الأحزاب اليمنية: أصنام جديدة من أحجار الديكتاتورية

18 نوفمبر 2016
(في شوارع صنعاء، تصوير: محمد هويس)
+ الخط -
تُعتبر الديمقراطية مرتكزًا أساسيًا لتطوّر الشعوب وتقدّمها وحضارتها، وعنصرًا مهمًا لتمكين الشباب من ممارسة نشاطهم السياسي والحزبي والوصول إلى مواقع مهمّة في مؤسّسات صناعة القرار، سواءً في إطار مؤسّسات الدولة، أو في إطار المؤسّسات الحزبية بمختلف أشكالها وانتماءاتها السياسية، ولكن في حال غيابها، سيجد الشباب أنفسهم في مرمى التجاهل والغياب والتهميش، وهذا ما يحصل في اليمن اليوم؛ حيث يواجه الشباب المتحزّب اليوم غياب الديمقراطية داخل الأحزاب التي ينتمون إليها، وينشطون تحت لوائها.

لا شك أن الشباب اليمني كان هو المحرّك الأساسي للثورة اليمنية، التي اندلعت في وجه نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتحت مسميّات، ومطالب شعبية كثيرة، أبرزها المطالبة بنظام ديمقراطي عادل، يكفل الحقوق السياسية والاجتماعية على حدٍ سواء.

تصدّر الشباب اليمني المتعطّش للديمقراطية، واجهة الحراك الشعبي وسارت خلفه أحزاب المعارضة، ووجد نفسه أمام تقديم تضحيات لإسقاط نظام صالح، الذي كرّس نظام حكم عائلي على مدار ثلاث وثلاثين سنة، حارب خلاله كل أشكال العمل السياسي والديمقراطي الحرّ. فسقط المئات بين قتلى وجرحى أثناء التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التي كانت تجوب شوارع المدن اليمنية.


صراعات العصور الجاهلية
بعد هذه التجربة السياسية، توقّع الشباب أن تتخلّى الأحزاب السياسية عن ممارساتها الإقصائية، من ممارسة حقهم السياسي والحزبي، واعتقد كثيرون أن ثورة فبراير/ شباط، كافية لتمكينهم من الوصول إلى أماكن صناعة القرار.

حاولنا أن نقترب من هذه الإشكالية، من خلال آراء بعض الناشطين السياسيين، لمعرفة ما يدور داخل أروقة الأحزاب، حيث يعترف الناشط السياسي وعضو الحزب الاشتراكي اليمني همدان الحقب، أحد أبرز الشباب الفاعلين في ثورة 2011، أن هذه الأحزاب شمولية ولا تسمح بالعمل الديمقراطي، وغالبًّا ما تحسم انتخابات القيادة خلف الكواليس، مضيفًا أن مشكلة هذه الأحزاب في قياداتها "العجوزة"، المشغولة بصراعات وانتكاسات الماضي.

ويعلّق الحقب في حديث إلى "جيل": "تتعامل هذه الأحزاب مع الشباب، كأدوات لتحقيق مكاسب لا ترقى إلى مستوى طموحاتهم في التغيير، وبالرغم من فاعلية الشباب في ثورة فبراير، إلا أنها أزاحتهم من المشهد السياسي، ولم تسمح لهم بأن يكونوا جزءاً من قيادته".

ويشير المتحدّث، إلى جهود شبابية كبيرة تتم في طريق البدء في تشكيل أطر توحّد جهود الشباب كخطوة في طريق تأسيسهم، لأحزاب ذات طابع ديمقراطي وليبرالي تتجاوز مشكلة التقوقع الإيديولوجي، وأحزاب ذات طابع ليبرالي تستطيع أن تنهض باحتياجات الشعب وأن تتفاعل مع روح العصر الذي لا تحكمه الإيديولوجيا، فالأحزاب الحالية بحسب الحقب، لم تستطع أن تغيّر ذهنية الشعوب، بحيث تعي أن الصراع يتعلّق بالحاجة لبناء دولة عصرية، "لقد اكتشفنا أننا نثور لنسقط الأنظمة الفاسدة، ولكن بعد سقوطها نتفاجأ بظهور مليشيات إرهابية، وهذا دليل على الأداء الباهت للأحزاب في تغيير ذهنية الجماهير، وسيثور الشباب قريبًا داخل هذه الأحزاب، لصناعة ثورة أخرى نحن بحاجة إليها".


