ولم تمض سوى ساعات بعد تأكيد وزير الخارجية، فيليب هاموند، أمام لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني أنّ بلاده تريد حصول تغيير سياسي في سورية، ولا ترغب في سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، حتى سارع المبعوث البريطاني إلى سورية، غاريث بايلي إلى التغريد عبر موقع "تويتر"، مؤكداً أنه لا يمكن التفاوض مع الأسد، وأنّ بريطانيا تريد رحيل الأسد، إذ لا مستقبل له في سورية.
تصريحات هاموند التي تفيد بأن انهيار مؤسسات الدولة في سورية لن يكون له نتائج إيجابية، قرأها مراقبون على أنها تغيير في الموقف البريطاني من نظام الأسد. فيما اعتبرها آخرون تقديماً لأولوية مقاتلة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على إسقاط النظام. كما اعتبر مراقبون أن تصريحات هاموند تعكس أيضاً، حدوث تغيّر جذري في خطاب الدبلوماسية البريطانية التي لطالما أكّدت مراراً على موقفها من ضرورة حصول تحول سياسي في سورية، وتشكيل حكومة تمثّل مختلف السوريين، والاستمرار بدعم "المعارضة المعتدلة".
الأمر الآخر الذي يؤكد التحول في السياسة البريطانية، يتمثل في سعي رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للحصول على موافقة البرلمان البريطاني على المشاركة في الضربات الجوية ضد "داعش" في سورية، وسط انتقادات واسعة تعتبر أن تصعيد التدخل العسكري في سورية، على النحو الذي اقترحه كاميرون، قد يضع بريطانيا في نهاية المطاف، في موقع التحالف مع نظام الأسد الذي سبق لحكومة لندن أن وصفته بـ"غير الشرعي"، على حد تعبير الكاتب روبرت فيسك، الذي قال: "علينا الاعتراف بحقيقة بسيطة، وهي أن قصف داعش في سورية يساعد نظام بشار الأسد على البقاء".
اقرأ أيضاً: طيارون بريطانيون شاركوا بضربات في سورية ضد "داعش"
ويرى منتقدو الحكومة البريطانية أن التغيير في أولويات الاستراتيجية البريطانية، وتقديم هزيمة "داعش" على أولوية إسقاط نظام الأسد، ينطوي على مغامرة وعواقب سلبية، لا سيما إذا ما فشلت هذه الاستراتيجية بإلحاق الهزيمة بالتنظيم، وبالإضافة إلى ذلك، تكون قد ساعدت النظام على البقاء.
ويشير المنتقدون إلى أنّه من ناحية، يحتاج توسيع العمليات البريطانية فوق أو داخل سورية، إلى اتفاق ضمني مع الأسد، وهو ما سيضع لندن في موقف التعاون مع النظام. كما من شأن هذا التعاون أن يضر بالمعارضة السورية المعتدلة أكثر مما يضر بـ"داعش". ومن ناحية أخرى، فإن توسيع المشاركة البريطانية الجوية المتواضعة لن يُحدث فرقاً في الميدان. وكما يقول فيسك، فإن "انضمام ثماني مقاتلات تورنادو رابضة في جزيرة قبرص، لن يغيّر مسار المواجهة، لا سيما بعدما فشلت 5000 غارة أميركية أو ما يزيد، على مواقع التنظيم في منعه من التقدم في العراق وسورية، فضلا عن تمدده في اليمن وليبيا". وتابع فيسك، أنّ "انهيار الموصل والرمادي والفلوجة في العراق، وسقوط تدمر في سورية، أثبت فشل الضربات الأميركية في استئصال خطر داعش أو حتى وقف تمدده".
أما على المستوى الداخلي، فتخشى أوساط بريطانية أن يؤدي توسيع التدخل العسكري البريطاني في سورية والعراق إلى أمرين خطرين. يتمثل الأول، باستفزار وتأجيج مشاعر الجالية المسلمة، ودفع المزيد من الشباب البريطاني المسلم نحو التطرف، وسيشكل ذلك ضربة قوية لكل الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة البريطانية في السنوات الأخيرة. ويتمثّل الأمر الثاني، في خشية البعض من غرق القوات البريطانية في وحل حرب أخرى في الشرق الأوسط، وهي لم تكد تخرج من تداعيات مشاركتها العسكرية في العراق وأفغانستان.
وتتجلى المخاوف في ما يخصّ النقطة الأخيرة، في صفوف حزب المحافظين أكثر من غيره، إذ تبدي أوساط حزبية خشيتها من انجرار كاميرون وحكومة حزب المحافظين إلى حرب خاسرة ومكلفة، تؤدي إلى خسارة الحزب لموقعه الحكومي، تماماً كما خسر رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير وحكومة العمال موقع الحكومة بعد التورط في حربي أفغانستان والعراق.
وعلى المستوى الدولي، وبينما يقدّر كاميرون أن توسيع الدور البريطاني في سورية، سيقنع حلفاءه، وخصوصاً واشنطن، بأنه طرف فاعل ومؤثر على المستوى العالمي، تخشى بعض الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية أن تأتي استراتيجية كاميرون بنتائج مناقضة، بحيث يمثل بقاء الأسد انتصاراً لحليفه الروسي فلاديمير بوتين، الذي لن يتأخر في وصف التدخل العسكري البريطاني في سورية بـ"البلطجة" الغربية، باعتبارها تحدياً صارخاً للقانون الدولي، وكأنه بذلك يرد الضربة للغرب الذي لا يكف عن مهاجمة سلوك روسيا في أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: كاميرون عازم على التدخّل ضدّ "داعش" في سورية