اقتراحات لـ"قوننة" سجن الصحافيين في لبنان: "استكمال لكمّ الأفواه"

15 مايو 2020
وزيرة الإعلام اللبنانية منال عبد الصمد نجد (دالاتي نهرا)
+ الخط -
من على منبر نقابة محرّري الصحافة اللبنانية، اختارت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد نجد، اليوم الجمعة، أن تُعلن عن اقتراحات الوزارة المتعلقة بطبيعة العقوبات التي تفرض على الإعلامي، و"البحث في عقوبة السجن التي يجب ألا تكون في إطار موسّع، آخذين بالاعتبار بعض الضوابط التي تحمي الدولة وهيبتها وأركانها الأساسيين"، ولم تنسَ التأكيد في المقابل على أنّ الإعلامي ليس مجرماً، وأن لديه حقوقاً وحرية الرأي والتعبير المصانة في الدستور.

تصريح وزيرة الإعلام قرأ فيه البعض "قوننة" لسجن الصحافيين وخطوة تُضاف إلى الممارسات القمعية التي يتعرّض لها الجسم الصحافي، والتي ارتفع منسوبها منذ انطلاقة انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتسلّم حكومة حسان دياب زمام الحكم. 

وهذا ما يشدد عليه محامي مؤسسة "مهارات" طوني مخايل، الذي يرى في تصريح عبد الصمد "قمعاً إضافياً للحريات ومخالفة صريحة لمقدمة الدستور، التي تقول إنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد"، محذراً من أنّ "أي إقرار لقوانين تسمح بالسجن على خلفية الانتقاد السلمي لأفراد أو مسؤولين حكوميين هو بمثابة خرق علني لمواثيق ومبادئ منظمة الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية التي وقع عليها لبنان في مجال حماية الحريات".

ويشير مخايل، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "عقوبة السجن لا ترتبط إلا بخطاب الكراهية، والذي تعرّفه الأمم المتحدة بأنه أي نوع من التواصل الشفهي أو الخطّي أو السلوكيّ الذي ينطوي على تهجّم أو يستخدم لغة سلبية أو تمييزية عند الإشارة إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس هويّتهم، أي على أساس دينهم أو عنصرهم أو جنسيّتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي عامل آخر يهدّدهم، وغالباً ما يكون متجذراً في التعصّب والكراهية، أما أشكال خطاب الكراهية فتتمثل بالتعميم والترويج للصور النمطية والتضليل والترويج الإعلامي. وهذا ما يأتي على ذكره مثلاً القانون الفرنسي".

ويوضح مخايل أن "المشكلة تكمن أيضاً في التعابير المطاطة التي يتم استخدامها، فما المقصود بـ(هيبة الدولة)؟ ومن هم (أركانها الأساسيون)؟ فهل تقصد الرؤساء الثلاثة أو الوزراء أو شخصيات معينة ومرجعيات؟! علماً أنّ القوانين اللبنانية تحتوي على نصوص تتحدث عن جرائم القدح والذم والتحقير وتصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات سجن، وترتبط مثلاً بموظفين عموميين محددين، وتحقير رئيس الجمهورية أو العلم أو الجيش وإهانة الشعائر الدينية وغيرها، في المقابل لكلّ شخص متضرر حق الادعاء والرد بالوسيلة التي يراها مناسبة".

وتقول مديرة تحرير صحيفة "المدن" الإلكترونية رشا الأطرش، لـ"العربي الجديد"، إنّ "استخدام وزيرة الإعلام لمصطلح هيبة الدولة أمرٌ مستفزٌ جداً، وما هو إلا استكمال لكمّ الأفواه والقمع الذي تتعرض له الصحافة الحرة في لبنان، ولدورها غير المحدود ورسالتها الوطنية وصلاحياتها الواسعة في تناول المواضيع السياسية والشخصيات مهما علا شأنها وموقعها، بمن فيهم الرموز حتى التاريخية كما واقع الصحافة العالمية".

أما التوجه إلى تشكيل هيئة ناظمة رغم إعطائها توصيف "المستقلة والبعيدة من التدخلات السياسية"، فإن التجارب، كما تقول الأطرش، "ليست مشجعة في هذا الإطار، مثل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، الذي قيل لنا إنه مستقل وقراراته استشارية ورأينا دوره الحقيقي في مناسبات كثيرة، آخرها هجومه على الإعلام الحرّ لأنه ينتقد عمل الحكومة".

