وقبل المستشار سبستيان كورتز استقالة شتراخه التي قدمها في مؤتمر صحافي عند ظهر اليوم، بعدما شكلت فضيحة الفيديو الذي يظهر فيه كذلك ساعد شتراخه الأيمن نائب عمدة فيينا سابقا، يوهان غودينوس، صدمة غير مسبوقة في فيينا.
ويظهر في الفيديو غودينوس، وهو يتلقى عرضا باستثمار مالي من قبل سيدة روسية، تظاهرت أنها قريبة أحد أثرياء النخبة الروسية في موسكو، لتعزيز حظوظ اليمين القومي المتعصب أثناء الانتخابات النمساوية العام الماضي.
وعنونت صحيفة دير شبيغل الألمانية مساء أمس: "هل نائب المستشار النمساوي للبيع؟" وفي الفيديو يظهر شتراخه وهو يجلس في إحدى الفلل السياحية الصيفية على جزيرة إبيثا الإسبانية مع "سيدة الأعمال" الروسية وساعده الأيمن مسترخيا في مفاوضات تلقي المال الروسي لتعزيز حظوظه في الحملة الانتخابية.
ويظهر التسجيل بحسب ما ذهبت الصحف الألمانية والنمساوية اليوم مفاوضات حول استثمارات كبيرة تتعلق بالحصول على رخص بناء كازينو وبيع فندق فخم وبناء طريق سريع بأموال مستثمرين روس. بل ذهب النقاش إلى إمكانية استحواذ هؤلاء على أشهر وأكثر الصحف النمساوية توزيعا، كرونن زايتونغ.
وحسبما ذكرت "دير شبيغل"، فإن ذلك الاجتماع جاء قبل أسابيع من توجه النمسا لانتخابات برلمانية، وأن ساعده الأيمن غودينوس جرت ترقيته بعد الانتخابات، ليكون رئيس المجموعة البرلمانية للحزب اليميني المتطرف، حزب الحرية.
وما يكشف عنه في فضيحة الفساد السياسي والمالي هذه أن الطرفين، سيدة الأعمال، وساسة حزب الحرية، ورئيس مجموعته البرلمانية، غودينوس، كان يدور حول الملايين من اليوروات، وهو ما يرمي بالظنون اليوم إلى أن ذلك الحديث ربما أنتج عمليا شيئا ما جعل شتراخه رجلا قويا في إيصال المستشار سبستيان كورتز إلى منصبه.
وعليه تقرأ فضيحة اليوم على أن ارتداداتها ستطاول كل معسكر اليمين المحافظ في حزب الشعب النمساوي والحرية المتشدد الحاكمين في فيينا. بل إن بعض التعليقات تذهب إلى إمكانية "البحث في الدور الروسي الخفي في تدعيم أحزاب وحركات التعصب القومي في أوروبا".
وقدمت المرأة الروسية نفسها على أنها أليونا ماكاروفا، وأنها مواطنة من لاتفيا (دولة من دول البلطيق وفيها أقلية روسية كبيرة) وتحدثت عن استثمارات واعدة لمستثمر متعطش للعمل في فيينا بقيمة 250 مليون يورو وأكدت أن "المبلغ لا يمكن أن يودع في البنك لأنه في الواقع غير قانوني تماما"، وفقا لشبيغل.
ويجري اليوم السجال حول ما إذا كان ما جرى مناقشته يصنف في خانة الأعمال الاجرامية، وهو ما يمكن أن يفجر الساحة السياسية النمساوية، خصوصا إذا ما تأكد أن المال الروسي ساهم في نجاح حزب الحرية اليميني المتطرف، ما يعني وجود مجرمين في مكاتب الحكومة النمساوية، وفقا للصحافة.
وأعلنت مجلة شبيغل وصحيفة سوددوتشه أن "المصدر معروف لدينا ولكنه أصر على أن يبقى يشار إليه كمجهول". وأشارت الوسيلتان إلى أن ما جرى بثه "جرى التحقق منه من مصدرين خارجيين لتأكيد صحة التسجيلات والأصوات".
والمثير أيضا قول شتراخه "نريد أن يكون لدينا إعلام على طريقة (رئيس وزراء المجر) فيكتور أوربان"، وذلك أثناء مناقشة إمكانية شراء صحيفة كرونن زايتونغ، حيث لم يتردد الرجل بوصف الصحافيين "أكبر العاهرات على وجه الأرض". وهو موقف يذكر تماما بمواقف اليمين القومي المتعصب في عدد من الدول الأوروبية من الصحافة، وأشبه بموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يفتح تساؤلات جدية عن مصدر هذا التفكير شبه الموحد تجاه وسائل الإعلام، ومحاولة الاستحواذ عليها، كما الحال في بودابست، وغيرها، لتمرير ما يريده اليمين المتطرف.
شبيغل الألمانية أثارت أخطر ما يجري التخمين والتكهن به في النمسا الآن عن "اختراق الاتحاد الروسي لأجهزة الأمن والاستخبارات في النمسا"، وهو أمر جرى التطرق له سابقا من خلال الكشف عن أحد عملاء الكرملين.
الكشف عن الفضيحة السياسية المدوية يبدو بحسب ما يتوارد من تعليقات في فيينا أن النمسا "ربما تجد نفسها مضطرة للذهاب نحو انتخابات مبكرة"، هذا إلى جانب فتح تحقيقات قضائية بعد أن تحولت الفضيحة إلى قضية رأي عام ضخمة يتناقلها النمساويين بشكل غير مسبوق على وسائل التواصل.
واضطر المستشار سبستيان كورتز للدعوة إلى اجتماع طارئ ليلة أمس، بعد انتشار أخبار هذه الفضيحة. ويبدو فعلا أن الحكومة ذاهبة نحو حل نفسها، فيما يؤكد مكتب المدعي العام أنه سوف يباشر بحث ما جرى من جانب شتراخه وغودينوس، وهي قضية يمكن أن تطيح مستقبل الرجلين وتؤثر تأثيرا كبيرا على حزب اليمين المتشدد. وكل ما ذكره شتراخه بعد انكشاف شريط الفيديو "لم أرتكب أي خطأ، ولم ندخل في أية اتفاقيات ولم نحصل على أموال (من الروس)".
ويذهب مراقبون إلى هذه الفضيحة السياسية قد تؤدي إلى انهيار حكومة الائتلاف اليميني وتدفع النمسا نحو انتخابات مبكرة، وبانتظار ما ستتمخض عنه هذه السجالات يبدو أن الفضيحة الأكبر في تاريخ النمسا السياسي الحديث، ماضية نحو التدحرج والانفتاح على ملفات أخرى كثيرة ثارت حولها شبهات عديدة منذ أن ارتفع صوت اليمين القومي المتطرف خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عن ذلك من ارتدادات تمسّ الأحزاب الأوروبية الأخرى وعلاقاتها المباشرة وغير المباشرة بالكرملين، وتحديدا بالمحيطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.