أثار تحسن سعر صرف الليرة السورية، أمام الدولار والعملات الرئيسية، بأكثر من 20% خلال شهرين، تخبطاً بمراكز صنع القرار في دمشق، بعد زيادة المطالبات الشعبية بتعديل أسعار السلع والمنتجات المستوردة، وفق سعر الصرف الجديد.
وقالت مصادر مطلعة إن عددا كبيرا من التجار أبدوا تذمرا جراء خسائرهم التي اقتربت من ربع تجارتهم، بفعل العقود الموقعة وفق سعر الدولار 520 ليرة سورية، وكان آخرها خلال معرض دمشق الدولي الذي استضافته دمشق خلال أغسطس/آب الماضي.
ويرى اقتصاديون سوريون أن تحسن سعر صرف العملة السورية من نحو 540 ليرة مقابل الدولار قبل شهرين، إلى نحو 420 ليرة خلال تعاملات الأسبوع الماضي، إنما يعود لأسباب نفسية وسياسية بحتة، وليس لعوامل اقتصادية تتعلق بتحسن الإنتاج أو الصادرات أو الاحتياطي النقدي.
في المقابل، ينسب مسؤولو نظام الأسد، تحسن الليرة إلى الخطط الاقتصادية والسياسة النقدية التي اعتمدها مصرف سورية المركزي منذ وصول دريد درغام، لرئاسة المصرف المركزي منذ منتصف العام الماضي.
ويقول وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بحكومة بشار الأسد، سامر محمد الخليل، إن الحكومة تتابع بشكل دقيق كل تغيرات أسعار الصرف الموجودة، وإنها تتحكم في الأمور بشكل ممتاز على مستوى النقد الأجنبي، وقد أبدت استعدادها لمتابعة دعم الصادرات السورية إلى الخارج بشتى السياسات والطرق للاستمرار في سياسة تصدير ناجحة، بما يؤهل القطاعات الإنتاجية لمزيد من العمل وفرص التشغيل.
ويقول مسؤولون سوريون إن الحكومة حسمت مسألة تعاطيها مع سعر الصرف، بتأكيدها أن خطوات المصرف المركزي ستكون واضحة فيما يخص طرح شهادات الإيداع وسعر الفائدة المشجع ودعم الصادرات، إضافة إلى خطوات أخرى سيتخذها مجلس النقد والتسليف لاحقاً.
عامل نفسي
من جهته، يقول الأكاديمي السوري فارس عبد الله، إن تراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، أصبح هاجس الجميع، فالأغنياء يخشون على مدخراتهم بالدولار، والفقراء ينتظرون نزول الأسعار، والكل يسأل عن سبب حدوث ذلك، وما هو مستقبل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار؟
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن أهم أسباب تراجع سعر صرف الليرة، هو تراجع ميزان المدفوعات والعقوبات الاقتصادية على سورية وتراجع الإنتاج المحلي، ما أفقد الليرة أهم وظائفها، وهو أن تكون مستودعاً آمنا للقيمة، ما دفع المدخرين لاستبدالها بالعملات الأجنبية والمعادن النفيسة.
ويتساءل الأكاديمي السوري، قائلا: "لكن لماذا تحسن السعر على هذا النحو الكبير وفي زمن قياسي، رغم أن المؤشرات الاقتصادية لم تتغير؟ أعتقد أن السبب يعود للعامل النفسي، نتيجة سيطرة الجيش على أهم مناطق إنتاج الغذاء والنفط، ما دفع السوريين لاستعادة الثقة بعملتهم"، لافتا إلى أن هذا العامل آني وقصير الأجل، ما لم يترافق مع المؤشرات الاقتصادية الكلية.
ويعتبر الاقتصادي السوري عبد الله، أن التخبط بالقرار الحكومي اليوم، يعود لأسباب كثيرة، أهمها عدم وجود بيانات اقتصادية يحتكم إليها الاقتصاديون وأصحاب القرار، مشيراً إلى أن حاكم مصرف سورية المركزي، دريد درغام، دعا السوريين للاحتفاظ بالدولار وعدم الاستجابة لشائعات السوق السوداء، لأن المضاربين والتجار المحتكرين هم من تأذوا.
