في عام 1984، كانت بداية الأخوين إيثان وجويل كوين السينمائية، حيث عملا على فيلم بسيط من الناحية الإنتاجية يسمى Blood Simple. ولكن من ناحية القيمة، كان عملاً فنيّاً عملاقاً، وهو فيلم جريمة (New-Noir) محكمٌ تماماً، كلّ شيء محسوب بدقة، اللقطات والألوان والتكوين، حتى التوتر الذي سيشعر به المشاهد، كان محسوباً.
بعدها بثلاثة أعوام، كان العمل الثاني للأخوين، حيث أصدرا فيلماً كوميديًا صريحاً يدعى Raising Arizona. من الصعب التصور، أن صانعي الفيلم الأول هم أنفسهم صانعو الفيلم الثاني.
الدهشة وصلت إلى قمّتها مع الفيلمين الثالث والرابع. Miller’s Crossing عام 1990، والذي يقدّمانه كفيلم عصابات عن العمليات المنظمة والرجال الخطرين والتورط في حروبهم ومفاهيمهم الخاصة عن الولاء والخيانة والأصدقاء. بعد ذلك جاء فيلم Barton Fink عام 1991، وهو فيلم أقرب للسريالية، ويتناولان فيه الكتابة والسينما وهجاء هوليوود والأزمات الإبداعية في قالب ما بعد حداثي، ويقومان فيه بتكسير السرد، والتلاعب بالحبكة السينمائية.
تنقل بين مدارس سينمائية
في أربعة أفلام فقط، تنقّل "الكوينز" بين أكثر القوالب الفنية تعارضاً. وفي كلّ مرة، كانا يقدمان عملاً مهماً في سياقه التصنيفي، بمعنى أن Raising Arizona، هو واحد من أهم الأفلام الكوميدية. وصار الأخوان اللذان يكتبان ويخرجان معاً، من أهم صناع السينما في العالم، خصوصاً بعد فوزهما بالسعفة الذهبية، وجائزة أفضل مخرج من مهرجان "كان" السينمائي عن Barton Fink في 1991.
وخلال الـ 25 عاماً التي تلت ذلك، لم يتوقّفَ الأخوان عن التجريب واللعب، إذْ لا يوجد قالبٌ يحكم أفلامهما، إلا فكرة دائمة عن العبث، عبث الجريمة وعبث الحياة المتلاعبة، ذلك هو الشيء الوحيد الذي يؤمِنان به، ولكن دون قالب سينمائي، أو تصنيف فيلمي محدد. فهما يتحرَّكان بين كل القوالب وأشكال الكلام، ويتعاملان مع السينما كلعبةٍ، أو، في أحسن الأحوال، كساحة مُتَّسعة ومفتوحة للتجريب. لذلك، فقد استمرّا في التنقّل والترحال، من الكوميديا الفانتازية في The Hudsucker Proxy عام 1994، إلى فيلمهما العظيم Fargo عام 1996 كجريمة في المدن الصغيرة، ثم الـNoir الصريح، بالأبيض والأسود، في The Man Who Wasn't There عام 2001. قبل الانقلاب العنيف مرّة أخرى نحو الجريمة والإثارة شبه الصامتة في قالب دموي مع No Country for Old Men عام 2007، والذي فازا به بأوسكار أفضل إخراج وسيناريو وفيلم. لذلك، فبعد الدراما الهادئة والحزينة في Inside Llewyn Davis عام 2013، التي تتحدَّث عن إحباطات مغنّ صغير في أميركا مطلع الستينيات، يأتي فيلمهما الجديد Hail, Caesar!، الذي افُتتِح به مهرجان برلين السينمائي الذي يقام حالياً، كفيلم كوميدي وغرائبي، ويحمل هجاءاً صريحاً لهوليوود، وسخرية حتى من أيامها الجميلة في الخمسينيات.
إقرأ أيضاً:جوائز الأوسكار 2014: هؤلاء هم الفائزون
فيلم "Hail, Ceasar!": في هجاء الهوليوود
طوال مسيرتهما التي تجاوزت الثلاثة عقود حتى الآن، دائماً ما سخر الأخوان إيثان وجويل كوين، من آلية الصناعة الضخمة للفن. تلك فكرةٌ حاضرةٌ في أكثر من عمل، أبرزها بالطبع Barton Fink عام 1991، والذي يدور حول كاتب سيناريو يحاول إنهاء عمل لصالح استوديو الإنتاج في هوليوود. وفي سياق ذلك، يشن "الكوينز" هجاءً مبطناً على آلة الصناعة، التي ليس فقط لا تخدم الفن، ولكنها تعمل ضده أيضاً، بتسطيحه ووضعه في خدمة السوق.
