كانت فيبيكا سورنسن تسير برفقة صوفيا ابنتها المراهقة، حين سحبت يدها مبتعدة من تحت سلّم يعلو الرصيف. في الدنمارك، يُعدّ المشي تحت السلالم جالباً للمصائب. هذه واحدة من المعتقدات الاجتماعية الضاربة جذورها في المجتمع. تبتسم سورنسن وتقول: "جدّتي زرعت فيّ ذلك منذ الصغر". وسرعان ما تضيف: "وأنا نقلت المعتقد إلى ابنتي كذلك". أمّا صوفيا فتعلّق قائلة: "دائما ما أطلب منها الكفّ عن هذا. فأنا لا أؤمن به. لكنّ كثيرين يفعلون".
يربط البعض ذلك الإيمان بخرافات قديم الزمان بالمجتمعات البدائية، لكنّ الأمر غير ذلك في دول الشمال واسكندنافيا. فالمشي تحت السلّم يرتبط بما يؤمن به هؤلاء القوم، حول سوء الطالع الذي يجلبه، إذ يربطونه بصلب السيّد المسيح وعملية إنزاله بعد الصلب. وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ غير المؤمنين بالدين المسيحي كذلك، يتجنّبون ذلك في يومياتهم إذ هو موروث اجتماعي تجذّر منذ مئات السنين، إلى جانب موروثات أخرى.
ويثير الأمر فضول علماء الاجتماع والمتخصصين في الأنثروبولوجيا، ليس في كوبنهاغن واستوكهولم وبقية الشمال فحسب. فذلك يشمل كذلك ما حمله هؤلاء الأوروبيون معهم إلى حيث استوطنوا في أميركا الشمالية. ووفقاً لدراسات متخصصة في المجال، فإنّه إلى جانب إيمان/اعتقاد دنماركي واحد من بين كل ثلاثة دنماركيين بالخرافات فإنّ 42 في المائة من البريطانيين يؤمنون بتلك الظواهر وارتباطها بالقوى الخارقة. إلى ذلك أشار البروفسور الأميركي في علم النفس ستيورت فاييز إلى أنّ نصف الأميركيين يعتقدون بالخرافات.
القط الأسود وحدوة الحصان
تقول الباحثة الاجتماعية ميريتا إسكلسن لـ"العربي الجديد" إنّ "مسألة الإيمان بالخرافات والتطيّر والتحوّط في مجتمعات الشمال هي مسألة متوارثة منذ القدم. فقد دُمجت معتقدات شمالية (اسكندنافية وفنلندية وآيسلندية وحتى ألمانية) بتعاليم مسيحية وصلت إلى هذه المجتمعات الوثنية في فترة متأخرة". بالنسبة إلى إسكلسن، فإنّ "المعتقد القائل بأنّ القط الأسود يجلب أحداثاً مأساوية وسوء طالع لمن يراه يركض أمامه، يعود أصله إلى معتقدات إغريقية تربط القطط السوداء بما يسمونه قوى الظلام. كذلك يُقال بضرورة البصق من على شمال كتفك، من دون أن يكون لذلك تفسير منطقي، إلا أنّ البعض يقوم بذلك". وتشير إلى "خرافة تقول بوجوب شبك الإبهام والوسطى من أصابع اليد في حال مررت من تحت سلم، إلى أن تصادف ثلاثة كلاب، حتى يذهب النحس عنك. الناس توارثوا ذلك ويمارسونه تلقائياً، كنوع من إيهام الذات بالطمأنينة مثلما يقول خبراء في النفس البشرية".
في شمال غرب الدنمارك وجنوب النرويج، ما زال الفلاحون في القرى يضعون حدوة حصان على مداخل مزارعهم وبيوتهم حتى يومنا هذا. تؤمن غريتا ياكوبسن (76 عاماً) بأنّ "حدوة الحصان تجلب الحظ وتبعد الشرور والأرواح، لأنّها مصنوعة من الحديد". من جهته، يقول زوجها بريبن: "مائة مرة قلت لها إنّ هذا هراء لا أؤمن به. لكن مع الوقت، وبهدف تجنّب تنغيص حياتك، تضطر إلى القول إنّ هذه الحدوة تبدو جميلة". يضيف ممازحاً: "تماماً مثلما عليك الادّعاء بأنّ كل الطعام الذي تطهوه منذ 50 سنة زواجاً، لذيذ". لا يبدو أنّ كلام بريبن يزعج غريتا التي تسأله: "وهل تقبل أنت الرقم 13؟". ويسود صمت. كذلك، تؤمن غريتا بأنّ سقوط غائط طائر على الرأس أو البيت فأل خير.
الرقم 13
من جهتها، تقول الباحثة في عالم الخرافات والمتخصصة في الأنثروبولوجيا في جامعة كوبنهاغن، فيبيكا ستيفن، إنّ الخرافات هي "تقليد متناقل عبر الأجيال منذ العصور القديمة. والإنسان بطبيعته يتابع تلقائياً ما يرثه، من دون أن يؤمن دائماً به". وتشرح أنّه "على الرغم من تراجع عدد المؤمنين بالخرافات مع الوقت، إلا أنّنا نجد من يؤمن بعدم وجوب جلوس 13 شخصاً حول طاولة واحدة. فالخوف من أن يجلب ذلك موت أحدهم، هو الدافع. وقد وصل هذا المعتقد إلى الشمال مع دخول المسيحية".