وفي وقت لاحق، غردت وزيرة الإعلام عبر "تويتر"، قائلة: "منعاً لأي التباس، أؤمن بأن حرية الإعلام مقدسة ويجب أن تكون مصانة دوماً وأؤمن بأن الإعلامي ليس مجرماً ولا يجب أن يُسجن في معرض عمله الإعلامي. ونعمل منذ فترة على وضع تعديلات تمنع محاكمة الإعلاميين أمام المحاكم اللبنانية فيما خلا حالات ضيقة كالقتل أو التعدي على حقوق الآخرين وشرفهم".

وأضافت: "هذه من الحالات الضيقة التي عنيتها. وبالتالي أتمنى من الزملاء الذين سارعوا لنشر التأويلات أن يتأكدوا منا أولاً فبابنا مفتوح للجميع".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً فصّلت فيه تحقيقها الذي استمر سنة كاملة في الهجمات على حرية التعبير في لبنان، وخلص إلى أنّ المسؤولين الرسميين والقوى الأمنية استخدمت قوانين القدح والذم في عشرات القضايا بين 2015 و2019 للانتقام من منتقدي المسؤولين الرسميين أو سياسات الدولة والوضع الاقتصادي الحالي وإسكاتهم، "ما أدى إلى آثار مخيفة على حرية التعبير".

وبحسب تقريرها، أصدرت المحاكم الجزائية أحكاماً بالحبس ضد ما لا يقل عن ثلاثة أفراد في قضايا التحقير بين 2015 و2019، تلقى أحد هؤلاء الأفراد تسعة أحكام بالحبس غيابياً في تسع قضايا جنائية مختلفة رفعها عليه السياسي نفسه، وأصدرت محكمة المطبوعات حكماً واحداً على الأقل بالحبس غيابياً بين 2015 و2019، وخلال الفترة نفسها، أصدرت المحاكم العسكرية ثلاثة أحكام بالحبس غيابياً، أُلغي اثنان منها عند الاستئناف بعدما أعلنت المحاكم العسكرية عدم اختصاصها.

وفي الوقت الذي وعدت فيه وزيرة الإعلام بـ"تغييرات جذرية" في ملف الإعلام اللبناني وكذلك الإلكتروني، وأعلنت عن مقترح لإنشاء هيئة ناظمة لقطاع الإعلام، يرى محامي مؤسسة "مهارات" أنّ "الإشكالية تكمن في أنّ المعنيين يحاولون طرح قوانين جديدة وتفعيل الحريات لكنهم سواء كانوا يدرون أو لا يعلمون فهم يقاربون مفهوم الإعلام بطريقة خاطئة، بدءاً من اقتراحهم إنشاء هيئة ناظمة، حيث إن الإعلام ليس عبارة عن مرفق عام بل هو نشأ كصحيفة مستقلة لا تخضع للرقابة ومن واجبها مراقبة السلطة وعملها وانتقادها والإضاءة على ممارساتها لا العكس، وأي تنظيم للإعلام يعني فرض قيود عليه"، بحسب مخايل.

إشارة إلى أن لبنان حلّ في المرتبة 102 من أصل 180 دولة ضمن التصنيف السنوي الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"، في 21 إبريل/ نيسان الماضي، مستمراً في مساره الانحداري الذي بدأه عام 2015 في ما يخصّ حرية التعبير. وبحسب تقرير المنظمة، فقد لاحقت المحاكم المذيعين لمجرد إتاحة الفرصة لضيوفهم لانتقاد السلطات اللبنانية، علماً أن المصير نفسه طاول أيضاً بعض الصحف لقيامها بالتحقيق في الفساد. 

وأشار إلى أنّه "بينما كسرت انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول الخط الأحمر المتمثل في عدم انتقاد الشخصيات النافذة، تكثفت الهجمات على وسائل الإعلام خلال التظاهرات، حيث تستخدم الشرطة القوة بشكل غير متناسب وتهاجم الصحافيين بعنف، حتى وإن أدلوا بما يثبت أنهم يمارسون عملهم الإعلامي".

كما لا يُستثنى المدونون والصحافيون الإلكترونيون من هذه القاعدة، إذ يمكن أن تكلفهم منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي استدعاء من مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية عقب تلقي شكوى من جهة خاصة، غالباً ما تكون من شخصية بارزة لها صلة بالحكومة.

المساهمون