قيادة على المقاس
من جهته، يرى فخر العزب عضو اللجنة المركزية لحزب "التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري"، أن إشكالية الديمقراطية في الأحزاب اليمنية، متجذّرة في الثقافة العامة لهذه الأحزاب نتيجة لعدد من الأسباب التي تعتبر اجتماعية، وثقافية، وفكرية، فهناك حسبه؛ أحزاب سياسية لا يزال لها وجهة نظر معادية للديمقراطية، كما أن إيديولوجية هذه الأحزاب لها نظرة أخرى لمفهوم القيادة، تحدّد على أساسها شروطًا على المقاس، لا تنطبق إلا على قلّة من الأعضاء.

ويتابع العزب أن هناك مفاهيمَ اجتماعية مثل "ثقافة الأبوة"، لها تأثيرها في عدم صعود الشباب للمواقع القيادية، لأنهم يمنعون ترشّح الشباب أمام كبار السن الممثلين في الشيوخ أو القيادات التاريخية، مضيفًا أن هناك إشكالية أخرى تتعلّق بالهيكل التنظيمي في بعض الأحزاب، وآلية عقد المؤتمرات التنظيمية، حيث أن بعض الأحزاب يتمّ الترشيح فيها من قمة هرم القيادة، وصولًا إلى القاعدة وفقًا لمبدأ التزكية المنافي لحرية الاختيار على حدّ قوله.

يُجمع كثير من الشباب المتحزّب في اليمن، على أن أغلبية الأحزاب، أصبحت غير فاعلة وانخرطت "قياداتها السياسية الهرمة"، في صراعات الماضي، ولهذا تبدو منشغلة بتطوّرات الصراعات والأحقاد، ولهذا صار أمام الشباب الآن العمل على مواجهة هذه الإشكالية بطرقهم السياسية الخاصّة.


دكاكين السياسة
عضو حزب التجمّع الوحدوي اليمني، عبد الهادي العزعزي يقول في هذا السياق: "أعتقد لو طبقنا الديمقراطية في اليمن على أصولها، فإن الأغلبية الساحقة لهذه الأحزاب سوف تتوقف عن العمل، أو تُسحب منها التراخيص لمزاولة العمل الحزبي، وسوف تتعرّض قيادتها للمحاكمة؛ والسبب أنها تمارس التحريض على العنف، وتهدّد السلم الاجتماعي، بالاستثمار في القبلية والعصبية، ونحن أساسًا مجتمع نتجه نحو الديمقراطية ولسنا بلدًا ديمقراطيًا، وجميع أحزابه قائمة على الإيديولوجيا والتمييز".

يشار إلى أن نسبة تمثيل الشباب اليمني، سجلت ارتفاعًا في مؤتمر الحوار الوطني، وكان لهم دورٌ فاعل في هذه التجربة المهمة في تاريخ اليمن، كما تم تمثيلهم ولو بنسبة ضئيلة في بعض مؤسسات الدولة، وأصبحت لهم اليوم منابر إعلامية في الإذاعات، والقنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية، وحديثهم اليوم، يدور حول مشروع اليمن الكبير الذي يقوم على التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية.

يتحدّث شباب اليمن اليوم، عن صناعة بلد جديد، لن تتمكّن الأحزاب الراهنة من ممارسة الوصاية عليه، وتراهن شريحة كبيرة من الشعب اليمني على قدرته في إحداث التغيير، وتقف إلى جانبه مساندة لرأيه وداعمة لمواقفه.

المساهمون