مهد ثورات الربيع العربي لم تهدأ بعد، حيث تكتنفها بين الفينة والأخرى مظاهرات واضطرابات بسبب الأوضاع الاقتصادية، وتظل البطالة هي المشكلة الاقتصادية والاجتماعية الأبرز في دول الثورات، حيث تشير الإحصاءات الرسمية لبلوغها 15.3% منتصف 2017.
وأحدث مثال على ذلك ما شهدته تونس مؤخرا من اضطرابات بسبب فرض ضرائب جديدة وارتفاع أسعار بعض السلع.
وتظل معدلات البطالة بتونس مرتفعة في ظل ما تشير إليه الأرقام الرسمية من تحسن معدلات النمو الاقتصادي خلال 2017، حيث أظهرت الأرقام أن معدل النمو في الشهور التسعة الأولى من عام 2017 بلغ 1.9%، مقارنة بنفس الفترة من 2016، وإن كانت معدلات النمو بشكل عام غير مرضية في تونس خلال عامي 2015 و2016، حيث ظلت النسبة تتراوح ما بين 0.8% و1.1% على التوالي.
وحكومة تونس ومنذ ثورة ديسمبر 2010، تعيش بشكل رئيس على المساعدات الطفيفة، والديون، خاصة ما تحصل عليه عبر برامج واتفاقيات صندوق النقد الدولي والتي كان آخرها في مايو/أيار 2016 بنحو 2.9 مليار دولار.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الدين الخارجي لتونس قفز من 22.6 مليار دولار في 2011 إلى 28.1 مليارا بنهاية 2016، بزيادة نحو 6 مليارات دولار خلال 5 سنوات، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تقفز الديون إلى 30.7 مليار دولار بنهاية 2017.
وتكمن خطورة اعتماد تونس على الديون الخارجية، مع استمرار تواضع معدلات النمو الاقتصادي، في ارتفاع هذه الديون كنسبة من الناتج، فإحصاءات صندوق النقد تبين أن الديون بلغت 69% في 2016، ويتوقع أن تتجاوز 70% في 2017.
وتبقى القضية، في طريقة توظيف هذه الديون، فالاستدانة ليست مشكلة، لكن مشكلة تونس أنها تقترض من أجل سد عجز الموازنة، ودون توظيف هذه الديون في جوانب وأنشطة اقتصادية تحسن من الناتج المحلي، وتقوي من القاعدة الإنتاجية للبلاد، من أجل تخفيف عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
ورغم أن صندوق النقد يشهد بتحسن في أداء تونس عبر برامجه في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، إلا أن الاقتصاد التونسي يعاني من صعوبات في النواحي المالية والموازين الخارجية، فضلًا عن التحديات الهيكلية والاجتماعية.
لماذا لم يتحسن الاقتصاد؟
تعد تونس الفضلى من بين دول الربيع العربي من حيث الاستقرار السياسي والأمني رغم وجود أعمال العنف هنا وهناك، إلا أنها غير مؤثرة، باستثناء التفجير الذي تم في أحد المنتجعات السياحية، منذ أكثر من سنتين، وتشير إحصاءات وزارة السياحة إلى تحسن أوضاع السياحة خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2017 مقارنة بنفس الفترة من عام 2016، بنحو 20%، وهو ما ضمن للبلاد تحسن الدخول السياحية بما يزيد عن نصف مليار دولار.
مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الزيادة المتحققة في قطاع السياحة بتونس خلال 2017 أتت من دول الجوار، خاصة الجزائر، ويبقى التحدي في عودة السياحة الأوروبية، والتي تضمن دخولا أعلى لقطاع السياحة، وإن عُد هذا القطاع كنشاط ريعي ومتأثرًا بشكل كبير بالتقلبات الخارجية، إلا أنه يمكن الاعتماد عليه في أدوات الأجل القصير للتخفيف من حدة المشكلة المالية.