صعود مزيّف
ويرى المحلل الاقتصادي، نوار طالب، أن الانخفاض الحاد بسعر الدولار في الأسواق السورية، مؤقت، وسيعاود الدولار إلى عتبة 450 ليرة، وقد يتصاعد سعر صرفه ليصل إلى 500 ليرة مطلع العام الجديد، لافتا إلى أنه لا توجد أية أسباب اقتصادية وراء تحسن سعر صرف الليرة المفاجئ، والذي تعدى 20% خلال شهرين.
وقال طالب لـ "العربي الجديد": "سنرى قريباً عرضا كبيرا للعملة السورية نتيجة الخوف وبيع الدولار، ما سيؤدي لزيادة أسعار السلع والمنتجات بدل تخفيضها وارتفاع سعر صرف الدولار، ربما لأكثر من 500 ليرة".
وأضاف المحلل السوري أن أسباب تحسن سعر الصرف، هي نفسية وسياسية بالدرجة الأولى، كما أن المضاربات بمناخ مفتوح أمّنته قرارات مصرف سورية المركزي، زادت من تذبذب أسعار الصرف، مشيرا إلى إلزام المصرف المركزي الشهر الماضي، المصارف بتنفيذ الحوالات الواردة من الخارج لأغراض شخصية حصراً بالليرة السورية، وفق سعر الحوالات الذي يحدده المركزي وهو أقل من سعر السوق السوداء.
أما الحوالات لأغراض تجارية، فعلى المستفيد من الحوالة تقديم وثائق وتعهد خطي باستعمالها لأغراض تجارية، فضلاً عن تعليمات سابقة للمصرف المركزي تحدد حجم الحوالات الخارجية.
وتابع المصرف المركزي قراراته الارتجالية، وفق تعبير طالب، ليصدر الثلاثاء الماضي قرارا بتخفيض سعر الصرف الرسمي إلى ما دون سعر الصرف المتداول في السوق الموازية بدمشق، وقريباً من متوسط الأسعار المتداولة في باقي المحافظات، مسجلاً 434 ليرة سورية كسعر حوالات خارجية، بتخفيض 56 ليرة عن آخر سعر له وهو 490 ليرة .
وأثارت قرارات المركزي مخاوف مكتنزي الدولار وشركات الصرافة، فانخفضت أسعار الصرف في السوق الموازية إلى ما دون مستوى 400 ليرة، وكان أعلى سعر متداول هو في دمشق بين 415 و425 ليرة.
وحذر المحلل طالب، أن ثمة من يسعى لجر الدولار لسعر منخفض كي يشتري، ليحقق المكاسب بعد الارتفاع المتوقع، بمجرد إزالة القيود التي فرضها المصرف المركزي، سواء على السحب أو الحوالات الخارجية، لافتاً إلى أن هذا "العبث" سيؤدي لجمود في الحركة التجارية، نتيجة عزوف وخسائر التجار، وأيضاً بالتعاملات الاقتصادية بشكل عام، لأن الباعة اشتروا سلعهم بأسعار عالية، ما سيدفعهم للاحتكار وانتظار مصير الليرة.
فجوة مفاجئة
ورغم تحسنها تبقى قيمة الليرة بعيدة تماما عن مستوياتها قبل الثورة، عندما كان الدولار لا يتجاوز 48 ليرة سورية.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الأسبق، نضال الشعار، إن السياسة الجديدة لمصرف سورية المركزي خلقت فجوة مفاجئة في السوق وشكلت هجرة مفاجئة وقوية للدولار من السوق الرسمي بما فيه المصارف إلى السوق الحر.
وأضاف الشعار، خلال منشور على صفحته بموقع التواصل فيسبوك، قائلا: "لفترة طويلة نسبياً اعتمد المصرف المركزي سياسة الانصياع لمحركات وعوامل سوق الصرف الحر، حتى أنه في بعض الأحيان كان يشتري الدولار بسعر السوق السوداء أو أعلى منها".
وتابع: "لكن فجأة قرر المركزي اعتماد سياسة جديدة فيما يخص التحويلات والحيازة والإيداعات وخروج ودخول العملة. هذه السياسة خلقت فجوة مفاجئة في السوق وشكلت هجرة مفاجئة وقوية للدولار من السوق الرسمي بما فيه المصارف إلى السوق الحر".