فيلم Barton Fink، يصلح كثيراً كمدخل للحديث عن فيلمهما الجديد Hail, Ceasar، الذي افتتح الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي الدولي الشهير. الفيلم الجديد يدور في يوم واحد ممتلئ بالأحداث داخل استوديو سينمائي في هوليوود. "الكوينز" يكرهون آلة هوليوود الصناعية، كما هو واضح ومعروف. وفي هذا الإطار يمكن فهم دافعهما في هذا الفيلم، الذي هو سخرية من أكثر العصور إشراقاً في ذاكرة هوليوود، ومن الوقت الذي أطلق عليه اسم: "العصر الذهبي للسينما". يتناول "الكوينز" في فيلمهما، هذا العصر بالكثير من السخرية، ويستعرضان رؤيتهما الخاصة لما كان يحدث آنذاك، كأن يُفرَض ممثّل على مخرج كبير ومهم، فقط لأنّه ناجح في مهارات الفروسيّة!. أو أن يتم صناعة نجمة سينمائيّة، فقط لأنها شقراء. كما ألقيا الضوء على مجموعة من الكتّاب الذين أنشؤوا تجمّعاً معاديًا لهوليوود. ويسخر الفيلم، أيضًا، من الصحافة الفنيّة التي كانت شائعة آنذاك، والتي تدّعي الجديّة النقديّة والفنيّة السينمائيّة، ولكنّها أبعد ما تكون عن ذلك.
سخرية غير مترابطة
تسير حكاية الفيلم بخفَّةٍ، المشاهد مكتوبة كالعادة كحوار عبثي تكمن فيه كلّ السخرية. ولكن هناك مشكلة لـ "الكوينز" في هذا العمل، أعاقته بشدة، ومنعَته من أن يكون واحدا من أعمالهما الكبرى، وهي أن خيوط الفيلم غير مترابطة، وفيها شيء من الفوضى، للدرجة التي تجعلك قادراً على حذف شخصيات كاملة، مثل شخصية سكارليت جوهانسون مثلاً، دون أن يتأثر شيء في بناء السيناريو، الأمر الذي جعل الشخصيات أقرب لـ "اسكتشات". نتحرَّك أحياناً دون رابط بين أماكن التصوير في الاستوديو، فقط لأن هنالك شيئاً قابلاً لأن يُسْخَر منه، مما يجعلنا غير قابلين للتورط، أو متابعة حكاية واحدة أو شخصية محددة. ولاحقاً، سنفقد اهتمامنا أحياناً ببعض مما يحدث، لأن الهدف الساخر سيكون مسيطرًا على كل شيء. فيبدو الفيلم، على عكس عادة الكوينز، وكأنه غير مترابط تماماً. قد لا يكون Hail Ceasar فيلماً للجميع، وسيستمتع به أكثر محبي "الكوينز" وسيلتقطون حس السخرية اللاذع الموجود في كل مشهد، ولكنهم، على الأغلب، لن يعدّوه أبداً ضمن صفوة أفلامهما.
إقرأ أيضاً:ثاني أيام "كان".. حضور وودي آلان والهولوكوست
الدهشة وصلت إلى قمّتها مع الفيلمين الثالث والرابع. Miller’s Crossing عام 1990، والذي يقدّمانه كفيلم عصابات عن العمليات المنظمة والرجال الخطرين والتورط في حروبهم ومفاهيمهم الخاصة عن الولاء والخيانة والأصدقاء. بعد ذلك جاء فيلم Barton Fink عام 1991، وهو فيلم أقرب للسريالية، ويتناولان فيه الكتابة والسينما وهجاء هوليوود والأزمات الإبداعية في قالب ما بعد حداثي، ويقومان فيه بتكسير السرد، والتلاعب بالحبكة السينمائية.
تنقل بين مدارس سينمائية
في أربعة أفلام فقط، تنقّل "الكوينز" بين أكثر القوالب الفنية تعارضاً. وفي كلّ مرة، كانا يقدمان عملاً مهماً في سياقه التصنيفي، بمعنى أن Raising Arizona، هو واحد من أهم الأفلام الكوميدية. وصار الأخوان اللذان يكتبان ويخرجان معاً، من أهم صناع السينما في العالم، خصوصاً بعد فوزهما بالسعفة الذهبية، وجائزة أفضل مخرج من مهرجان "كان" السينمائي عن Barton Fink في 1991.