لكن، كما أشار صندوق النقد الدولي المنشور على موقعه في مايو 2016، فإن المشكلات الهيكلية في بنية الاقتصاد مازالت كما هي، ولم تستفد مؤسسات صنع القرار الاقتصادي من الثورة التونسية في شيء، حيث ما زالت بنية النشاط الاقتصادي من تركز الثروة في يد رجال أعمال بن علي، ولم تتخذ التدابير اللازمة التي تساعد الطبقتين الوسطى والفقيرة على نصيب عادل من الثروة، بحيث تتقلص شريحة الفقراء، وتتسع شريحة الطبقة الوسطى.
كما أن صانع السياسة الاقتصادية لايزال يعتمد على السياسات الجبائية التي تذهب لفرض الضرائب الجديدة، وهو ما كان أحد الأسباب التي حركت المظاهرات الأخيرة، وهذه السياسات ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، خلال 2018، وحسب بيانات صندوق النقد الدولي فإن معدل التضخم في تونس يتوقع أن يصل إلى 4% بنهاية 2017، وما لم تأخذ الحكومة في الاعتبار رفع الحد الأدنى للأجور فإن معدل التضخم خلال 2018 من الممكن أن يصل إلى 5%.
ومن جانب آخر فإن أجندة صندوق النقد التي تعتمد على الضريبة الموحدة، وكذلك الضريبة المضافة، لا تناسب الأوضاع الاقتصادية بالدول النامية ومنها تونس، فالوضع التنموي في تونس يستلزم سياسات ضريبية تحفيزية للأنشطة الإنتاجية، وبخاصة كثيفة العمالة منها، وكذلك الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، أو التي تساهم في ارتفع معدلات التوظيف أو التصدير.
فالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر تحتاج إلى معالجات خارج أجندة مؤسسات التمويل الدولية، التي تحصر المشكلة في التمويل، وللأسف حتى هذا الجانب تستنزف فيه الإمكانيات المتواضعة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وبدون ذلك لن يتحرك معدل النمو بالمعدلات المطلوبة، في ظل تواضع معدلات الادخار والاستثمار القومية.
تواضع الادخار والاستثمار
وفق بيانات صندوق النقد الدولي المنشورة على موقعه الإلكتروني، بلغت المدخرات القومية بتونس في 2012 نسبة 16.1%، من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعت إلى 12.9% في 2015، ويتوقع أن تصل إلى 15.3% بنهاية 2017. وهي معدلات غير وافية لتحقيق معدلات النمو المتواضعة التي تحققت في تونس خلال هذه الفترة.
كما أن الاستثمارات القومية بلغت نسبتها 24.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012، وتراجعت إلى 21.8% في 2015، ويتوقع لها أن تصل إلى 22.3% بنهاية 2017. ويلاحظ أن الفجوة بين المدخرات والاستثمارات المحلية، يتم تمويلها عبر الاقتراض، وتصل الفجوة إلى 8% في المتوسط من الناتج المحلي خلال الفترة. كما تراوح الناتج المحلي الإجمالي لتونس خلال الفترة ما بين 41 و44 مليار دولار.
حضور خليجي باهت
منذ نجاح ثورة ديسمبر 2010 بتونس، وثمة وعود خليجية بدعم التنمية والدخول في مشروعات كبيرة، وكان آخر هذه الوعود ما أعلنت عنه السعودية في سبتمبر/أيلول 2014، وقبل انتخابات الرئاسة بالعمل على إنشاء مدينة زراعية سياحية تجارية كبرى، باستثمارات تبلغ مليارات الدولارات، تنفذ على مدار 10 سنوات، لكن على ما يبدو أن المشروع ذهب أدراج الرياح بعد تفاقم الأزمة المالية السعودية.
ولم يكن حضور الإمارات يختلف عن السعودية وباقي دول الخليج، فالاستثمارات الخليجية تركز في تونس على الأنشطة العقارية والسياحية ذات العائد السريع، وتبتعد عن المشروعات الإنتاجية، التي يمكن أن تسهم في تحقيق ما يسمى بالاعتماد على الذات .
ما تحتاجه تونس استثمارات حقيقية تساعدها في علاج خللها الهيكلي، وتردم الفجوة بين المدخرات والاستثمارات القومية، حتى تستغني عن الديون الخارجية، خاصة أن دول الخليج، لديها أرصدة ضخمة من خلال الصناديق السيادية، يمكنها ضخ بضعة مليارات تنتشل تونس من براثن أجندة صندوق النقد، وتقضى على مشكلة البطالة.