ضربة للتجار
وأكد حاكم مصرف سورية المركزي، أول من أمس، أن الحكومة عمدت من خلال خفض سعر الدولار إلى إيصال رسالة للمستوردين الذين اشتروا البضاعة وكدسوها واحتكروها في مخازنهم خلال الفترة الماضية بأنه آن الأوان لأن تتوقف الاحتكارات.
وأضاف درغام خلال تصريح صحافي، أن المصرف المركزي يراقب منذ عدة أشهر حركة الاستيراد والتصدير وتقلبات سعر الصرف والتفاوت بين السعر الذي يقرره المصرف والسوق الموازي.
وفي حين دعا درغام التجار لإخراج المواد المكدسة في مستودعاتهم والتي يتم احتكارها، إلى السوق ﻷن ذلك لصالحهم، خاطب السوريين بقوله: "أدعو المواطنين إلى عدم التخلي عن دولاراتهم لمصلحة التجار الجشعين في السوق".
وانعكس تحسن سعر صرف الليرة، بهذا الشكل الكبير سلباً على التجار الذين أبرموا عقود تصدير خلال الفترة السابقة، ما زاد من التخوّف باستمرار العقود أو إلغائها.
ويؤكد رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، سامر الدبس، خلال تصريح صحافي أول من أمس، أن هناك تضرراً كبيراً على الصناعيين في الوقت الحالي نتيجة التغيرات الأخيرة في سعر الصرف، فكل من وقّع على عقود تصديرية خلال فترة معرض دمشق الدولي سيتعرض حالياً لخسارة بين 20 و30% من قيمة تعاقداته نتيجة الانخفاض في سعر الصرف، فضلا عن أن البعض سوف يمتنع عن تنفيذ عقوده التصديرية.
لا فائدة للمواطنين
ويبقى السؤال الأهم برأي مراقبين، ما هي آثار تحسن سعر الصرف، على أسعار السلع بالأسواق ومعيشة السوريين، بعد ارتفاع الأسعار بمعدل 900%، وفق آخر نسبة أصدرها المكتب المركزي للإحصاء بدمشق.
يجيب معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، جمال شعيب، أن الانخفاض الحالي في سعر صرف الدولار أمام الليرة لا يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في خفض أسعار السلع والمواد في الأسواق.
وأوضح في تصريح صحافي، أن الوزارة تراقب عن كثب كل تغير يطرأ على سعر الصرف، ولكن أغلب السلع والمواد حالياً في الأسواق تم استيرادها وإنتاجها وفقاً لسعر الصرف السابق الذي كان مرتفعاً، ولذلك لا يمكن مطالبة البائع والتاجر بتخفيض أسعار سلع استوردها بسعر صرف مرتفع عن الحالي، فمن استورد السكر على سعر صرف 500 ليرة سورية لا يمكن مطالبته بالبيع على سعر صرف 434 ليرة سورية.
من جهته، أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الثلاثاء الماضي، قراراً لتحديد الحد الأقصى للربح في تجارة المواد والسلع غير الغذائية المستوردة والمنتجة محلياً بأنواعها.
وحدد الوزير بحكومة الأسد، نسبة الأرباح لهذه السلع للمنتج أو المستورد وتاجر الجملة بنسبة 10%، ونسبة الأرباح لبائع التجزئة 15%.
وبدأت تتعالى أصوات المطالبة بتعديل أسعار السلع، وفي مقدمتها الوقود، ما دفع وزارة النفط والثروة المعدنية بحكومة بشار الأسد، لدعوة لجنة تسعير المشتقات النفطية، لاجتماع أول من أمس، بحثت خلاله أسعار الوقود بواقع سعر الدولار الجديد، ليتم، وفق مصادر الوزارة، رفع مقترح للجنة الاقتصادية والحكومة، حيث أن اللجنة تضم ممثلاً عن وزارات النفط والمالية والاقتصادية وممثلا عن مصرف سورية المركزي وممثلاً عن مكتب تسويق النفط.
ويرى مراقبون أنه من المبكر البحث في أثر تحسن سعر الصرف على أسعار السلع، بما فيها المشتقات النفطية، إذ من الممكن أن تعاود الليرة الهبوط، طالما أن تحسنها لا يرتبط بعوامل اقتصادية، كما أن معظم السلع والمنتجات المتوفرة بالأسواق السورية اليوم، تم استيرادها وفق سعر الدولار المرتفع.