وخلال الـ 25 عاماً التي تلت ذلك، لم يتوقّفَ الأخوان عن التجريب واللعب، إذْ لا يوجد قالبٌ يحكم أفلامهما، إلا فكرة دائمة عن العبث، عبث الجريمة وعبث الحياة المتلاعبة، ذلك هو الشيء الوحيد الذي يؤمِنان به، ولكن دون قالب سينمائي، أو تصنيف فيلمي محدد. فهما يتحرَّكان بين كل القوالب وأشكال الكلام، ويتعاملان مع السينما كلعبةٍ، أو، في أحسن الأحوال، كساحة مُتَّسعة ومفتوحة للتجريب. لذلك، فقد استمرّا في التنقّل والترحال، من الكوميديا الفانتازية في The Hudsucker Proxy عام 1994، إلى فيلمهما العظيم Fargo عام 1996 كجريمة في المدن الصغيرة، ثم الـNoir الصريح، بالأبيض والأسود، في The Man Who Wasn't There عام 2001. قبل الانقلاب العنيف مرّة أخرى نحو الجريمة والإثارة شبه الصامتة في قالب دموي مع No Country for Old Men عام 2007، والذي فازا به بأوسكار أفضل إخراج وسيناريو وفيلم. لذلك، فبعد الدراما الهادئة والحزينة في Inside Llewyn Davis عام 2013، التي تتحدَّث عن إحباطات مغنّ صغير في أميركا مطلع الستينيات، يأتي فيلمهما الجديد Hail, Caesar!، الذي افُتتِح به مهرجان برلين السينمائي الذي يقام حالياً، كفيلم كوميدي وغرائبي، ويحمل هجاءاً صريحاً لهوليوود، وسخرية حتى من أيامها الجميلة في الخمسينيات.
إقرأ أيضاً:جوائز الأوسكار 2014: هؤلاء هم الفائزون
فيلم "Hail, Ceasar!": في هجاء الهوليوود
طوال مسيرتهما التي تجاوزت الثلاثة عقود حتى الآن، دائماً ما سخر الأخوان إيثان وجويل كوين، من آلية الصناعة الضخمة للفن. تلك فكرةٌ حاضرةٌ في أكثر من عمل، أبرزها بالطبع Barton Fink عام 1991، والذي يدور حول كاتب سيناريو يحاول إنهاء عمل لصالح استوديو الإنتاج في هوليوود. وفي سياق ذلك، يشن "الكوينز" هجاءً مبطناً على آلة الصناعة، التي ليس فقط لا تخدم الفن، ولكنها تعمل ضده أيضاً، بتسطيحه ووضعه في خدمة السوق.
فيلم Barton Fink، يصلح كثيراً كمدخل للحديث عن فيلمهما الجديد Hail, Ceasar، الذي افتتح الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي الدولي الشهير. الفيلم الجديد يدور في يوم واحد ممتلئ بالأحداث داخل استوديو سينمائي في هوليوود. "الكوينز" يكرهون آلة هوليوود الصناعية، كما هو واضح ومعروف. وفي هذا الإطار يمكن فهم دافعهما في هذا الفيلم، الذي هو سخرية من أكثر العصور إشراقاً في ذاكرة هوليوود، ومن الوقت الذي أطلق عليه اسم: "العصر الذهبي للسينما". يتناول "الكوينز" في فيلمهما، هذا العصر بالكثير من السخرية، ويستعرضان رؤيتهما الخاصة لما كان يحدث آنذاك، كأن يُفرَض ممثّل على مخرج كبير ومهم، فقط لأنّه ناجح في مهارات الفروسيّة!. أو أن يتم صناعة نجمة سينمائيّة، فقط لأنها شقراء. كما ألقيا الضوء على مجموعة من الكتّاب الذين أنشؤوا تجمّعاً معاديًا لهوليوود. ويسخر الفيلم، أيضًا، من الصحافة الفنيّة التي كانت شائعة آنذاك، والتي تدّعي الجديّة النقديّة والفنيّة السينمائيّة، ولكنّها أبعد ما تكون عن ذلك.
سخرية غير مترابطة
تسير حكاية الفيلم بخفَّةٍ، المشاهد مكتوبة كالعادة كحوار عبثي تكمن فيه كلّ السخرية. ولكن هناك مشكلة لـ "الكوينز" في هذا العمل، أعاقته بشدة، ومنعَته من أن يكون واحدا من أعمالهما الكبرى، وهي أن خيوط الفيلم غير مترابطة، وفيها شيء من الفوضى، للدرجة التي تجعلك قادراً على حذف شخصيات كاملة، مثل شخصية سكارليت جوهانسون مثلاً، دون أن يتأثر شيء في بناء السيناريو، الأمر الذي جعل الشخصيات أقرب لـ "اسكتشات". نتحرَّك أحياناً دون رابط بين أماكن التصوير في الاستوديو، فقط لأن هنالك شيئاً قابلاً لأن يُسْخَر منه، مما يجعلنا غير قابلين للتورط، أو متابعة حكاية واحدة أو شخصية محددة. ولاحقاً، سنفقد اهتمامنا أحياناً ببعض مما يحدث، لأن الهدف الساخر سيكون مسيطرًا على كل شيء. فيبدو الفيلم، على عكس عادة الكوينز، وكأنه غير مترابط تماماً. قد لا يكون Hail Ceasar فيلماً للجميع، وسيستمتع به أكثر محبي "الكوينز" وسيلتقطون حس السخرية اللاذع الموجود في كل مشهد، ولكنهم، على الأغلب، لن يعدّوه أبداً ضمن صفوة أفلامهما.
إقرأ أيضاً:ثاني أيام "كان".. حضور وودي آلان والهولوكوست