قبل أن أبدأ معكم سلسلة مواضيع عن السجون المصرية التي اعتقلت فيها نحو 17 شهراً، وجب علي أن أطلعكم على بعض المعلومات عني، ليست معلومات من نوعية حاصل على شهادة كذا، أو ولد في عام كذا، ولكن بعض المعلومات التي ربما تساعد القارئ في معرفة تفكير وانحيازات من سيقرأ له.
مقدمة
كنا كمواطنين لا نحصل على أي حق من حقوقنا إلا بعد دفع الرشى، المستشفيات أشبه بمقابر جماعية للمرضى، والمدارس تعلم الجهل، والغاز يصدّر لإسرائيل. بينما "الغلابة" يتقاتلون من أجل الحصول على إسطوانة غاز في طوابير لا نهاية لها.
والمرتبات لا تكفي المواصلات، والداخلية تقمع التظاهرات، وأمن الدولة يتفنن في التعذيب - ومازال كل هذا يحدث إلى الآن - وكان مقتل خالد سعيد، وسيد بلال في عام 2010 بعد تعذيبهما بمثابة تغيير جذري في حياتي، فبدأت المشاركة في كل التظاهرات المعارضة للنظام وشاركت في ثورة 25 يناير ثم بدأت العمل في التصوير الصحافي إبان الثورة.
سقط العديد من رفاقي في مختلف التظاهرات السلمية.. شاركت في كل التظاهرات ضد المجلس العسكري متظاهرا ومصورا صحافيا، وتظاهرت ضد مرسي بعد ضياع حق الشهداء وبعد مقتل الشهيد جابر صلاح (جيكا) مع من رفعوا شعارات تطالب بحق الشهداء، وطالبت بانتخابات رئاسية مبكرة، ولم أطالب بالقتل وسفك الدماء ولم أشارك في ما يسمى التفويض.
وعندما عاد الحكم العسكري من جديد، للانتقام من كل من له علاقة بثورة 25 يناير، ومن كل من تجرأ على أن يهتف "يسقط حكم العسكر" ومن كل من يستطيع أن يقول "لا"، فقدت رفيقي "أحمد المصري" عضو حركة شباب 6 إبريل في أغسطس/آب من عام 2013.
بعد موته أخذت إجازة طويلة جداً من التصوير الصحافي ومن الأصدقاء.. وقتها كنت أمارس اليأس في عزلتي، ولكن بدأت الحياة تعود تدريجياً، عندما شاركت في تظاهرة مجلس الشورى ضد قانون التظاهر، وقررت العودة للتصوير الميداني في ديسمبر/كانون الأول 2013، اخترت التصوير الميداني على الرغم من خطورته حتى أقاوم السفه والكذب الإعلامي الصادر من بعض الصحف والقنوات التابعة لجهاز أمن الدولة.
قررت نقل الحقيقة مهما كان الثمن، وفعلا كان الثمن اعتقالاً دام 17 شهرا..
البداية:
كنت فوق كوبري المشاة المقابل لجامعة الأزهر يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2013، وفي يدي سلاحي (الكاميرا) على وضع تصوير الفيديو، شعرت أن في الأسفل تحركات غير طبيعية من الشرطة مع أنه لا توجد اشتباكات في هذا المكان، أرفع الكاميرا لأصور حشوداً من العساكر تجري نحو اثنين من الطلاب في طريقهما للجامعة، أفتح "الزوم" لأرى العساكر يحيطون بالطالبين من كل جانب، وينهالون عليهما بعصيهم ضرباً، ويحملونهما من أرجلهما إلى المكان الذي يجلس فيه كبيرهم واضعاً قدماً فوق الأخرى كأنه ملك نجحت عساكره في اصطياد عبيد له من عامة الشعب.
ثم يأتي أحد العساكر ليوثق أيدي الطالبين وأرجلهما من الخلف، وينتهي بهما الحال إلى "بوكس" الشرطة موثقين كما الخراف التي ستذبح بعد قليل. (بالفعل ذبح النظام مستقبلهما، فقد حكم عليهما ظلما بالسجن سبعة أعوام والمراقبة الأمنية 5 أعوام أخرى) لا لشيء سوى أنهما لم يفعلا شيئاً!
أغلق الكاميرا وأضعها في حقيبتي، وفي طريقي استوقفني أحد المخبرين بزي مدني وجرّني إلى نفس مكان "البوكس"، أظهرت هويتي، ولكن الهوية هنا لا تفيد، سيفيدني فقط إن كنت تابعاً لإحدى صحف أمن الدولة، ولكني لم أكن كذلك.. أمرني نائب مأمور قسم ثاني مدينة نصر بإخراج الكاميرا ففعلت، ورأى الفيديو الذي كان سيكشف للناس أن هذا الرجل ليس رجل أمن، وإنما رجل فوضى، يمارس هوايته المفضلة في إضاعة مستقبل الوطن المتمثل في هؤلاء الطلاب الذين يعتقلهم بشكل عشوائي.
سألني نائب المأمور: لماذا لا تصور أولاد العاهرة - يقصد الطلاب - وهم يحرقون الجامعة؟! (من الغريب أن يطلب مني تصوير شيء هو نفسه لم يره)، حطم كارت الذاكرة الذي سيفضح جرائمه ثم حاول تحطيمي أيضا، بعدما انهال علي ضربا هو ومن يأتمرون بأمره، ثم وضعوني في "البوكس" مع الطالبين (مصطفى عبد الموجود وحسين السوسي).
