قد يؤدي استحواذ شركة "مايكروسوفت" على "تيك توك" إلى توسيع الهيمنة الأميركية على عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن قد يكون لهذه الخطوة بعض النتائج السلبية غير المقصودة أيضاً على الشركات الأميركية والإنترنت المفتوح.
وهذه الصفقة التي يتم التفاوض عليها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب ستمكّن "مايكروسوفت" من الحصول على موطئ قدم في عالم وسائل التواصل الاجتماعي سريعة النمو التي تركز على الشباب، والانضمام إلى صفوف منافسين مثل "فيسبوك".
وقال مدير مركز الابتكار التكنولوجي في معهد "بروكينغز إنسيتيوشن"، داريل ويست، إنه من شأن هذه الصفقة "تعزيز الهيمنة الأميركية في عالم التكنولوجيا عبر نقل منتج استهلاكي رئيسي من الملكية الصينية". وأضاف "لكنها قد تشجع أيضاً هيمنة نزعة قومية على البيانات من خلال تأجيج المطالبات في دول عدة بالسيطرة المحلية على منصات الإنترنت وتخزين البيانات داخل حدودها الوطنية".
وقال محللون آخرون إن الصفقة يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى على مسألة الإنترنت المفتوح، وهو موقف تدعمه واشنطن منذ فترة طويلة، على عكس الصين والأنظمة الاستبدادية الأخرى التي تقيد المحتوى عبر الإنترنت.
وأوضح المحرر في "ديجي تشاينا بروجكت" في "مركز السياسة الإلكترونية" في "جامعة ستانفورد"، غراهام ويبستر، أن "ذلك سيكون قراراً لا رجعة فيه في ما يتعلق بإدارة الإنترنت". وأضاف "ستؤدي هذه الخطوة إلى ظهور الولايات المتحدة بمظهر داعمة للموقف الصيني، وهو أنه إذا لم يعجبها الطريقة التي تعمل بها شركات بلد آخر يمكنها حظرها أو الاستيلاء عليها. ستكون هذه خطوة ضخمة".
أعلنت "مايكروسوفت" أنها تجري محادثات مع "بايتدانس"، الشركة الأم لـ"تيك توك"، للاستحواذ على عمليات التطبيق في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا ومعالجة مخاوف واشنطن بشأن أمن البيانات، في ضوء الادعاءات بأن المنصة الاجتماعية يمكن أن تصبح أداة تجسس.
وقال ترامب إنه من المرجح أن يوافق على مثل هذه الصفقة، وحدد موعداً نهائياً في منتصف سبتمبر/أيلول لعقدها قبل أن يحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة. وستمنح أي صفقة لشركة "مايكروسوفت" جزءاً كبيراً من قاعدة مستخدمي "تيك توك" الذي يقدر عددهم بمليار شخص غالبيتهم من الشباب.
وتأتي المحادثات على خلفية الهيمنة المتزايدة في كثير من أنحاء العالم لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تتخذ في الولايات المتحدة مقراً لها والمتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي والبحث والإعلان عبر الإنترنت والحوسبة السحابية وغيرها من القطاعات التي أصبحت أكثر أهمية خلال أزمة فيروس كورونا الجديد.
وقال المحلل في "مور إنسايتس أند ستراتيجي"، باتريك مورهيد، إن تحركات الولايات المتحدة قد تكون مبررة بسبب القيود التي تفرضها الصين على الشركات الأميركية العاملة في أراضيها. وتابع أن "الصين تفرض علينا هذه القواعد منذ 25 عاماً. إذا كنت تريد تأسيس شركة أميركية في الصين فأنت تحتاج إلى شخص محلي يملك نسبة 49 في المائة منها، وتحتاج إلى التخلي عن الملكية الفكرية. أما الشركات الصينية في الولايات المتحدة فلا تحتاج إلى مالك أميركي. وتريد الولايات المتحدة قواعد تجارية متماثلة".
وقالت الأستاذة ورئيسة "مركز التجارة الرقمية وإدارة البيانات" في "جامعة جورج واشنطن"، سوزان أرونسون، إن أي جهد للاستحواذ على جزء من "تيك توك" يمكن أن يواجه عقبات كبيرة ويؤدي إلى عواقب سلبية، موضحة أنه "لا يمكنهم تقسيم التطبيق، ولم يتم فعل أي شيء من هذا القبيل مطلقاً". وتابعت أن "تنمر ترامب على "تيك توك" و"بايتدانس" يمكن أن يشجع الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة وقد تكون ضد شركات أميركية تهيمن على النظام الحيوي للإنترنت غير الصيني. وقالت "إن فكرة الإنترنت بأكملها هي أن البيانات يجب أن تتدفق بحرية عبر الحدود. إذا كنت تتنمر وتتصرف كوطني، فإن الإنترنت يصبح أكثر انقساماً".
ولفت غراهام ويبستر إلى أن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى قد تواجه عواقب ما يمكن اعتباره "مصادرة" لتطبيق "تيك توك"، و"قد تكون مكلفة جداً إذا أجبرت إحدى هذه الشركات (الأميركية) على فصل جزء من عملياتها". والأهم من ذلك، أوضح ويبستر أن بيع "تيك توك" قسرياً سيمثل خطوة بعيدة عن العولمة التي أفادت عمالقة "سيليكون فالي". وتابع "كان موقف الولايات المتحدة يتمثل في أن الشركات يجب أن تكون قادرة على القيام بأعمال تجارية عبر الحدود وأن الانفتاح مفيد للشركات الأميركية"، مضيفاً أن هذه الصفقة "قد تؤدي إلى شكل من أشكال توطين الخدمات عبر الإنترنت" وهو الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة وشركاتها.
(فرانس برس)