يجلس العتيبي على أريكة في قاعة للتداول بمصرف الاستثمار "فالكم" يتابع شاشة تعرض السباق المحموم لأسعار الأسهم، في جلسة يوم شديد الحرارة، وتبحث عيناه عن شيء واحد فقط، هو طلبات الشراء أو البيع القوية ليروي ظمأه لتحقيق مكاسب سريعة.
لكنه لا يجد ضالته في الأسهم القيادية في السوق كأسهم المصارف والبتروكيماويات، كونها ضعيفة التذبذب، ولا توفر له الربح المأمول، فيركز على أسهم أخرى رخيصة في قطاعات مثل الإسمنت والزراعة والعقارات.
يقول العتيبي "أنا أشتغل فوري... يومان.. ثلاثة.. أسبوع أو 15 يوما... أراقب حركة السوق ولما أشوف طلبات كثيرة على السهم أدخل فيه، ولو حقق معي شيء اطلع".
وتابع "أنا أخدها مهنة أو عمل بدل ما أجلس في بيتي آجي هنا، استثمر أكسب لي 200 ريال 400 أو 500.. تجيب اللي تجيبه وامشي، خاصة أن رأسمالي القديم راح من 2006 والعوض على الله".
وتعني نشاطات العتيبي ومثله من آلاف المستثمرين في سوق الأسهم السعودية، أن على المستثمرين الأجانب التكيف مع ما يبدو صراعا بين الثقافات الاستثمارية عند دخول البورصة في النصف الأول من 2015 بموجب خطة أعلنتها هيئة السوق المالية الشهر الماضي.
وسوق الأسهم السعودية، التي تتجاوز قيمتها السوقية 580 مليار دولار، أحدث الأسواق الكبرى، التي تعلن خططا لدخول الأجانب، وهو ما يجذب اهتمام العديد من مديري المحافظ في العالم، لكنهم سيواجهون مناخا غير معتاد للتداول، وربما يكون التأقلم معه أمرا صعبا.
وبحسب تقرير لهيئة السوق المالية، صدر في مارس/آذار الماضي، بلغ عدد المستثمرين الأفراد في السوق 4.3 مليون مستثمر بنهاية 2013، وبلغت قيمة حيازاتهم من الأسهم نحو 608 مليارات ريال (162.1 مليار دولار).
وبلغ عدد المحافظ الاستثمارية للأفراد 7.75 مليون محفظة، وهو ما يشير إلى امتلاك الكثير من الأفراد لأكثر من محفظة واحدة.
ورغم أن ملكية الأفراد لا تتجاوز 35 في المائة، من إجمالي الملكية في السوق، فإنهم يسيطرون على أكثر من 90 في المائة من قيم التداول اليومية.
وفي الأسواق الناشئة الأخرى، يسيطر الأفراد على نحو ثلثي أو نصف قيم التداول اليومية، فيما تقل تلك النسبة كثيرا في الأسواق المتطورة، وهو ما يعكس التطور البطيء لنشاط إدارة الصناديق في المملكة.
استثمار قصير الأجل
وبخلاف المؤسسات الاستثمارية، يميل المستثمرون الأفراد من أمثال العتيبي إلى الاستثمار قصير الأجل بحثا عن المكسب السريع، فيتخلون عن الأسهم عندما تظهر عليها بوادر الضعف، ويتخذون قراراتهم الاستثمارية بناء على عناوين الأخبار والشائعات وحركة الأسعار، وليس بناء على التقييم طويل الأجل الذي يفضله مديرو الصناديق.
وحتى الأفراد الذين يتبنون خطط الاستثمار طويل الأجل، لا تخلو محافظهم من أسهم المضاربة.
ويقول ناصر الخميسي، وهو موظف حكومي "أركز على الشركات التي فيها نمو مثل التجزئة وشركات الرعاية الصحية والإنشاءات، لكن لا بد من الاستثمار في البتروكيماويات، لأنها شيء مهم للاستثمار طويل الأجل".
وأضاف الخميسي:" أقسّم المحفظة إلى ثلاثة أقسام، استثمار طويل الأجل، ومضاربة سريعة ليوم واحد، ومضاربة لمدة تتراوح بين 15 و20 يوما".
قد تشكل أنماط الاستثمار، تلك مخاطر أمام المستثمرين الأجانب، أولها سعي بعض المستثمرين المحليين لرفع أسعار الأسهم لمستويات غير قابلة للاستدامة خلال الأشهر القليلة المقبلة، ترقبا لدخول المال الأجنبي، وهو ما قد يحد من الربحية التي ترغبها الصناديق العالمية.
