استنفار ضد داعش

23 اغسطس 2014

ممثلتا الأرجنتين وأميركا في الأمم المتحدة للنقاش حول "داعش"(15أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

في مسعى محموم لتبرير حربه على غزة، نشط بنيامين نتنياهو، لتصويرها على أنها ضد الأصولية الإسلامية، فانبرى لمحاولة الربط بين حركة حماس وتنظيم داعش، قائلاً، يوم 20 أغسطس/آب الجاري: "هذا الفرع (حماس) من تلك الشجرة (داعش)". 

وفي تصريحاته تلك، شدد على أنه سوف يواصل شن حربه هذه، حتى يضمن الاحتياجات الأمنية لحكومته ودولته.

الحديث عن حماس وربطها بصورة ملفقة وقسرية بـ"داعش"، هو أشبه بتفوهات قاتل جنائي متوحش في مكان ما من المعمورة، ينبري للادعاء بأنه يفتك بضحاياه، هنا وهناك، للبرهنة على عدائه الأصولية!

لم يذهب أحد في العالم إلى ما زعم به نتنياهو، وحيث يعرف القاصي والداني أن الاحتلال فرض حصارا بحرياً وجوياً وبرياً، على غزة منذ عام 2005، حين كانت السلطة الفلسطينية من تتولى مقاليد الأمور في القطاع. وكسر الحصار ورفعه هو أهم المطالب الوطنية الفلسطينية.

الآن، فإن تلبية الاحتياجات الأمنية، حسب التعويذة الإسرائيلية وسلوك "جيش الدفاع"، تتطلب الفتك بأكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين، لهذا، يمنع الاحتلال وصول ممثلي المنظمات الإنسانية والحقوقية والمراسلين الصحافيين من الوصول إلى القطاع. 

وينتشي جنرالات الحرب بسقوط أكثر من ألفي ضحية على الجانب الفلسطيني جُلهم مدنيون، وهذا نهج قديم، دأبت عليه الحكومات الصهيونية المتعاقبة، التي تجمع في عقيدتها، وفي أدائها، بين العنصرية والأصولية، قبل أن تنشأ حماس وفتح وسواهما.

(2)

بعد أيام على شن طائرات أميركية غارات على داعش في شمال العراق، تحرك سلاح الجو السوري وضرب مدينة الرقة، التي يوجد فيها التنظيم المذكور. وذلك بعد مضي أكثر من سنة على استيلاء هذا التنظيم على هذه المدينة السورية، والغرض بث رسالة مفادها بأننا، أيها الأميركيون، نخوض وإياكم حرباً واحدة ضد هدف واحد.

وصلت الرسالة، ونفت واشنطن أن تكون في خندق واحد مع دمشق ضد "الدولة الإسلامية"، ورفضت الخارجية الأميركية الإشادة، ولو من بعيد، بمحاربة النظام السوري داعش، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، إنها تعارض "بشدة" مقولة إن الولايات المتحدة والنظام السوري "على الموجة نفسها" في مكافحة "داعش" .

وأوضحت هارف أنه بشأن العراق، فإنّ حكومة بغداد مَنْ طلب تدخلاً أميركياً لمساعدتها في وقف زحف الإسلاميين المتطرفين. أما في سورية، فإن نظام الرئيس بشار الأسد هو المسؤول عن صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيمات جهادية أخرى، مثل "جبهة النصرة".

انتهى الاقتباس من الناطقة الأميركية، لكن السؤال الكبير المرتسم هو: لماذا لم تحرك واشنطن ساكناً حتى الآن ضد داعش، وبقية الدواعش، على الأرض السورية، وتركت لهذا التنظيم أن يتضخم هناك عشرين شهراً، قبل أن يتمدد نحو مهده الأول في العراق؟ لماذا يتم غض النظر عن الدواعش هنا، ويتم الاستنفار ضدهم هناك؟

(3)

يسترعي الانتباه أن الغارات الأميركية على تنظيم داعش لم تلق اعتراضا يُذكر في العالمين، العربي والإسلامي، شعبياً ورسمياً، على الرغم من أن هذا التدخل المحدود يتم خارج قرارات الأمم المتحدة.

وهذا يعني أن التدخل الخارجي، أو الأجنبي، في حالات الضرورة القصوى "شر لا بد منه"، أو أنه قد يكون مقبولاً مؤقتاً في ظرف محدد، ولغاية بعينها. مغزى ذلك أن رفض التدخل بصورة مطلقة قد يجافي الحاجة الداهمة والمصلحة الآنية، ويشجع أطرافاً محلية على التغول في دماء البشر.

ربطاً بهذا، ما انفك مسؤولون ليبيون، إضافة إلى البرلمان، يطالبون بتدخل دولي في بلدهم، لوقف العنف الفالت من كل عقال، والذي يستهدف بين ما يستهدفه ثروة النفط والمطارات والأسطول الجوي المدني.

(4)

في السعودية، أيدت محكمة الاستئناف، يوم 12 أغسطس/آب الجاري، حكم محكمة بريدة سَجن خمسة مواطنين بأحكام وصلت إلى السجن 10 سنوات و2000 جلدة لاثنين من المتهمين، مع منعهما من السفر خمس سنوات، والتهمة هي الاحتفال بعيد الحب فالنتاين.

هذا "العيد" غربي المنشأ حقا، مثل عيدي الأم والعمال، أما عاطفة الحب فهي ليست اختراعاً غربياً، وليست غريبة عن التراث العربي والاسلامي في مختلف العصور، فكتبه تحفل بما لا حصر له من قصائد ومأثورات حول هذه العاطفة الإنسانية.

وحين لا نقع، في تراثنا وعقيدتنا، سوى على الحدود والعقوبات، ونقوم بتكييفها، كي تتجول الى سيف مسلط على الناس، فذلك يجعلنا على مقربة من نظريات داعش.

وأن يتحدث مفتي الديار السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، أن داعش والقاعدة أعدى أعداء الاسلام، فهذا حديث جيد، يجيء في وقته، ويستحق كل تنويه إيجابي، على أن ذلك يقتضي الخروج من التشدد المفرط، كالذي تمثله هذه الأحكام الصادرة، حتى لا تنشأ غداً أجيال تتشرّب هذا الإفراط في التشدد، ويستهويها الغلو، وتصبح مهيأة لاعتناق أفكار جماعات ديدنها التطرف، كجماعات القاعدة وداعش وأضرابهما.