هدنة تجارية مؤقتة...استمرار الصراع رغم اتفاق مرتقب بين أميركا والصين

13 يناير 2020
أميركا والصين تبادلتا فرض رسوم عقابية (Getty)
+ الخط -

بينما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مقابلة مع تلفزيون "إيه بي سي"، في ولاية أوهايو، قبل أيام، الاتفاق التجاري الأولي المنتظر توقيعه مع الصين، بـ"الكبير"، إلا أن مؤسسات مالية عالمية وخبراء اقتصاد يرون عكس ذلك، حيث يندرج الاتفاق في إطار سياسة الخطوات الصغيرة، وربما الهدنة المؤقتة التي يرغب ترامب في الحصول عليها، لتمرير أوراق بقائه لولاية ثانية في البيت الأبيض.

وعلى عكس ما يروج الرئيس الأميركي، من أن الرسوم الجمركية التي فرضها على الصين أصابت الهدف وأدت إلى إذعان بكين لمطالبه، يرى خبراء اقتصاد أن الصين استفادت كثيراً عبر مد أذرعها التجارية بشكل أكبر نحو الكثير من الأسواق، لا سيما في آسيا وأفريقيا وحتى أوروبا، لتجاوز آثار القيود التي فرضها ترامب على دخول السوق الأميركية.


كما لم يخف مسؤولون صينيون رغبتهم في أن يصوّت الأميركيون لترامب لفترة رئاسية ثانية، لأن الصين أضحت مستفيدة فعلياً من سياساته.

ومن المقرر أن يتوجه نائب رئيس الوزراء الصيني، ليو هي، إلى واشنطن، اليوم الاثنين، في زيارة تستمر حتى الأربعاء، للتوقيع على اتفاق "المرحلة الأولى" التجاري مع الولايات المتحدة، وفق ما أفادت وزارة التجارة الصينية، يوم الخميس الماضي.

ويأتي الإعلان الصيني عن الزيارة، بعدما كشف الرئيس الأميركي، نهاية الشهر الماضي، أن البلدين سيوقعان على اتفاق المرحلة الأولى في 15 يناير/كانون الثاني.

ويشمل الاتفاق، وفق مسؤولين أميركيين وصينيين، بنوداً تتطرق إلى حماية الملكية الفكرية والمنتجات الغذائية والزراعية والخدمات المالية والعملات الأجنبية، إضافة إلى بند مرتبط بحل النزاعات.


وقبل نحو شهر، أعلن ترامب تخليه عن فرض دفعة جديدة من الرسوم الجمركية المشددة التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، على نحو 160 مليار دولار من المنتجات الصينية، وكان مقررا وصولها إلى 25 بالمائة بدلاً من 16 بالمائة، كما خفضت الإدارة الأميركية الرسوم على بضائع أخرى بقيمة 120 مليار دولار، إلى النصف، لتصل إلى 7.5 في المائة بدلا من 15 بالمائة.

لكن رسوما جمركية أميركية بنسبة 25 في المائة، لا تزل مطبقة على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار، تشمل الآلات والعديد من السلع الإلكترونية، كما لا يزال عملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي" ضمن قائمة سوداء وضعتها إدارة ترامب لمحاصرة الشركة الصينية في السوق الأميركية.


وعلى الصعيد الصيني، علقت لجنة التعريفات الجمركية التابعة لمجلس الدولة، رسوما جمركية كان من المقرر فرضها على بعض السلع الأميركية، ابتداء من 15 ديسمبر الماضي.

ورغم أجواء التهدئة المتبادلة، إلا أن وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية قالت، في تقرير لها نهاية ديسمبر، إن التوترات التجارية بين واشنطن وبكين "لم تنته بعد، ما يعني أن مخاطر تصاعدها ما تزال قائمة".


وأضافت الوكالة أن "الحرب التجارية ما تزال بعيدة عن نهايتها، حتى مع وجود اتفاق المرحلة الأولى"، لافتة إلى أن معدل التعرفة الأميركية الذي تم خفضه على الواردات الصينية إلى 16 بالمائة، مقارنة مع 25 في المائة قبل الاتفاق الأولي، ما يزال أعلى بكثير من مستوى 3 بالمائة قبل بدء الحرب التجارية.

وحثت غرفة التجارة الأميركية، يوم الخميس الماضي، إدارة ترامب، على إزالة الحواجز أمام التجارة، والحد من استخدام التعريفات الجمركية. وقال توماس دونوهيو، الرئيس التنفيذي للغرفة، خلال ندوة بمناسبة دخول عام 2020: "دعونا لا ننسى أن الشركات والمستهلكين الأميركيين هم من يدفعون التعريفات".


ويبدو أن ترامب أراد من اتفاق المرحلة الأولى مع الصين، عدم إغضاب المستهلك الأميركي، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. فقد نقلت إذاعة صوت ألمانيا، في وقت سابق من يناير الجاري، عن توماس ييغر، خبير العلوم السياسية في جامعة كولونيا الألمانية قوله إنه لا يتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاقية تجارية شاملة بين الولايات المتحدة والصين، تذهب أبعد إلى ما تم التوصل إليه في الاتفاق الجزئي، لأنه لا يوجد إطار مشترك لإبرام هذا النوع من الاتفاقات.

