استفاقة فرنسية على مؤتمر للسلام... حسابات داخلية لهولاند

28 مايو 2016
لم يُخفِ فالس انحيازه إلى إسرائيل (Getty)
+ الخط -
جاء تحرك الدبلوماسية الفرنسية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مفاجئاً للبعض، مع توجّهها لعقد مؤتمر للسلام في باريس، عبر إطلاق رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس مبادرة سلام رفضها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على الرغم من كل مظاهر الصداقة لإسرائيل التي حرص المسؤول الفرنسي على إظهارها. ولكن الوقت يضغط على الإدارة الفرنسية، ولم يتبقّ أمام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سوى سنة أو أقل، وهي فترة غير كافية لتحريك ملف طويل وشائك، كما أنها غير كافية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية، ولعل المعركة التي تخوضها الحكومة ضد أكبر النقابات الفرنسية (الكونفدرالية العامة للعمل)، حول قانون العمل الجديد، الدليل الدامغ على أهمية عامل الوقت.
ولا يتوقف اليمين الإسرائيلي الحاكم والمتحالف مع كل الأطياف المتطرفة، الدينية والقومية في المجتمع الإسرائيلي، عن إهانة فرنسا. وقد أثبت نتنياهو براعة في إغضاب المسؤولين الفرنسيين، الأكثر قرباً من إسرائيل والأكثر تفهّماً لموقفها، من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي طبعتْ إسرائيل صورَتَهُ على طابع بريدي، وهو ما لم تفعله لأي زعيم سياسي غير إسرائيلي من قبل، إلى فالس، الذي أكد أن زواجه من سيدة إسرائيلية ربط مصيرَه بإسرائيل إلى الأبد، إلى هولاند، الذي "تفهَّم"، في وقت مبكر، المحرقة الإسرائيلية في غزة.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أنه كان أمام الحكومة الفرنسية الوقت الكافي لفعل شيء تجاه الصراع في الشرق الأوسط، ولكنها لم تفعل، لأنها لم تُرد إغضاب المسؤولين الإسرائيليين، خصوصاً نتنياهو. فبعد أن اعترف البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ، بالدولة الفلسطينية المستقلة، لم تقم الحكومة الفرنسية بخطوة مماثلة، وظلت تتمترس خلف معاودة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهي تعرف مسبقاً أن إسرائيل لا تريد التفاوض وإنما تحاول فرض أمر واقع.
هذا الموقف الرسمي الفرنسي انتقده بشدة الوزير الاشتراكي السابق بُونْوا هامون، المحسوب على يسار الحزب الاشتراكي، والمؤيد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، الذي أعرب عن قلقه من رفض فرنسا ممارسة ضغوط على إسرائيل. وأشار هامون إلى تراجع فالس في القضية الفلسطينية، مذكّراً بتصريح وزير الخارجية السابق، لوران فابيوس، في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني 2016، بأنه في حال فشل المبادرة الفرنسية فإن "علينا أن نتحمّل مسؤولياتنا من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية". وشدد هامون على أن "مبدأ الاعتراف التلقائي في حال فشل مؤتمر 3 يونيو/ حزيران المقبل، يضمن جديّة وصرامة النوايا الفرنسية". وجدير بالذكر أن نتنياهو أعلن على الفور بأنه يرفض المشروع الفرنسي حول مؤتمر دولي، واقترح في المقابل أن تستقبل باريس مفاوضات ثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.


وتحدث الصحافي في جريدة "لوكنار أونشينه" كلود أنجيلي، عن الأسباب التي جعلت هولاند يستفيق فجأة، ويتجه نحو الشرق الأوسط. ولفت إلى أن العديد من مستشاري الرئيس الفرنسي قاموا بدور بالغ الأهمية في الإعداد للمؤتمر الدولي في باريس، من أجل دفع "مسار السلام الإسرائيلي الفلسطيني". لكن أنجيلي كشف عن أمر مهم في هذا السياق، أنه في نهاية عام 2015 بدأ طاقم هولاند يهتمون بأصوات شباب الضواحي. ففي الانتخابات الرئاسية عام 2012، توجّهت أغلبية من شباب الضواحي للتصويت لصالح هولاند. كما أن جمعيات عديدة في الضواحي حثّت الشباب على التصويت في الاتجاه ذاته. لكن في سنة 2017، إذا ترشَّح هولاند لولاية ثانية، فإن هؤلاء الشباب، المتحدّرين من الضواحي، لن يصوّتوا لصالحه، لأن كثيراً من الناخبين يعتبرونه مُوالٍ لإسرائيل، وفق أنجيلي.
وقال الصحافي الفرنسي إن هولاند لا يحتاج فعلاً لمستشارين ليكشفوا له حقيقة الأوضاع وضرورة عقد مؤتمر سلام، فـ"العديد من دبلوماسيي قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الشؤون الخارجية ومن زملائهم في مركز التحليل والتوقع والاستراتيجية أصدروا من قبل توجيهات في هذا الصدد، أهمها تتلخّص في الحصول على دعم دول الخمسة زائد واحد"، كما أن فابيوس ألحّ، قبل أن يغادر وزارة الخارجية، على جدوى عقد مؤتمر دولي في باريس، من أجل الانتهاء من "هذه المواجهة الأبدية بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وبالتالي كانت فكرة عقد مؤتمر سلام جاهزة، لكن الفرنسيين أرادوا إقناع نتنياهو، وهي مهمة حاول القيام بها، في البداية، وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، في 15 مايو/ أيار الحالي، ولكنه قوبل بصدّ إسرائيلي، خلال استقبال اعتبره كثيرون "مُهيناً" له. ثم جاء دور فالس، الذي لم يتوقف عن المجاهرة بأنه "صديق لإسرائيل"، ولم يُخف داخلياً وخارجياً، مواقفَ وتصريحاتٍ تصبّ في الموقف الإسرائيلي، خصوصاً انتقاد موقف منظمة اليونسكو، الشهر الماضي، من "كون القدس مدينة محتلة"، وأيضاً انتقاده مقاطعة البضائع الإسرائيلية في فرنسا والتضييق على ناشطي حملات المقاطعة (BDS)، إضافة إلى الخلط المُتعمَّد بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية. لكن فالس لم يَظفر خلال لقائه بنتنياهو سوى ببعض الابتسامات، وبرفض إسرائيلي للمشروع الفرنسي.