تُظهر صورة كاريكاتوريّة، نشرتها صحيفة "ليبراسيون" الفرنسيّة، قبل أيّام، الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وهو يُغيّر اسم حزبه "التجمّع من أجل حركة شعبيّة"، إلى حزب "الجبهة الوطنيّة"، فيما تقوم زعيمة "الجبهة الوطنيّة"، مارين لوبين، بتغيير اسم حزبها إلى "التجمّع من أجل حركة شعبيّة"، وكأنّ مجرّد تغيير اسم الحزب السياسي، كفيلٌ بإحداث معجزة انتخابيّة.
ليس تغيير أسماء الأحزاب، عادة فرنسيّة جديدة، وغالباً ما يكون الغرض منها الالتفاف حول الناخب ومحاولة إقناعه بأن شيئاً ما قد تغيّر، إن في خطّ الحزب، أو في أخلاقيّات ساسته، أو في اتّساع تحالفاته، أو في اقترابه من الوصول إلى السلطة، وهو هدف كل حزب سياسي. وغالباً ما مسّت هذه الظاهرة في فرنسا، أحزاب اليمين أكثر من اليسار.
في الواقع، وُلد حزب "الاتّحاد من أجل حركة شعبيّة"، الذي ساهم في تأسيسه رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران، والرئيسان السابقان جاك شيراك، وساركوزي الذي وصل من خلاله إلى قصر الإليزيه، نتيجة انصهار حزبين يمينيين، هما "التجمّع من أجل الجمهورية"، وكان يُدعى سابقاً "اتحاد الديمقراطيين من أجل الجمهوريّة"، وتعود بداياته الأولى إلى "تجمّع الشعب الفرنسي"، مع "الاتّحاد من أجل الديمقراطيّة الفرنسيّة". والأخير نجم بدوره عن انصهار كلّ من الحزب الراديكالي والحزب الجمهوري والوسط الديمقراطي الاجتماعي.
ويسعى ساركوزي في محاولته الأخيرة، ليظهر أنّ حزبه الحالي لم يعد يكفيه، لأسباب كثيرة، منها أنه بات بنظر الكثير من الفرنسيين، حزباً للإثراء السريع غير المشروع والفضائح الماليّة والصراعات القاتلة بين قيادييه، وكشف الغسيل القذر أمام الفرنسيين. وكأنّ ساركوزي يحاول أن يقول بطريقة ما إنه بات أكبر من الحزب.
من جهتها، لا تمانع لوبين، وهي تحاول جاهدة أن تحدث قطيعة مع تراث أبيها، ومع تصريحاته التي أصبحت ملازمة للحزب، في تغيير تسمية الأخير. باتت تهمة "معاداة السامية" لصيقة بحزبها، وهو ما يدفع الكثير من الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة في البرلمان الأوروبي، التي تشاطر حزب "الجبهة الوطنيّة" مواقفه من الاتّحاد الأوروبي وغيرته على السيادة الوطنيّة، إلى أن تأخذ على حزبها نزعته المعادية للسامية، وهو ما يحرمه عملياً من إنشاء مجموعة برلمانيّة مستقلة، ويعني بالتالي خسارته لكثير من الأموال.
وبما أنّ تغيير اسم الحزب يستلزم تغييراً في بعض توجّهاته، فإنّ ساركوزي مستعد لذلك، ولعلّ خطاباته الأخيرة عن "الخطر الإسلاموي" في فرنسا وأوروبا، مؤشر على ما سيذهب إليه، في حال فوزه الانتخابي، ما يعني أن ساركوزي سيحاول جذب أصوات اليمين المتطرّف إذا وجدها.
من جهتها، لم تتأخر لوبين في إحداث "قطيعة" مع سياسات أبيها، بتوجيهها أخيراً، الكثير من الرسائل المُطَمْئنة لممثلي الطائفة اليهوديّة في فرنسا ولإسرائيل. وانتقلت من القول إلى الفعل، فزارت سفارة إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركيّة، وأجرت زيارة خاصة لإسرائيل، عدا عن إعلانها الانحياز للأخيرة أثناء عدوانها الأخير على قطاع غزّة، وإدانتها لما رأت فيه "أعمالاً معادية للسامية"، في وقت كان والدها فيه يسخر من قيام إسرائيل، إحدى أكبر جيوش العالم، بسحق شعب أعزل.