اقــرأ أيضاً
وقالت مصادر مطلعة إن عددا كبيرا من التجار أبدوا تذمرا جراء خسائرهم التي اقتربت من ربع تجارتهم، بفعل العقود الموقعة وفق سعر الدولار 520 ليرة سورية، وكان آخرها خلال معرض دمشق الدولي الذي استضافته دمشق خلال أغسطس/آب الماضي.
ويرى اقتصاديون سوريون أن تحسن سعر صرف العملة السورية من نحو 540 ليرة مقابل الدولار قبل شهرين، إلى نحو 420 ليرة خلال تعاملات الأسبوع الماضي، إنما يعود لأسباب نفسية وسياسية بحتة، وليس لعوامل اقتصادية تتعلق بتحسن الإنتاج أو الصادرات أو الاحتياطي النقدي.
في المقابل، ينسب مسؤولو نظام الأسد، تحسن الليرة إلى الخطط الاقتصادية والسياسة النقدية التي اعتمدها مصرف سورية المركزي منذ وصول دريد درغام، لرئاسة المصرف المركزي منذ منتصف العام الماضي.
ويقول وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بحكومة بشار الأسد، سامر محمد الخليل، إن الحكومة تتابع بشكل دقيق كل تغيرات أسعار الصرف الموجودة، وإنها تتحكم في الأمور بشكل ممتاز على مستوى النقد الأجنبي، وقد أبدت استعدادها لمتابعة دعم الصادرات السورية إلى الخارج بشتى السياسات والطرق للاستمرار في سياسة تصدير ناجحة، بما يؤهل القطاعات الإنتاجية لمزيد من العمل وفرص التشغيل.
ويقول مسؤولون سوريون إن الحكومة حسمت مسألة تعاطيها مع سعر الصرف، بتأكيدها أن خطوات المصرف المركزي ستكون واضحة فيما يخص طرح شهادات الإيداع وسعر الفائدة المشجع ودعم الصادرات، إضافة إلى خطوات أخرى سيتخذها مجلس النقد والتسليف لاحقاً.
عامل نفسي
من جهته، يقول الأكاديمي السوري فارس عبد الله، إن تراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، أصبح هاجس الجميع، فالأغنياء يخشون على مدخراتهم بالدولار، والفقراء ينتظرون نزول الأسعار، والكل يسأل عن سبب حدوث ذلك، وما هو مستقبل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار؟
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن أهم أسباب تراجع سعر صرف الليرة، هو تراجع ميزان المدفوعات والعقوبات الاقتصادية على سورية وتراجع الإنتاج المحلي، ما أفقد الليرة أهم وظائفها، وهو أن تكون مستودعاً آمنا للقيمة، ما دفع المدخرين لاستبدالها بالعملات الأجنبية والمعادن النفيسة.
ويتساءل الأكاديمي السوري، قائلا: "لكن لماذا تحسن السعر على هذا النحو الكبير وفي زمن قياسي، رغم أن المؤشرات الاقتصادية لم تتغير؟ أعتقد أن السبب يعود للعامل النفسي، نتيجة سيطرة الجيش على أهم مناطق إنتاج الغذاء والنفط، ما دفع السوريين لاستعادة الثقة بعملتهم"، لافتا إلى أن هذا العامل آني وقصير الأجل، ما لم يترافق مع المؤشرات الاقتصادية الكلية.
ويعتبر الاقتصادي السوري عبد الله، أن التخبط بالقرار الحكومي اليوم، يعود لأسباب كثيرة، أهمها عدم وجود بيانات اقتصادية يحتكم إليها الاقتصاديون وأصحاب القرار، مشيراً إلى أن حاكم مصرف سورية المركزي، دريد درغام، دعا السوريين للاحتفاظ بالدولار وعدم الاستجابة لشائعات السوق السوداء، لأن المضاربين والتجار المحتكرين هم من تأذوا.
