28 فبراير 2021
اذهبوا فأنتم الطلقاء!
تزامنا مع هذا الشهر الفضيل حيث كان الفتح الأعظم للمسلمين على وجه المعمورة، إذ دخل سيد المرسلين مكة وهو مطأطئ رأسه الشريف، حتى إنَّ لحيته لتمس رحلَ ناقته تواضعاً لله وخشوعاً، فلم يدخل -وهو الظافر المنتصر- دخولَ الظلمة الجبارين سفاكي الدماء البطَّاشين بالأبرياء والضعفاء، فقد فعل ذلك ليس إلا تواضعًا وشكراً لله على آلائه وإنعامه عليه، كما تناقل هذا الحال في كُتب السير. فلم يقتل شيخًا أو طفلًا أو امرأة، بل اتسم بكمال العفو والسماحة مع خصومة وألد أعدائه؛ ليكون أسوة حسنة لمن بعده.
بيد أن المتأمل لحقوق الأسرى وأحكام الحرب في الوقت الراهن يُدرك بكل عناية، أن كل ما كُتب بين دفتي القانون الدولي الإنساني نابع من الشرائع السماوية منها الإسلام، حيث إن الإسلام حارب العبودية بكافة صورها؛ ليجعل الإنسان حرًا طليقًا لا يمتثل بالعبودية إلا لخالقه، وكرمه بأن خصص له سورة كاملة في دستور المسلمين -القرآن الكريم- ثم تبعه بكرامتين كرامة هبة وهي لكل إنسان، وكرامة استحقاق وهي التي تحتاج إلى بذل ومجهود للوصول إليها وهو التقوى.
فقال ربنا تبارك وتعالى في الأولى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلًا". (الإسراء 70)، وأما الثانية كرامة الاستحقاق "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". (الحجرات 13).
وسن له حقوقا وواجبات، ثم أرسى له نظرية وضحت حال أسير الحرب في ثلاثة أحوال:
المَن: وهو إطلاق الأسير دون مقابل، والفداء: وهو إطلاق الأسير مقابل شيء يُتفق عليه، أو القتل حسب ما تقتضية المصلحة من قبل الوالي، وهو ما حدث مع الأسير المشرك "النصر بن الحارث" و"عقبة بن معيط" يوم بدر، وفي هذا السياق قال الله "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض". (الأنفال 76).
ومن هنا نلاحظ أن الإسلام قد سبق القانون الدولي في هذا المضمار، ولم يبح تعذيب الأسرى لغرض الحصول على معلومات وأسرار عسكرية، وحث على معاملتهم معاملة إنسانية كريمة في جميع الأوقات.
وما نراه اليوم من انتهاكات وتمثيل وسحل للأسرى هو جرم المخالفة للأديان السماوية والقوانين الوضعية برمتها، فلقد حثنا المصطفى بالرفق بهم وإكرامهم وحثنا القرآن على حُسن التعامل معهم قائلًا: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيما وأسيرًا". (الإنسان 8).
فمن منطلق هذا السياق يتضح لنا كما في السيرة النبوية أن النبي قد عفا عن أسرى بدر مقابل الفداء حسب مقدرتهم واستطاعتهم المالية، حتى أن المعسر كان يُلزم بتعليم الصحابة القراءة مقابل الفداء، كل هذا يأتي من عفوه وسماحته الكريمة، ولم يقتصر الأمر على هذه الغزوة فحسب بل حصل كذلك في أسرى الحديبية، سرية نخلة، وفي أسرى هوازن ناهيًا عن أساليب التنكيل بهم وتعذيبهم، بل من الحِكم التي كان يسعى إليها النبي مع أصحابه هو تعليم الأسير أخلاق المسلمين حتى يضع في قلبه حبًا ومعرفة للإسلام، كما حصل للصحابي ثمامة بن أثال عندما كان أسيرًا قبل إسلامه.
ومن أروع النماذج الخالدة التي سطرها أستاذ البشرية النبي المهداة محمد، لما دخل مكة فاتحًا لها، ورأى الخصوم والأعداء أمامه فسألهم ما تظنون أني فاعل بكم، فقالوا: أخ كريم وابن أخٍ كريم، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن يرد عليهم قائلًا: اذهبوا فأنتم الطلقاء. أيُ أخلاقٍ يتسم به هذا القائد الرباني، إنها أخلاق من بُعث رحمة للعالمين.
حيث يترسخ مبدأ السماحة والعفو بحق العدو حتى وإن طلب الأمن قبل القبض عليه، فيلزمنا الاستجابه له، فلقد قال الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعملون". (التوبة 6).
وأما المستأمن –الحربي– وهو الشخص الذي دخل دار الإسلام دون الرغبة في الاستيطان أو الإقامة لأقل من سنة، فإن قصد الإقامة وتجاوز المدة المذكورة، يكون ذميا وتنطبق عليه أحكام الذمي المقررة في الفقه الإسلامي. فطلب الأمان حق مؤكد للرجال والنساء والعبيد والأحرار، ولا يجوز للمسلم أن يحاربه؛ لأنه طلب الأمان ولا يعد محاربًا عند القيام بذلك.