لغاية يومنا، ما زال الاسكندنافيون يشبكون إصبعَين عند مصادفة الرقم 13، ويطرقون بهما تحت الطاولة مع ترداد رقمَي سبعة وتسعة في محاولة للتحوّط ضد "الشرّ". وتؤكّد ستيفن أنّ "تلك المعتقدات في مجتمعات الشمال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمحاولات حماية الذات في زمن المخاطر التي تعيشها المجتمعات بسبب الإرهاب والكوارث المناخية والأمراض المستعصية وزيادة هموم الحياة اليومية. وذلك على الرغم من أنّ الناس يعلمون أنّ تلك الممارسات لا تحفظهم من شيء، وهي ممارسات غير منطقية ولا عقلانية". وتربط ستيفن الأمر كذلك "بما نسمّيه قانون جنتا. وهو مفهوم اجتماعي وضعه الكاتب أكسل ساندموسا (1933) ينتقد فيه محاولة المجتمع تدمير هويّة الفرد الشخصية بقمعها وجعلها تافهة حتى يهجر الإنسان ذلك المجتمع حزناً". ويحاول الاسكندنافيون من خلال تلك المعتقدات البحث عن طمأنة الذات أكثر فأكثر، بعيداً عن المخاطر اليومية. وكثيرون منهم يظنون بأنّ الأمر "نمارسه لأنّه أصلاً غير مكلف".
لكنّ دراسات حديثة تظهر أنّ الرقم 13 وكذلك الرقمَين ثلاثة وتسعة هي من أكثر الأرقام التي يختارها الدنماركيون عند لجوئهم إلى ألعاب الحظ لا سيّما اللوتو، وذلك بنسبة 43 في المائة، وفقاً لإحصائية "يوروميتر ساينس أند تكنولوجي". أمّا الفنلنديّون فيختارونها بنسبة 21 في المائة والنرويجيون بنسبة 29 في المائة.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاعتقاد بشرّ الرقم 13 دفع الشركات الاسكندنافية للطيران "ساس" على مدى سنوات طويلة، إلى إلغاء المقاعد رقم 13 من طائراتها، نزولاً عند رغبة المسافرين. وتشير سورنسن إلى أنّ هؤلاء المسافرين يؤمنون "بوجوب دخول الطائرة بالرجل اليمنى. كذلك الأمر بالنسبة إلى انتعال فردة الحذاء اليمنى أولاً. هكذا تعلّمت منذ صغري".
قبل سنوات، طرح البرفسور الأميركي المتخصص في الإيمان بالخرافات والتطيّر عند الشعوب، جيف رودسكي، من جامعة مولينبيرغ في بنسلفانيا، أنّ "في المسألة قاسماً مشتركاً لدى الشعوب التي تترك بعض الطقوس السخيفة تسيطر على ممارساتها اليومية". ويشرح: "نحن كبشر لا نريد ترك شيء للصدفة العشوائية، ونبحث عن أسباب لربط الأشياء ببعضها بعضاً. وأحياناً، نربط أموراً غير مترابطة".
النساء أكثر إيماناً بالخرافات
في سياق متّصل، تشير دراسات أوروبية عدّة إلى انتشار ظاهرة الإيمان بالخرافات والتطيّر بين النساء أكثر من الرجال. ففي الدول الاسكندنافية، تبيّن دراسات بحثية سبق أن نشرت في صحف محلية، أنّ 80 في المائة من النساء آمنَّ مرّة على الأقل في حياتهنّ بالخرافات، بينما النسبة بين الرجال وصلت إلى 57 في المائة. وتعيد ستيفن ذلك إلى أنّ "النساء يأخذنَ أكثر على عاتقهنّ رعاية الأسرة، ويهتمِمنَ بما يجري بين الناس، سواء في الحياة الاجتماعية أو في قطاعات العمل الرعوي. لذا يكنّ الأقرب إلى إيجاد تفسيرات للقلق يومي بقابلية الاعتقاد بالخرافات".
من هنا وهناك
ويتطيّر أهل الشمال من تحطّم مرآة، إذ يعتقد المسؤول بأنّه سوف يعرف ثماني سنوات من المحن الشخصية. في الماضي، كانوا يعتقدون بأنّ انعكاس صورة الشخص في المرآة هو انعكاس لروحه، بالتالي فإنّ كسرها يعني كسر الروح. لذلك، وبهدف التوازن، لا بدّ من جمع القطع ودفنها في اتجاه الجنوب. أمّا سكب الملح، فهو بالنسبة إلى أهل الشمال نذير حوادث سيئة مقبلة. في الماضي، كانوا يعتقدون بأنّ في الملح سحراً. ولعكس السحر، لا بدّ من رشّ قليل من الملح على الكتف اليسرى لإصابة الشيطان في وجهه.
كذلك، هم يتشاءمون من عبور قط أسود الطريق. يُقال إنّ القطط كانت في السابق حيوانات مُشَرّفة، لكنّها تحوّلت مع المسيحية إلى أرواح شيطانية استخدمها السحرة والمشعوذون، وتعني جلب الموت. لذا يجب البصق ثلاث مرّات نحو الكتف اليسرى لتجنّب شرّها أو رمي الملح على الكتف ذاتها لإصابة الشيطان في وجهه. أمّا شبك إصبعَين اثنَين، فهو طريقة من طرق طرد الشرور، بالإضافة إلى أنّ من خلاله يمكن تمنّي الحظ للآخرين، فيحميهم ذلك من الحسد والأشرار. من جهة أخرى، يحتفل أهل الشمال بعيد "هالويين" على نطاق واسع، انطلاقاً من اعتقادهم بأنّ أرواح الموتى تعود في أشكال مختلفة في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأوّل، وتحديداً في 31 منه.