الغريب أنهم وضعوا الكاميرا في "الحرز"، أما الهاتف فسرقه أحد الضباط، وعندما طلبته، قال لي أحد العساكر: "هل أنت مجنون أتريدني أن أسأل الباشا لماذا أخذته"؟!
مقدمة
كنا كمواطنين لا نحصل على أي حق من حقوقنا إلا بعد دفع الرشى، المستشفيات أشبه بمقابر جماعية للمرضى، والمدارس تعلم الجهل، والغاز يصدّر لإسرائيل. بينما "الغلابة" يتقاتلون من أجل الحصول على إسطوانة غاز في طوابير لا نهاية لها.
والمرتبات لا تكفي المواصلات، والداخلية تقمع التظاهرات، وأمن الدولة يتفنن في التعذيب - ومازال كل هذا يحدث إلى الآن - وكان مقتل خالد سعيد، وسيد بلال في عام 2010 بعد تعذيبهما بمثابة تغيير جذري في حياتي، فبدأت المشاركة في كل التظاهرات المعارضة للنظام وشاركت في ثورة 25 يناير ثم بدأت العمل في التصوير الصحافي إبان الثورة.
سقط العديد من رفاقي في مختلف التظاهرات السلمية.. شاركت في كل التظاهرات ضد المجلس العسكري متظاهرا ومصورا صحافيا، وتظاهرت ضد مرسي بعد ضياع حق الشهداء وبعد مقتل الشهيد جابر صلاح (جيكا) مع من رفعوا شعارات تطالب بحق الشهداء، وطالبت بانتخابات رئاسية مبكرة، ولم أطالب بالقتل وسفك الدماء ولم أشارك في ما يسمى التفويض.
وعندما عاد الحكم العسكري من جديد، للانتقام من كل من له علاقة بثورة 25 يناير، ومن كل من تجرأ على أن يهتف "يسقط حكم العسكر" ومن كل من يستطيع أن يقول "لا"، فقدت رفيقي "أحمد المصري" عضو حركة شباب 6 إبريل في أغسطس/آب من عام 2013.
بعد موته أخذت إجازة طويلة جداً من التصوير الصحافي ومن الأصدقاء.. وقتها كنت أمارس اليأس في عزلتي، ولكن بدأت الحياة تعود تدريجياً، عندما شاركت في تظاهرة مجلس الشورى ضد قانون التظاهر، وقررت العودة للتصوير الميداني في ديسمبر/كانون الأول 2013، اخترت التصوير الميداني على الرغم من خطورته حتى أقاوم السفه والكذب الإعلامي الصادر من بعض الصحف والقنوات التابعة لجهاز أمن الدولة.
قررت نقل الحقيقة مهما كان الثمن، وفعلا كان الثمن اعتقالاً دام 17 شهرا..
البداية:
كنت فوق كوبري المشاة المقابل لجامعة الأزهر يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2013، وفي يدي سلاحي (الكاميرا) على وضع تصوير الفيديو، شعرت أن في الأسفل تحركات غير طبيعية من الشرطة مع أنه لا توجد اشتباكات في هذا المكان، أرفع الكاميرا لأصور حشوداً من العساكر تجري نحو اثنين من الطلاب في طريقهما للجامعة، أفتح "الزوم" لأرى العساكر يحيطون بالطالبين من كل جانب، وينهالون عليهما بعصيهم ضرباً، ويحملونهما من أرجلهما إلى المكان الذي يجلس فيه كبيرهم واضعاً قدماً فوق الأخرى كأنه ملك نجحت عساكره في اصطياد عبيد له من عامة الشعب.
ثم يأتي أحد العساكر ليوثق أيدي الطالبين وأرجلهما من الخلف، وينتهي بهما الحال إلى "بوكس" الشرطة موثقين كما الخراف التي ستذبح بعد قليل. (بالفعل ذبح النظام مستقبلهما، فقد حكم عليهما ظلما بالسجن سبعة أعوام والمراقبة الأمنية 5 أعوام أخرى) لا لشيء سوى أنهما لم يفعلا شيئاً!
أغلق الكاميرا وأضعها في حقيبتي، وفي طريقي استوقفني أحد المخبرين بزي مدني وجرّني إلى نفس مكان "البوكس"، أظهرت هويتي، ولكن الهوية هنا لا تفيد، سيفيدني فقط إن كنت تابعاً لإحدى صحف أمن الدولة، ولكني لم أكن كذلك.. أمرني نائب مأمور قسم ثاني مدينة نصر بإخراج الكاميرا ففعلت، ورأى الفيديو الذي كان سيكشف للناس أن هذا الرجل ليس رجل أمن، وإنما رجل فوضى، يمارس هوايته المفضلة في إضاعة مستقبل الوطن المتمثل في هؤلاء الطلاب الذين يعتقلهم بشكل عشوائي.
سألني نائب المأمور: لماذا لا تصور أولاد العاهرة - يقصد الطلاب - وهم يحرقون الجامعة؟! (من الغريب أن يطلب مني تصوير شيء هو نفسه لم يره)، حطم كارت الذاكرة الذي سيفضح جرائمه ثم حاول تحطيمي أيضا، بعدما انهال علي ضربا هو ومن يأتمرون بأمره، ثم وضعوني في "البوكس" مع الطالبين (مصطفى عبد الموجود وحسين السوسي).
الغريب أنهم وضعوا الكاميرا في "الحرز"، أما الهاتف فسرقه أحد الضباط، وعندما طلبته، قال لي أحد العساكر: "هل أنت مجنون أتريدني أن أسأل الباشا لماذا أخذته"؟!
ثم بدأت رحلة الاعتقال..
(مصر)
(مصر)