يبدو إذاً، أنّ التغيير موجود، ولا تمانع لوبين في حكومة تعايش مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في حال فوزها بالانتخابات البرلمانيّة. ولم تتردّد في الانتقال من الدفاع الشرس عن "الأسبقيّة للفرنسيين" إلى "الأسبقيّة للأوروبيين"، ملقية بالعرب والأفارقة والآسيويين إلى الخارج.
ماذا عن اليسار؟
وإذا كان هناك من ميزة كبرى لليسار الفرنسي، خصوصاً الشيوعيين، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فهي رفضهم لتغيير اسم الحزب، على عكس ما فعلته الكثير من الأحزاب الشيوعيّة الأوروبيّة، وعلى رأسها الحزب الشيوعي الإيطالي، وهو الحزب الشيوعي الغربي الأكبر. وجاءت النتائج عكس ما تصوّره هذا الحزب، إذ أدار اليمين الإيطالي السلطة خلال فترة طويلة، واضطر الشيوعيون السابقون إلى الدخول في تحالفات سياسيّة لم يتفهمها الناخب اليساري الإيطالي، بشكل واضح.
ولا يزال الشيوعيون الفرنسيون يرفضون أي تغيير لاسم حزبهم، على الرغم من الحالة المأساويّة التي يعيشونها، إذ انتقلوا من فترة كانوا يمثّلون فيها 25 في المائة من الناخبين الفرنسيين، إلى 5 في المائة أو أقل، في الوقت الحالي.
في المقابل، تظهر الرغبة في تغيير الاسم واضحة عند الاشتراكيين، وخصوصاً رئيس الحكومة مانويل فالس، الذي يكافح، من دون فائدة حتى الساعة، ليُظهر ثمرات سياسته، والتي جاءت معدّلات البطالة القياسيّة (ثلاثة ملايين و342 ألف عاطل عن العمل في فرنسا في شهر سبتمبر/أيلول 2014) لتكذّب توقّعاته.
ولم يتأخّر فالس، الاجتماعي الليبرالي في الحزب الاشتراكي، والمعجب جداً برئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي في طريقة إدارته المستبدّة للسلطة وخطابه الليبرالي وصراحته البعيدة عن كلّ البروتوكلات الدبلوماسيّة، في شنّ هجوم قاسٍ على يساريي حزبه، واصفاً إياهم بممثلي "يسار ماضٍ يرفض التجدّد".
ويعيد فالس إلى النقاش فكرته القديمة حول ضرورة تغيير اسم الحزب الاشتراكي، حتى يتسنّى له التحالف مع أحزاب الوسط، وخصوصاً مع فرنسوا بايرو، الذي صوَّت في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة لصالح هولاند. وقد تسبّب إثارته النقاش حول هذه الفكرة، بردود فعل غاضبة وعنيفة، قد تجعل مستقبل الحزب كلّه في وضعيّة لا يُحسد عليها.
وفي موازاة رفض معظم الشيوعيين تغيير اسم حزبهم وشعاره، يميل معظم الاشتراكيين لذلك أيضاً، في وقت يفضّل فيه مناصرو اليمين واليمين المتطرّف، الاحتفاظ بأسماء أحزابهم في هذه الفترة.
ويشير استطلاع للرأي، أجرته وكالة "إيفوب" لصالح صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، يوم الأحد الماضي، إلى أنّ غالبية الفرنسيين يخالفون رغبة زعاماتهم السياسية في تغيير أسماء الأحزاب. بالنسبة للحزب الاشتراكي، يرفض 50 في المائة الفكرة، ولا يقبلها سوى 14 في المائة، في حين لا تحظى رغبة ساركوزي بتغيير اسم حزبه، إلا بقبول 21 في المائة ويرفضها 37 في المائة. ويعلن 46 في المائة من المتعاطفين مع حزب "الجبهة الوطنيّة"، رفضهم تغيير اسم الحزب، في حين يؤيّدها 30 في المائة.
ويؤكّد هذا الرفض الشعبي للفكرة، أنّه بات من المُلحّ والعاجل على الساسة الفرنسيين، أن يغيروا طرق ممارستهم للسياسة. فالنفور من السياسة وأهلها في فرنسا، لا يترجمه الامتناع الواسع عن التصويت فحسب، بل يعكسه عجز الحزبين الكبيرين، اليميني واليساري، للمرّة الأولى في تاريخ فرنسا السياسيّة، عن الحصول على نسبة 30 في المائة من أصوات الناخب الفرنسي، في وقت يواصل فيه الحزب اليميني المتطرف، الذي بات الحزب الأكبر بعد الانتخابات الأخيرة، قضم أصوات الناخبين التائهين، بعناد وإصرار كبيرين.