صعود مزيّف
ويرى المحلل الاقتصادي، نوار طالب، أن الانخفاض الحاد بسعر الدولار في الأسواق السورية، مؤقت، وسيعاود الدولار إلى عتبة 450 ليرة، وقد يتصاعد سعر صرفه ليصل إلى 500 ليرة مطلع العام الجديد، لافتا إلى أنه لا توجد أية أسباب اقتصادية وراء تحسن سعر صرف الليرة المفاجئ، والذي تعدى 20% خلال شهرين.
وقال طالب لـ "العربي الجديد": "سنرى قريباً عرضا كبيرا للعملة السورية نتيجة الخوف وبيع الدولار، ما سيؤدي لزيادة أسعار السلع والمنتجات بدل تخفيضها وارتفاع سعر صرف الدولار، ربما لأكثر من 500 ليرة".
وأضاف المحلل السوري أن أسباب تحسن سعر الصرف، هي نفسية وسياسية بالدرجة الأولى، كما أن المضاربات بمناخ مفتوح أمّنته قرارات مصرف سورية المركزي، زادت من تذبذب أسعار الصرف، مشيرا إلى إلزام المصرف المركزي الشهر الماضي، المصارف بتنفيذ الحوالات الواردة من الخارج لأغراض شخصية حصراً بالليرة السورية، وفق سعر الحوالات الذي يحدده المركزي وهو أقل من سعر السوق السوداء.
أما الحوالات لأغراض تجارية، فعلى المستفيد من الحوالة تقديم وثائق وتعهد خطي باستعمالها لأغراض تجارية، فضلاً عن تعليمات سابقة للمصرف المركزي تحدد حجم الحوالات الخارجية.
وتابع المصرف المركزي قراراته الارتجالية، وفق تعبير طالب، ليصدر الثلاثاء الماضي قرارا بتخفيض سعر الصرف الرسمي إلى ما دون سعر الصرف المتداول في السوق الموازية بدمشق، وقريباً من متوسط الأسعار المتداولة في باقي المحافظات، مسجلاً 434 ليرة سورية كسعر حوالات خارجية، بتخفيض 56 ليرة عن آخر سعر له وهو 490 ليرة .
وأثارت قرارات المركزي مخاوف مكتنزي الدولار وشركات الصرافة، فانخفضت أسعار الصرف في السوق الموازية إلى ما دون مستوى 400 ليرة، وكان أعلى سعر متداول هو في دمشق بين 415 و425 ليرة.
وحذر المحلل طالب، أن ثمة من يسعى لجر الدولار لسعر منخفض كي يشتري، ليحقق المكاسب بعد الارتفاع المتوقع، بمجرد إزالة القيود التي فرضها المصرف المركزي، سواء على السحب أو الحوالات الخارجية، لافتاً إلى أن هذا "العبث" سيؤدي لجمود في الحركة التجارية، نتيجة عزوف وخسائر التجار، وأيضاً بالتعاملات الاقتصادية بشكل عام، لأن الباعة اشتروا سلعهم بأسعار عالية، ما سيدفعهم للاحتكار وانتظار مصير الليرة.
فجوة مفاجئة
ورغم تحسنها تبقى قيمة الليرة بعيدة تماما عن مستوياتها قبل الثورة، عندما كان الدولار لا يتجاوز 48 ليرة سورية.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الأسبق، نضال الشعار، إن السياسة الجديدة لمصرف سورية المركزي خلقت فجوة مفاجئة في السوق وشكلت هجرة مفاجئة وقوية للدولار من السوق الرسمي بما فيه المصارف إلى السوق الحر.
وأضاف الشعار، خلال منشور على صفحته بموقع التواصل فيسبوك، قائلا: "لفترة طويلة نسبياً اعتمد المصرف المركزي سياسة الانصياع لمحركات وعوامل سوق الصرف الحر، حتى أنه في بعض الأحيان كان يشتري الدولار بسعر السوق السوداء أو أعلى منها".
وتابع: "لكن فجأة قرر المركزي اعتماد سياسة جديدة فيما يخص التحويلات والحيازة والإيداعات وخروج ودخول العملة. هذه السياسة خلقت فجوة مفاجئة في السوق وشكلت هجرة مفاجئة وقوية للدولار من السوق الرسمي بما فيه المصارف إلى السوق الحر".
