية، والثانية في العام 1967 حين اضطرت لمغادرة الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية. وهناك، من جهة رابعة، اللاجئون من أبناء غزة، الذين وجدوا أنفسهم مضطرّين لمغادرة القطاع تحت ضغط الحروب المتعاقبة (خصوصاً حرب 1967) والاستقرار في الأردن. لا يتمتعون بالتابعية الأردنية، ولم يحملوا الجنسية الأردنية يوماً، يقدر عددهم بحوالى 250 ـ 300 ألف نسمة. وفي الأردن عشرة مخيمات للاجئين الفلسطينيين، أربعة منها تأسست بعد حرب عام 1948، وستة منها بعد 1968، وكان الفلسطينيون
المهجّرون يعيشون في مخيمات مؤقتة وفي المساجد والمدارس وغيرها من المباني غير الآهلة بالسكان، وكانت منظمات إنسانية عديدة تقدم خدماتها الاغاثية للاجئين، مثل الصليب الأحمر الدولي والجمعيات الخيرية حتى شهر مايو/ أيار 1950، عندما تم تأسيس "أونروا".
بقي الأردن، طوال العقود الماضية، حريصا على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وفي مواجهة حملات التخوف من أي حل لقضية اللاجئين يعني ضمنا العبث بهوية الدولة من خلال توطين الفلسطينيين، وتحويل البلاد إلى وطن بديل. وكانت خيارات الدولة الأردنية وخطابها تؤكد على ضرورة حل الدولتين، بوصفه أساساً لمعالجة مشكلات الديموغرافيا في الأردن عبر طرح خيار الفدرالية أو الكونفدرالية مع الدولة الفلسطينية الموعودة، غير أن خطة السلام الأميركية تلك لم تؤسّس فقط لمسار توطين الفلسطينيين، بل تجاوزت ذلك لمنع التواصل الجغرافي الأردني الفلسطيني من خلال ضم غور الأردن لإسرائيل، وهو ما يعني أيضا ضمان عدم التواصل الجغرافي مع الضفة الغربية.
في ظل مسار الخطة الأميركية والتطبيع أولا والذي وضعته إسرائيل شرطا مسبقا للسلام، في ردّها على مبادرة السلام العربية المعلنة في بيروت العام 2002، والتي كانت تضع السلام أساسا للتطبيع، يجد الأردن اليوم نفسه أمام لحظة فارقة في تاريخه الحديث، تحتاج بموجبها العلاقة الأردنية الفلسطينية إلى مراجعة وتصويب لمجمل العثرات والتباينات التي حكمت مسارها منذ مؤتمر أريحا في 1950.
وقد مرّت العلاقة الأردنية الفلسطينية، طوال العقود الماضية، بجملة من التحولات والتحديات، إضافة إلى التحولات التي طاولت علاقات الأردنيين في ما بينهم، وكذلك علاقة الفلسطينيين، ومع تنامي التهديد الخارجي اليوم المتمثل في "صفقة القرن"، وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وتنامي المشاعر القُطرية وتعاظمها، خصوصا ما بعد الربيع العربي الذي كشف هشاشة تلك المجتمعات، يمكن القول إن الأردن اليوم في حاجةٍ إلى مقاربة وطنية داخلية، تعي تعريف شكل العلاقة الأردنية الفلسطينية، ما يمكّن البلاد من دفع المخاطر التي تواجهها خارجيا وداخلياً.
وتفيد الإحصاءات العامة في الأردن 2015 بأن عدد السكان بلغ نحو 10 ملايين و500 ألف نسمة، موزعين على 6.5 ملايين نسمة من يحملون أرقاما وطنية، بينهم نحو 4.5 ملايين نسمة من سكان الأردن الأصليين، فيما بلغ عدد السكان من أصول فلسطينية نحو مليوني نسمة، وعدد الجاليات العربية والأجنبية المقيمة قرابة الأربعة ملايين نسمة، منهم حوالي 1.5 مليون نسمة فلسطيني لا يحملون ارقاما وطنية. أما جهاز الإحصاء الفلسطيني فقدّر عدد الفلسطينيين في العالم بحوالي 11.6 مليون نسمة، يقيم منهم في الضفة الغربية وقطاع غزة 4.4 ملايين نسمة، منهم 2.7 مليون في الضفة، و1.7 مليون في القطاع، وبلغ عدد الفلسطينيين الذين لم يغادروا وطنهم عام 1948 حوالي 1.4 مليون نسمة. وبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والتابعة للأمم المتحدة (أونروا) حوالي 5.3 ملايين لاجئ يشكلون 45.7% من مجمل السكان الفلسطينيين في العالم، يتوزعون بواقع 59% في كل من الأردن وسورية ولبنان و17% في الضفة الغربية و24% في قطاع غزة.
