استبدال الليرة السورية

30 سبتمبر 2015
مطالب باستبدال الليرة السورية في مناطق المعارضة (فرانس برس)
+ الخط -
أصدرت مؤخراً "اللجنة السورية لاستبدال عملة التداول في المناطق المحررة" التابعة للمعارضة السورية في مدينة حلب بياناً، قررت فيه البدء بتداول الليرة التركية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بهدف الضغط اقتصادياً على النظام، وللحد من تحكمه باقتصاد المناطق المحررة. وقد أثارت هذه الخطوة الكثير من ردود الفعل التي انقسمت بين مؤيدين يرون فيها خطوة أكثر من ضرورية، ورأي معارض يرى فيها تهديدا للسيادة الوطنية، وتمهد لاحتلال تركي للشمال السوري، ما قد يشكل مقدمة التقسيم. بطبيعة الحال، لا تنحصر المواقف بهذين الرأيين فقط، بل هناك من يرى بعض الإيجابيات، لكنه قد لا يتفق مع طريقة التنفيذ والإجراءات المرافقة. وقد نكون أقرب للرأي الثالث الذي يؤيد فكرة استبدال العملة، لكنه يتحفظ على ملابسات وإجراءات تنفذيذ هذه الخطوة.

اقرأ أيضا: الليرة سلاح الأسد السري
 
مبكراً، وفي سبيل تأمين استمرارية الثورة حتى تحقق مطالبها طرحنا فكرة ضرورة الفصل بين الاقتصاد السوري (اقتصاد الثورة) واقتصاد (مالية) النظام. بمعنى ضرورة حشد كل طاقاتنا للعمل على تمكين السوريين، ورفع قدرتهم على الصمود كضامن وحيد لاستمرار الثورة ونجاحها، وعدم إضاعة الوقت والجهد في قضايا جانبية كمسألة الضغط الاقتصادي على النظام، من خلال العقوبات أو من خلال ردات فعل صبيانية كالامتناع عن دفع فواتير الخدمات العامة. ربما كنا أول من تبنى هذا الطرح معتمدين على معرفة جيدة بطبيعة وهيكيلة اقتصاد النظام الذي أسسه حافظ الأسد؛ والذي يعتمد هيكيلة خاصة، هي عبارة عن شبكة علاقات مالية نجمية الشكل تتقاطع أذرعها في عائلة الأسد. تتنوع مصادر تمويل هذه الشبكة فجزء كبير يأتي من خارج الحدود، وجزء يأتي مما هو عابر للحدود، والباقي وتحديداً ما يخص المستويات المتدنية في هذه الشبكة يأتي من الاقتصاد السوري. لقد صمم حافظ الأسد نظامه بما يسمح لمؤيديه أن يعتاشوا على الاقتصاد السوري من خلال النهب والسرقة والرشوة. ويذكر لحافظ الأسد بأنه أول من أباح ونشر الرشوة على نطاق واسع في المجتمع السوري، والذي كان من أقل المجتمعات فساداً.

اقرأ أيضا: "المركزي" السوري يلحق عملته

مع تمكن نظام الأسد من الاقتصاد السوري، تم توظيف أسعار صرف العملة لخدمة مصالح هذا النظام دون أي مراعاة لمصلحة الاقتصاد. فالليرة السورية والتي حافظت على قيمتها منذ الاستقلال بما يعادل 3.92 ليرات سورية مقابل الدولار الأميركي، بدأت مع نهاية الثمانينيات مسيرة من الانهيارات، لتخسر خلال عشر سنوات ما يعادل أكثر من 13 ضعفاً من قيمتها وتستقر حول سعر 50 ليرة للدولار.

ومع اندلاع الثورة السورية، كان من البديهي أن يلجأ النظام إلى استخدام سلاح سعر الصرف. لنشهد أكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ المنطقة. إذ قام التحالف الدولي بفرض الليرة السورية كعملة تبادل وحيدة في جميع الأراضي السورية وفي مخيمات اللجوء، مع ضمان قابلية تحويلها في الأسواق المجاورة، على الرغم من كل الممارسات التي قام بها نظام الأسد، والتي لو قامت بها أية دولة أخرى لتم إعلان عملتها "عملة غير قابلة للتحويل". أقل هذه الممارسات كانت طباعة كميات مفتوحة من العملة في مطابع النظام أو في مطابع حلفائه، دون مراعاة لأبسط قواعد السياسات النقدية المعروفة. وبالرغم من كل الانهيارات التي شهدها سعر صرف الليرة السورية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التحالف الدولي لإنقاذ الأسد ما يزال يفرضها كعملة تبادل وحيدة للسوريين أينما وجدوا.

اقرأ أيضا: تدهور الليرة السورية ينذر بمزيد من الأزمات

في ضوء هذه الانهيارات المتلاحقة في قيمة العملة السورية التي لم تعد قادرة على القيام بكل الأدوار المناطة بأي عملة، وأهمها دور الحافظ والمعادل للقيم. وفي ضوء تلاعب نظام الأسد بأسعار الصرف، بما أتاح تحويل قسم من ثروة السوريين إلى جيوب النظام وإلى تمويل آلة حربه عليهم. بالإضافة إلى عمليات النصب التي يتبعها نظام الأسد لتدوير الليرة، ولعبة التحويل إلى العملات الصعبة، والتي وفرت كميات هائلة من القطع الأجنبي، ذهبت لمجهود الحرب التي يشنها على شعبه. كان لزاماً على القيادة الاقتصادية للمعارضة، استبدال الليرة أو الاستعاضة عنها بعملة أو بسلة عملات أكثر استقرارا.

وعليه فخطوة إدخال الليرة التركية كعملة تبادل سيكون مرحباً بها لو تمت بطريقة أكثر وضوحاً، فما تم حتى الآن لا يقدم أي إجابة منجزة عن مسائل عدة مهمة منها:
- مسألة الحدود الجغرافية لتبادل العملة الجديدة.
- مسألة المدة الزمنية المتاحة لإنجاز عملية استبدال العملة.
- مسألة الكمية المراد استبدالها. هل سيتم قبول استبدال أي كمية معروضة من الليرة السورية إلى الليرة التركية؟ كيف نضمن ألا تتحول هذه العملية إلى مصدر تمويل جديد للنظام السوري؟
- من هي الجهة المسؤولة عن عمليات التحويل: مراقبة أسعار الصرف بين العملتين و تأمين الكميات المطلوبة من كلا العملتين ومن جميع الفئات المتداولة؟

اقرأ أيضا: هل انهيار الليرة السورية يعني سقوط النظام؟

أسئلة كثيرة تطرح؛ ولذا من الأجدى أن تقدم هذه الخطوة ضمن مشروع متكامل يشمل جميع الأراضي السورية لاستبدال العملة التي يسيطر عليها نظام الأسد بشكل تدريجي، عن طريق إدخال عملات أخرى أكثر استقراراً.
(خبير اقتصادي سوري)