وهناك مخاطر أخرى تكمن في احتمال أن تختلف تقييمات الأسهم السعودية بشكل دائم عن المستويات، التي يعتقد الأجانب أنها مناسبة.
فابتعاد مستثمرين أفراد عن الأسهم القيادية، التي يفضلها المستثمرون الأجانب قد يعني انخفاض تقييماتها.
يقول علي الناصر، مدير صندوق هورايزون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة دويت جروب في دبي "الاستثمار في السوق قصير المدى والكثير من الناس يستثمرون على أساس أشياء ليس لها أي قيمة أساسية اقتصادية".
ويشير إلى أن 90 في المائة من المتعاملين في السوق ربما لا ينظرون لمدى أبعد من عام ونصف العام، فيما يتعلق بالأرباح المستقبلية للشركات، بينما تهتم المؤسسات بمدى أطول يصل إلى خمس سنوات أو أكثر.
ويضيف "إذا خفضت شركة توزيعاتها النقدية لتوفير سيولة لاستثمارها في فرصة واعدة، سيتخلص مستثمر الأجل القصير من السهم، فيما قد نرى نحن ذلك علامة إيجابية".
ويرى الناصر، أن الفجوة بين المفاهيم الاستثمارية للأفراد والشركات، ربما تنحسر على المدى الطويل، لكن الأمر قد يستغرق بضع سنوات.
أسعار مبالغ فيها
في الوقت الراهن لا يستطيع الأجانب شراء الأسهم السعودية، إلا من خلال اتفاقات مبادلة تنفذها مصارف استثمار عالمية أو عن طريق عدد صغير من صناديق المؤشرات وهو خيار مكلف.
وبحسب تقرير هيئة السوق المالية، بلغت ملكية المستثمرين الأجانب عبر اتفاقات المبادلة 1.24 في المائة من إجمالي ملكية المستثمرين في السوق بنهاية 2013.
وهناك فرص هائلة لارتفاع تلك النسبة مع فتح السوق للأجانب، لاسيما في حال إضافة السعودية لمؤشرات الأسواق العالمية كمؤشر "إم.إس.سي.آي".
ويقدر مديرو صناديق استثمار، أن تجذب البورصة سيولة تتجاوز 50 مليار دولار من الخارج خلال السنوات المقبلة.
لكن فرص الصفقات الجذابة قد تقل عند دخول الأجانب السوق، فقد قفز المؤشر السعودي بالفعل أكثر من ثمانية في المائة منذ إعلان خطط فتح السوق في 22 يوليو/تموز.
وقبل رفع تصنيف أسواق الإمارات وقطر إلى مرتبة الأسواق الناشئة على مؤشر "ام.إس.سي.آي" في مايو/أيار الماضي، شهدت أسعار الأسهم ارتفاعا كبيرا هناك، مع شراء قوي من المستثمرين المحليين، لكن سرعان ما هبطت الأسعار بعد رفع التصنيف وامتناع الأجانب عن الشراء بأسعار مبالغ فيها.
وقد يجعل عزوف المتعاملين الأفراد عن الأسهم القيادية، كأسهم البتروكيماويات والمصارف، أسعارها جذابة للأجانب، لكنه قد يؤدي لتراجع الأسعار على المدى الطويل.
ووفقا لبيانات تومسون رويترز قفز سهم سابك أربعة في المائة، منذ إعلان خطط فتح السوق للأجانب.
التكيف قد يكون صعبا
يقول محللون إن على المستثمرين الأجانب التكيف مع مصاعب قد يواجهونها، في سوق يحذو فيها كثير من المتعاملين الأفراد حذو بعضهم في قراراتهم الاستثمارية، وفق الموجة السائدة بالسوق، وهو ما يسبب تقلبات قوية، لاسيما في الأسهم الصغيرة.
ومن بين العقبات التي قد لا يتكيف معها المستثمر الأجنبي، الاستثمار وفقا لآراء علماء الدين، يسعى متعاملون لاستشارة العلماء قبل قرار الاستثمار في الشركات التي تطرح أسهمها في السوق.
وعلى مدى السنوات الماضية، أفتى علماء دين بارزون، منهم الشيخ محمد بن سعود العصيمي والشيخ عبد العزيز الفوزان بتحريم الاكتتاب في أسهم شركات كبرى، مثل المملكة القابضة المملوكة للملياردير الوليد بن طلال، وذلك بسبب أنشطتها في مجال الإعلام والسياحة، وشركة كيان للبتروكيماويات التابعة لسابك بسبب احتواء قوائمها المالية على "قروض ربوية".