اقــرأ أيضاً
وأحدث مثال على ذلك ما شهدته تونس مؤخرا من اضطرابات بسبب فرض ضرائب جديدة وارتفاع أسعار بعض السلع.
وتظل معدلات البطالة بتونس مرتفعة في ظل ما تشير إليه الأرقام الرسمية من تحسن معدلات النمو الاقتصادي خلال 2017، حيث أظهرت الأرقام أن معدل النمو في الشهور التسعة الأولى من عام 2017 بلغ 1.9%، مقارنة بنفس الفترة من 2016، وإن كانت معدلات النمو بشكل عام غير مرضية في تونس خلال عامي 2015 و2016، حيث ظلت النسبة تتراوح ما بين 0.8% و1.1% على التوالي.
وحكومة تونس ومنذ ثورة ديسمبر 2010، تعيش بشكل رئيس على المساعدات الطفيفة، والديون، خاصة ما تحصل عليه عبر برامج واتفاقيات صندوق النقد الدولي والتي كان آخرها في مايو/أيار 2016 بنحو 2.9 مليار دولار.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الدين الخارجي لتونس قفز من 22.6 مليار دولار في 2011 إلى 28.1 مليارا بنهاية 2016، بزيادة نحو 6 مليارات دولار خلال 5 سنوات، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تقفز الديون إلى 30.7 مليار دولار بنهاية 2017.
وتكمن خطورة اعتماد تونس على الديون الخارجية، مع استمرار تواضع معدلات النمو الاقتصادي، في ارتفاع هذه الديون كنسبة من الناتج، فإحصاءات صندوق النقد تبين أن الديون بلغت 69% في 2016، ويتوقع أن تتجاوز 70% في 2017.
وتبقى القضية، في طريقة توظيف هذه الديون، فالاستدانة ليست مشكلة، لكن مشكلة تونس أنها تقترض من أجل سد عجز الموازنة، ودون توظيف هذه الديون في جوانب وأنشطة اقتصادية تحسن من الناتج المحلي، وتقوي من القاعدة الإنتاجية للبلاد، من أجل تخفيف عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
ورغم أن صندوق النقد يشهد بتحسن في أداء تونس عبر برامجه في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، إلا أن الاقتصاد التونسي يعاني من صعوبات في النواحي المالية والموازين الخارجية، فضلًا عن التحديات الهيكلية والاجتماعية.
لماذا لم يتحسن الاقتصاد؟
تعد تونس الفضلى من بين دول الربيع العربي من حيث الاستقرار السياسي والأمني رغم وجود أعمال العنف هنا وهناك، إلا أنها غير مؤثرة، باستثناء التفجير الذي تم في أحد المنتجعات السياحية، منذ أكثر من سنتين، وتشير إحصاءات وزارة السياحة إلى تحسن أوضاع السياحة خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2017 مقارنة بنفس الفترة من عام 2016، بنحو 20%، وهو ما ضمن للبلاد تحسن الدخول السياحية بما يزيد عن نصف مليار دولار.
مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الزيادة المتحققة في قطاع السياحة بتونس خلال 2017 أتت من دول الجوار، خاصة الجزائر، ويبقى التحدي في عودة السياحة الأوروبية، والتي تضمن دخولا أعلى لقطاع السياحة، وإن عُد هذا القطاع كنشاط ريعي ومتأثرًا بشكل كبير بالتقلبات الخارجية، إلا أنه يمكن الاعتماد عليه في أدوات الأجل القصير للتخفيف من حدة المشكلة المالية.
لكن، كما أشار صندوق النقد الدولي المنشور على موقعه في مايو 2016، فإن المشكلات الهيكلية في بنية الاقتصاد مازالت كما هي، ولم تستفد مؤسسات صنع القرار الاقتصادي من الثورة التونسية في شيء، حيث ما زالت بنية النشاط الاقتصادي من تركز الثروة في يد رجال أعمال بن علي، ولم تتخذ التدابير اللازمة التي تساعد الطبقتين الوسطى والفقيرة على نصيب عادل من الثروة، بحيث تتقلص شريحة الفقراء، وتتسع شريحة الطبقة الوسطى.