ومنذ صعود ترامب إلى الحكم في بداية عام 2017، وإعلان استراتيجية احتواء الصين، بات من الواضح أن أكبر اقتصادين في العالم دخلا مرحلة جديدة من التنافس على بناء "النظام العالمي الجديد"، بغض النظر عن الهدنة المؤقتة التي يمثلها الاتفاق الأولي بين بكين وواشنطن لتهدئة التوتر التجاري والتقني، ذلك أن الصراع بين العملاقين التجاريين سيظل قائماً على تشكيل "النظام الجديد".


وتتبادل بكين وواشنطن، منذ مارس/آذار 2018، فرض رسوم جمركية عقابية على ما يساوي مئات مليارات الدولارات من البضائع، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.

ويرى برلمانيون أميركيون وخبراء اقتصاد أن إدارة ترامب قدمت تنازلات في صراعها مع الصين، على عكس ما يجري الترويج له، فقد قال تشاك تشومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وفق وسائل إعلام أميركية، بعد الإعلان عن بنود "الاتفاق الأولي" منتصف الشهر الماضي، إن ترامب "قدم كل التنازلات مقابل وعد مؤقت لا يمكن الوثوق به من الصينيين بزيادة مشترياتهم من فول الصويا" الأميركي.


ورغم محاولات كبح التجارة الصينية، فإن واشنطن لم تنجح في هذه المعركة وفق المؤشرات الرسمية الصادرة من العملاقين الاقتصاديين، ما دعا الرئيس الأميركي إلى الاعتراف، في أكثر من مناسبة، بأن بلاده خسرت الحرب الصناعية مع الصين منذ زمن طويل.

وتشير الإحصائيات الرسمية الأميركية إلى أن التصنيع يشكل حالياً حصة أقل من إجمالي مكونات الاقتصاد الأميركي وسوق العمل، مقارنة بما كان عليه الحال قبل صعود ترامب للحكم، إذ سجل القطاع 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثاني من العام الماضي، وفقا لبيانات وزارة التجارة الأميركية.


كما أظهرت البيانات الصادرة مؤخرا عن معهد إدارة الواردات، تدهور نشاط التصنيع في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى منذ 2012. وقال ديفيد دولار، كبير الخبراء في معهد العلاقات الاقتصادية الأميركية - الصينية، في تصريحات نشرتها "العربي الجديد" نهاية الشهر الماضي، إن "قطاع التصنيع كان يوفر 8.1 في المائة من العمالة في المدن عندما انتخب ترامب، واليوم النسبة لا تزال كما هي ولم تتغير".

وفي مقابل انكماش قطاع التصنيع في أميركا، فإن الصين تتمدد في الأسواق العالمية، بسبب رخص اليد العاملة والتمويل والتقنية التي وفّرتها البنوك والشركات العالمية التي هاجرت خلال العقدين الأخيرين إلى الصين بحثاً عن الربحية العالية.


وخلافاً لما يثار في العلن بشأن أضرار الحرب التجارية على الصين، قالت نشرة "فورن بوليسي" الأميركية، في تحليل حديث، إن كبار المسؤولين والخبراء الصينيين الذين اطلعت على آرائهم يفضلون إعادة انتخاب ترامب في الانتخابات الأميركية المقبلة.

وحسب النشرة، يرى المسؤولون الصينيون أن "سياسة ترامب منحت الصين فرصة لتوسيع نفوذها في آسيا وإضعاف الزعامة الأميركية".


وقال إيرا كاليش، كبير الاقتصاديين في شركة "ديلويت توش توهماتسو المحدودة"، إحدى أكبر شركات الخدمات في العالم، إن تغيير السياسات التجارية، خاصة في الولايات المتحدة، كان له تأثير تخريبي على الاقتصاد العالمي.

وأوضح كاليش، على هامش مشاركته في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية لعام 2020، الذي عُقد في لاس فيغاس يوم الأربعاء الماضي، أن "الحرب التجارية أطلقت العنان لدرجة عالية من عدم اليقين، فلم تعد الشركات تعرف ما إذا كانت التعريفات الجمركية ستزداد أم ستتباطأ، وما هو نوع الانتقام الذي سيحدث إذا ما فرضت الولايات المتحدة تعريفات مماثلة لتلك التي طبقتها على الصين، وعلى دول أخرى مثل المكسيك وفيتنام، والتي هددت بتنفيذها".


وحذرت مؤسسة فيتش، في تقرير في نوفمبر/تشرين الثاني بعنوان "عالم من المخاوف: المخاطر في 2020"، من ارتفاع حدة القيود التجارية بين الدول، والتي من شأنها التأثير سلباً على النمو العالمي، لافتة إلى أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين دخل قائمة النزاعات التجارية الأكثر خطورة على الاقتصاد العالمي.

المساهمون