ويتوزّع اللاجئون إلى فئات وشرائح تتباين في خصائصها وحقوقها ومكانتها القانونية في
وهناك من جهة ثانية، من يسمّون النازحين، الذين أجبروا على ترك ديارهم (الضفة الغربية) بعد الحرب العربية الإسرائيلية الثانية في العام 1967، ولأنهم انتقلوا من منطقة إلى أخرى، داخل الدولة الواحدة، فقد أطلقت عليهم تسمية النازحين، تمييزاً لهم عن اللاجئين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم إلى دولة أخرى. وهناك من جهة ثالثة، فئة اللاجئين/ النازحين، وهي التسمية التي تطلق على فئة من الفلسطينيين تعرّضت للتهجير مرتين، الأولى في عام 1948 حين اضطرت للهجرة من مناطق 48 إلى الضفة الغربية، والثانية في العام 1967 حين اضطرت لمغادرة الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية. وهناك، من جهة رابعة، اللاجئون من أبناء غزة، الذين وجدوا أنفسهم مضطرّين لمغادرة القطاع تحت ضغط الحروب المتعاقبة (خصوصاً حرب 1967) والاستقرار في الأردن. لا يتمتعون بالتابعية الأردنية، ولم يحملوا الجنسية الأردنية يوماً، يقدر عددهم بحوالى 250 ـ 300 ألف نسمة. وفي الأردن عشرة مخيمات للاجئين الفلسطينيين، أربعة منها تأسست بعد حرب عام 1948، وستة منها بعد 1968، وكان الفلسطينيون
بقي الأردن، طوال العقود الماضية، حريصا على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وفي مواجهة حملات التخوف من أي حل لقضية اللاجئين يعني ضمنا العبث بهوية الدولة من خلال توطين الفلسطينيين، وتحويل البلاد إلى وطن بديل. وكانت خيارات الدولة الأردنية وخطابها تؤكد على ضرورة حل الدولتين، بوصفه أساساً لمعالجة مشكلات الديموغرافيا في الأردن عبر طرح خيار الفدرالية أو الكونفدرالية مع الدولة الفلسطينية الموعودة، غير أن خطة السلام الأميركية تلك لم تؤسّس فقط لمسار توطين الفلسطينيين، بل تجاوزت ذلك لمنع التواصل الجغرافي الأردني الفلسطيني من خلال ضم غور الأردن لإسرائيل، وهو ما يعني أيضا ضمان عدم التواصل الجغرافي مع الضفة الغربية.
في ظل مسار الخطة الأميركية والتطبيع أولا والذي وضعته إسرائيل شرطا مسبقا للسلام، في ردّها على مبادرة السلام العربية المعلنة في بيروت العام 2002، والتي كانت تضع السلام أساسا للتطبيع، يجد الأردن اليوم نفسه أمام لحظة فارقة في تاريخه الحديث، تحتاج بموجبها العلاقة الأردنية الفلسطينية إلى مراجعة وتصويب لمجمل العثرات والتباينات التي حكمت مسارها منذ مؤتمر أريحا في 1950.
وقد مرّت العلاقة الأردنية الفلسطينية، طوال العقود الماضية، بجملة من التحولات والتحديات، إضافة إلى التحولات التي طاولت علاقات الأردنيين في ما بينهم، وكذلك علاقة الفلسطينيين، ومع تنامي التهديد الخارجي اليوم المتمثل في "صفقة القرن"، وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وتنامي المشاعر القُطرية وتعاظمها، خصوصا ما بعد الربيع العربي الذي كشف هشاشة تلك المجتمعات، يمكن القول إن الأردن اليوم في حاجةٍ إلى مقاربة وطنية داخلية، تعي تعريف شكل العلاقة الأردنية الفلسطينية، ما يمكّن البلاد من دفع المخاطر التي تواجهها خارجيا وداخلياً.
مقالات أخرى
30 أكتوبر 2020
31 اغسطس 2020
13 اغسطس 2020