ضربة للتجار
وأكد حاكم مصرف سورية المركزي، أول من أمس، أن الحكومة عمدت من خلال خفض سعر الدولار إلى إيصال رسالة للمستوردين الذين اشتروا البضاعة وكدسوها واحتكروها في مخازنهم خلال الفترة الماضية بأنه آن الأوان لأن تتوقف الاحتكارات.
وأضاف درغام خلال تصريح صحافي، أن المصرف المركزي يراقب منذ عدة أشهر حركة الاستيراد والتصدير وتقلبات سعر الصرف والتفاوت بين السعر الذي يقرره المصرف والسوق الموازي.
وفي حين دعا درغام التجار لإخراج المواد المكدسة في مستودعاتهم والتي يتم احتكارها، إلى السوق ﻷن ذلك لصالحهم، خاطب السوريين بقوله: "أدعو المواطنين إلى عدم التخلي عن دولاراتهم لمصلحة التجار الجشعين في السوق".
وانعكس تحسن سعر صرف الليرة، بهذا الشكل الكبير سلباً على التجار الذين أبرموا عقود تصدير خلال الفترة السابقة، ما زاد من التخوّف باستمرار العقود أو إلغائها.
ويؤكد رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، سامر الدبس، خلال تصريح صحافي أول من أمس، أن هناك تضرراً كبيراً على الصناعيين في الوقت الحالي نتيجة التغيرات الأخيرة في سعر الصرف، فكل من وقّع على عقود تصديرية خلال فترة معرض دمشق الدولي سيتعرض حالياً لخسارة بين 20 و30% من قيمة تعاقداته نتيجة الانخفاض في سعر الصرف، فضلا عن أن البعض سوف يمتنع عن تنفيذ عقوده التصديرية.
لا فائدة للمواطنين
ويبقى السؤال الأهم برأي مراقبين، ما هي آثار تحسن سعر الصرف، على أسعار السلع بالأسواق ومعيشة السوريين، بعد ارتفاع الأسعار بمعدل 900%، وفق آخر نسبة أصدرها المكتب المركزي للإحصاء بدمشق.
يجيب معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، جمال شعيب، أن الانخفاض الحالي في سعر صرف الدولار أمام الليرة لا يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في خفض أسعار السلع والمواد في الأسواق.
وأوضح في تصريح صحافي، أن الوزارة تراقب عن كثب كل تغير يطرأ على سعر الصرف، ولكن أغلب السلع والمواد حالياً في الأسواق تم استيرادها وإنتاجها وفقاً لسعر الصرف السابق الذي كان مرتفعاً، ولذلك لا يمكن مطالبة البائع والتاجر بتخفيض أسعار سلع استوردها بسعر صرف مرتفع عن الحالي، فمن استورد السكر على سعر صرف 500 ليرة سورية لا يمكن مطالبته بالبيع على سعر صرف 434 ليرة سورية.
من جهته، أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الثلاثاء الماضي، قراراً لتحديد الحد الأقصى للربح في تجارة المواد والسلع غير الغذائية المستوردة والمنتجة محلياً بأنواعها.
وحدد الوزير بحكومة الأسد، نسبة الأرباح لهذه السلع للمنتج أو المستورد وتاجر الجملة بنسبة 10%، ونسبة الأرباح لبائع التجزئة 15%.
وبدأت تتعالى أصوات المطالبة بتعديل أسعار السلع، وفي مقدمتها الوقود، ما دفع وزارة النفط والثروة المعدنية بحكومة بشار الأسد، لدعوة لجنة تسعير المشتقات النفطية، لاجتماع أول من أمس، بحثت خلاله أسعار الوقود بواقع سعر الدولار الجديد، ليتم، وفق مصادر الوزارة، رفع مقترح للجنة الاقتصادية والحكومة، حيث أن اللجنة تضم ممثلاً عن وزارات النفط والمالية والاقتصادية وممثلا عن مصرف سورية المركزي وممثلاً عن مكتب تسويق النفط.
ويرى مراقبون أنه من المبكر البحث في أثر تحسن سعر الصرف على أسعار السلع، بما فيها المشتقات النفطية، إذ من الممكن أن تعاود الليرة الهبوط، طالما أن تحسنها لا يرتبط بعوامل اقتصادية، كما أن معظم السلع والمنتجات المتوفرة بالأسواق السورية اليوم، تم استيرادها وفق سعر الدولار المرتفع.