كما أن صانع السياسة الاقتصادية لايزال يعتمد على السياسات الجبائية التي تذهب لفرض الضرائب الجديدة، وهو ما كان أحد الأسباب التي حركت المظاهرات الأخيرة، وهذه السياسات ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، خلال 2018، وحسب بيانات صندوق النقد الدولي فإن معدل التضخم في تونس يتوقع أن يصل إلى 4% بنهاية 2017، وما لم تأخذ الحكومة في الاعتبار رفع الحد الأدنى للأجور فإن معدل التضخم خلال 2018 من الممكن أن يصل إلى 5%.
ومن جانب آخر فإن أجندة صندوق النقد التي تعتمد على الضريبة الموحدة، وكذلك الضريبة المضافة، لا تناسب الأوضاع الاقتصادية بالدول النامية ومنها تونس، فالوضع التنموي في تونس يستلزم سياسات ضريبية تحفيزية للأنشطة الإنتاجية، وبخاصة كثيفة العمالة منها، وكذلك الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، أو التي تساهم في ارتفع معدلات التوظيف أو التصدير.
فالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر تحتاج إلى معالجات خارج أجندة مؤسسات التمويل الدولية، التي تحصر المشكلة في التمويل، وللأسف حتى هذا الجانب تستنزف فيه الإمكانيات المتواضعة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وبدون ذلك لن يتحرك معدل النمو بالمعدلات المطلوبة، في ظل تواضع معدلات الادخار والاستثمار القومية.
تواضع الادخار والاستثمار
وفق بيانات صندوق النقد الدولي المنشورة على موقعه الإلكتروني، بلغت المدخرات القومية بتونس في 2012 نسبة 16.1%، من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعت إلى 12.9% في 2015، ويتوقع أن تصل إلى 15.3% بنهاية 2017. وهي معدلات غير وافية لتحقيق معدلات النمو المتواضعة التي تحققت في تونس خلال هذه الفترة.
كما أن الاستثمارات القومية بلغت نسبتها 24.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012، وتراجعت إلى 21.8% في 2015، ويتوقع لها أن تصل إلى 22.3% بنهاية 2017. ويلاحظ أن الفجوة بين المدخرات والاستثمارات المحلية، يتم تمويلها عبر الاقتراض، وتصل الفجوة إلى 8% في المتوسط من الناتج المحلي خلال الفترة. كما تراوح الناتج المحلي الإجمالي لتونس خلال الفترة ما بين 41 و44 مليار دولار.
حضور خليجي باهت
منذ نجاح ثورة ديسمبر 2010 بتونس، وثمة وعود خليجية بدعم التنمية والدخول في مشروعات كبيرة، وكان آخر هذه الوعود ما أعلنت عنه السعودية في سبتمبر/أيلول 2014، وقبل انتخابات الرئاسة بالعمل على إنشاء مدينة زراعية سياحية تجارية كبرى، باستثمارات تبلغ مليارات الدولارات، تنفذ على مدار 10 سنوات، لكن على ما يبدو أن المشروع ذهب أدراج الرياح بعد تفاقم الأزمة المالية السعودية.
ولم يكن حضور الإمارات يختلف عن السعودية وباقي دول الخليج، فالاستثمارات الخليجية تركز في تونس على الأنشطة العقارية والسياحية ذات العائد السريع، وتبتعد عن المشروعات الإنتاجية، التي يمكن أن تسهم في تحقيق ما يسمى بالاعتماد على الذات .
ما تحتاجه تونس استثمارات حقيقية تساعدها في علاج خللها الهيكلي، وتردم الفجوة بين المدخرات والاستثمارات القومية، حتى تستغني عن الديون الخارجية، خاصة أن دول الخليج، لديها أرصدة ضخمة من خلال الصناديق السيادية، يمكنها ضخ بضعة مليارات تنتشل تونس من براثن أجندة صندوق النقد، وتقضى على مشكلة البطالة.