اشتباكات تين زواتين... عودة الهاجس الأمني جنوبي الجزائر

13 ديسمبر 2016
حددت السلطات أمن الحدود كأولوية (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت الاشتباكات التي شهدتها نقطة تماس بمنطقة تين زواتين على الحدود بين الجزائر ومالي، يوم السبت، بين قوات الجيش الجزائري ومجموعة إرهابية مسلحة كانت آتية من منطقة شمال مالي، طرح مخاوف جدية بشأن التهديدات التي تواجهها الجزائر على حدودها الجنوبية مع كل من النيجر ومالي، والتي تتمركز في مناطقها الشمالية مجموعات مسلّحة تتبع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

في هذا الإطار، أظهرت الاشتباكات التهديدات الإرهابية ضد الجزائر في مناطق الجنوب، من مختلف التنظيمات كـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"كتيبة الملثمين" و"التوحيد والجهاد"، التي ما زالت تتمركز في مناطق شمال مالي. وأعقب الاشتباكات اعتقال مسلّح أجنبي واسترجاع 11 قطعة سلاح من نوع كلاشينكوف وثلاث قاذفات صاروخية وكمية من الذخيرة واكتشاف مخبأ للأسلحة.

وكشفت البيانات الأخيرة للعمليات العسكرية للجيش الجزائري، عن جهد عسكري كبير في مناطق الجنوب والصحراء، وتركيز لافت لتمشيط كامل للمناطق الحدودية القريبة من مالي والنيجر وليبيا. وأفادت الأرقام المتعلقة بحصيلة العمليات العسكرية، عن ارتفاع عدد مخابئ الأسلحة التي تم الكشف عنها في مناطق الصحراء والحدود، إلى 22 مخبأً للأسلحة منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي، بعضها كانت تضمّ أسلحة غير تقليدية كصواريخ "ستينغر" وقاذفات صواريخ. وخلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قتلت قوات الجيش الجزائري مسلّحين اثنين واعتقلت اثنين آخرين، فيما سلّم سبعة مسلحين أنفسهم للسلطات، أغلبهم في مناطق الجنوب الحدودية مع مالي والنيجر.

ودفع استمرار التوتر وتداعيات الأزمة الليبية على الحدود الليبية خلال الأشهر الأخيرة، إلى تكثيف القيادة العسكرية للجيش الجزائري زياراتها الميدانية إلى الوحدات العسكرية المرابطة في مناطق الجنوب، تحديداً قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، الذي شدّد الأسبوع الماضي خلال جولة تفقدية، على الجاهزية القتالية للوحدات العسكرية المنتشرة في وسط البلاد وجنوبها. واعتبر أن "الجيش الجزائري منكب على مواصلة مهام تأمين الجزائر في خضم هذه الظروف التي تعج بها منطقتنا"، مشيراً إلى أن "الجيش بات بفضل تطور ترسانته العسكرية والكفاءة القتالية لكوادره، قادراً على حفظ الوطن ومواجهة أي تهديد، مهما عظم شأنه ومهما كان مصدره".

ودعا قايد صالح "جنود الجيش المرابطين على كافة المناطق الحدودية، لبذل كل ما في وسعهم من أجل رفع كافة التحديات في المناطق الحدودية الحيوية التي تستحق التفطن واليقظة". مع العلم أنه في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أعلن قايد صالح عن خطة "اجتثاث الإرهاب"، المتعلقة بتكثيف العمل العسكري والأمني ضد المجموعات الإرهابية، التي تنشط في مناطق جنوبي البلاد وبعض المناطق الشمالية.



وربط محللون بين استمرار الهاجس الأمني للجزائر في منطقة الجنوب والصحراء، بعوامل تتعلق بهشاشة دول الجوار والتدخلات الدولية في المنطقة، وتمدد التنظيمات الإرهابية وتغييرها المتسارع لبنيتها وطريقة نشاطها، بالإضافة إلى تحالفاتها الغامضة مع قوى محلية.

في هذ الإطار، اعتبر الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية قوي بوحنية، أن "ثمة ما يبرر التخوف الجزائري الأمني من إمكانية أن تدفع البلاد ضريبة الجوار الإقليمي الهش، خصوصاً بروز مؤشرات تمدد تنظيمات موالية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الساحل الأفريقي".

وأبدى بوحنية اعتقاده بأن "الجزائر تواجه تهديدات أمنية نابعة من المخاطر التي تشكلها تنظيمات مرتبطة بالقاعدة وداعش في منطقة الساحل الأفريقي، فضلاً عن الاضطرابات في دول الجوار وتحديداً ليبيا ومالي، وانتشار السلاح، بالإضافة إلى تهديدات تتعلق بالهجرة غير الشرعية".

ولفت إلى مسألة أخرى تتعلق بـ"عدم جدية الغرب فعلياً في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل إلا بما يتوافق مع مصالحه"، مشيراً إلى أنه "وسط هذه المنطقة المضطربة، تناور الجزائر وهي التي تدرك أن الدول الغربية تملك لغة براغماتية مناورة في أحيان كثيرة، لجهة دفع بلدان مثل فرنسا وسويسرا الأموال لتحرير رهائنها، وهي الأموال التي تستخدمها ذات الجماعات في تموين نفسها بالسلاح والمعدات".

وفي ظل هذه العوامل المتعددة، انتهى تقدير الموقف الأمني والعسكري في مناطق الجنوب بالقيادة الجزائرية إلى نقل 35 ألف جندي وتوزيعهم على نقاط التماس الحدودية الجنوبية والشرقية، التي تنشط فيها من الجانب الآخر في تونس وليبيا مجموعات إرهابية متعددة. وذلك لضمان مراقبة الحدود، فمنذ يناير/ كانون الثاني 2013 ظلّت مراقبة الحدود الصحراوية المترامية، والمتاخمة لمالي والنيجر وليبيا، على سلم أولويات القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر. وفي 13 يناير 2013 نجحت مجموعة مسلحة في التسلل من تخوم الحدود المالية إلى داخل الحدود الليبية، قبل أن تلتف وتتسلل إلى داخل التراب الجزائري، وتصل إلى منطقة عين أميناس بولاية اليزي، وتقتحم المنشأة النفطية تيقنتورين، وتحتجز أكثر من 700 من العمال والموظفين الجزائريين والأجانب. وكانت تلك العملية ضربة موجعة للأمن الجزائري، ودافعاً لإعادة تقدير الموقف الأمني والعسكري على مستوى الحدود الجنوبية، التي كانت بالأساس مشتعلة بين الحكومة المالية المركزية المدعومة من قبل القوات الفرنسية، وقوات الكتائب الأزوادية المتمردة، التي كانت قد أعلنت عن قيام دولة لها في مناطق الطوارق من جهة، والحرب الفرنسية المالية على تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيم "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، الذي كان أعلن عن إمارة له في تمبكتو، واختطف خمسة من الدبلوماسيين الجزائريين في غاو.


المساهمون