اقطع تلك القبلة

07 ابريل 2014
+ الخط -

منذ يتفتّح وعي الفتاة العربية تعرف بالفطرة وبالتوعية، وأحياناً الترهيب، أنّ القبلة أمر عيب وحرام، وتعرف ذلك من خلال التلفزيون، ذاك الضيف المنزلي الدائم، الذي تولّى منذ دخوله العالم العربي تمرير تلك الإشارات المحرّمة عن العلاقات بين الجنسين وعن الحدود بينهما.

حين يغدر العائلةَ مشهدٌ في فيلم عربي أو مسلسل أجنبي بقبلة من هذا النوع، كانت خدود الفتيات تحمرّ خجلاً ويـُشِحـْن َ بوجوههن، وتصرخ الأمّهات قبل الآباء: "غيّروا المحطة"، أو "غمّضي عيونك!".

نخصّ الفتيات لأنّهنّ أكثر تواجداً في المنزل وأمام التلفاز، من دون أن يكون الفتيان مستبعدين تماماً عن موضوعنا. ورغم كلّ ما يحكى عن تغيّر سلوك الأجيال، إلا أنّ ردود فعل الفتيات العربيات لم تتحوّل إلى الوقاحة بعد، تحديداً في حضور الأهل. هؤلاء يُفهم جيداً خوفهم، تحديداً على الصغيرات، كي لا يشعرن أنّ تلك القبلة مشروعة وطبيعية، وكي يحذرن أن يهاجمهن شخص ما بقبلة كهذه، تكون بداية فعل تحرّش.

للعائلات الحقّ في منع القبلات من الدخول إلى منازلها، وللأمّ الحقّ في تحاشي الحرج حين تسألها طفلتها عن معنى تلك القبلة وسببها وما إذا كان يمكنها تقبيل صديقها في المدرسة هكذا، تحديداً الأمهات متواضعات الثقافة، اللواتي لا يملكن أجوبة علمية، بل قد يزجرن الطفل ويشعرنه بذنب عظيم اقترفه لمجرد السؤال، ما يقطع حبال الحوار والتواصل في العائلة.

نفهم أن تُقصّ القبلات من برامج قنوات مثل "دبي وان" و"أم بي سي 2"، وأم بي سي 4"، و"ماكس" و"فوكس موفيز"، وهي قنوات غير مشفّرة، وتعتبر عائلية بامتياز، بل وتقدّم نفسها على هذا الأساس، معلّلة هذا  المونتاج بانتمائها إلى مجتمع عربي إسلامي محافظ. ولكن في المقابل، لمحبّي السينما، والدراما عموماً، الحقّ في ألا يتشوّه الفيلم الذي يتابعونه والفنّ الذي يقدّرونه. فحذف تلك المشاهد يأتي غالباً بطريقة تهين الفيلم نفسه، تسيء إلى المادة التي تقدّمها القناة لجمهورها لترضي حبّه لها وتلبّي طلبه.

إنّ قطع ولصق تلك المشاهد العاطفية أو غيرها، سواء احتوت عنفاً مبالغاً فيه أو محظوراً اجتماعياً أو دينياً، يأتي غالباً بطريقة صادمة وغير مهنية، وكأنّ شخصاً دخيلاً على عالم التوليف قام بها، بل وكأنّه شخص يحتقر مهنته، لا يحمل مقصّاً بل ساطوراً أعمى. لذا فإنّ أقلّ ما يُطلب هنا هو أن يقوم "مونتير"، أي فنّي مونتاج، محترف بتلك العملية، وأن يقوم بها بطريقة فنية، كما تفرض عليه مهنته.

حين تكون تلك المشاهد "الخارجة" حشواً وابتذالاً، يكون عمل "المونتير" سهلاً، لن يلحظ أحد أن مشهداً قـُطع. ولكن حين تكون موظّفة بذكاء، وفي صلب النصّ، وضمن منطق الأحداث، سيتطلّب قطعها جهداً أكبر مما يبذل حالياً في غرف مونتاج القنوات العربية، جهداً يجب أن يوازي ما بذل في كتابة وإنتاج هذا الفيلم أو ذاك المسلسل.

اقطع تلك القبلة! اقطع كلّ ما يخدش الحياء، ولكن لا تخدش الفنّ نفسه... "أبوس ايدك"!

دلالات
المساهمون