بل كان صلى الله عليه وسلم لا يستغل موقف السفير أو الرسول الذي يأتي من قريش أو من قبيلة أخرى إذا أراد الدخول في الإسلام، ولا يخرجه عن إطار مهمته التي جاء من أجلها، ولقد ذُكر أن قريشًا أوفدت أبا رافع إلى الرسول، فوقع الإيمان في قلبه فقال رسول الله له: "إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، فارجع إليهم آمنًا، فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه الآن فارجع إلينا". (أخرجه أحمد وأبو داود).
ختامًا وأخيرًا يمكن تلخيص أهم حقوق أسرى الحرب التي تكفل بها ديننا الحنيف للأسرى منها:
1- إذا قتل المؤمن مؤمنًا بالخطأ وجب عليه تحرير رقبة، فإن لم يستطع فعليه بالصوم "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٍ مُسلمةٌ إلى أهله إلا أن يصدقوا". (النساء 92).
2- العتق في حال الظهار: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا". (المجادلة 3).
3- الحنث حال اليمين: "فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة". (المائدة 89).
4- العتق عن طريق الرحمة: "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة". (البلد 8).
5- العتق ضمن مصارف الزكاة: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم". (التوبة 60).
الجدير بالذكر أن المتأمل أو المطلع على مواثيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المقررة من قبل الأمم المتحدة إذا نظر بعين العدل والإنصاف لحقوق الأسرى مع ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية، فسيدرك حينئذ أنها مأخوذة من كتب الفقه الإسلامي، وسيتلو ما تلته الملكة بلقيس بقولها لسليمان عن العرش "قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ"..
ومن هنا نلاحظ أن الإسلام قد سبق القانون الدولي في هذا المضمار، ولم يبح تعذيب الأسرى لغرض الحصول على معلومات وأسرار عسكرية، وحث على معاملتهم معاملة إنسانية كريمة في جميع الأوقات.
وما نراه اليوم من انتهاكات وتمثيل وسحل للأسرى هو جرم المخالفة للأديان السماوية والقوانين الوضعية برمتها، فلقد حثنا المصطفى بالرفق بهم وإكرامهم وحثنا القرآن على حُسن التعامل معهم قائلًا: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيما وأسيرًا". (الإنسان 8).
فمن منطلق هذا السياق يتضح لنا كما في السيرة النبوية أن النبي قد عفا عن أسرى بدر مقابل الفداء حسب مقدرتهم واستطاعتهم المالية، حتى أن المعسر كان يُلزم بتعليم الصحابة القراءة مقابل الفداء، كل هذا يأتي من عفوه وسماحته الكريمة، ولم يقتصر الأمر على هذه الغزوة فحسب بل حصل كذلك في أسرى الحديبية، سرية نخلة، وفي أسرى هوازن ناهيًا عن أساليب التنكيل بهم وتعذيبهم، بل من الحِكم التي كان يسعى إليها النبي مع أصحابه هو تعليم الأسير أخلاق المسلمين حتى يضع في قلبه حبًا ومعرفة للإسلام، كما حصل للصحابي ثمامة بن أثال عندما كان أسيرًا قبل إسلامه.
ومن أروع النماذج الخالدة التي سطرها أستاذ البشرية النبي المهداة محمد، لما دخل مكة فاتحًا لها، ورأى الخصوم والأعداء أمامه فسألهم ما تظنون أني فاعل بكم، فقالوا: أخ كريم وابن أخٍ كريم، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن يرد عليهم قائلًا: اذهبوا فأنتم الطلقاء. أيُ أخلاقٍ يتسم به هذا القائد الرباني، إنها أخلاق من بُعث رحمة للعالمين.
حيث يترسخ مبدأ السماحة والعفو بحق العدو حتى وإن طلب الأمن قبل القبض عليه، فيلزمنا الاستجابه له، فلقد قال الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعملون". (التوبة 6).
وأما المستأمن –الحربي– وهو الشخص الذي دخل دار الإسلام دون الرغبة في الاستيطان أو الإقامة لأقل من سنة، فإن قصد الإقامة وتجاوز المدة المذكورة، يكون ذميا وتنطبق عليه أحكام الذمي المقررة في الفقه الإسلامي. فطلب الأمان حق مؤكد للرجال والنساء والعبيد والأحرار، ولا يجوز للمسلم أن يحاربه؛ لأنه طلب الأمان ولا يعد محاربًا عند القيام بذلك.
بل كان صلى الله عليه وسلم لا يستغل موقف السفير أو الرسول الذي يأتي من قريش أو من قبيلة أخرى إذا أراد الدخول في الإسلام، ولا يخرجه عن إطار مهمته التي جاء من أجلها، ولقد ذُكر أن قريشًا أوفدت أبا رافع إلى الرسول، فوقع الإيمان في قلبه فقال رسول الله له: "إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، فارجع إليهم آمنًا، فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه الآن فارجع إلينا". (أخرجه أحمد وأبو داود).
ختامًا وأخيرًا يمكن تلخيص أهم حقوق أسرى الحرب التي تكفل بها ديننا الحنيف للأسرى منها:
1- إذا قتل المؤمن مؤمنًا بالخطأ وجب عليه تحرير رقبة، فإن لم يستطع فعليه بالصوم "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٍ مُسلمةٌ إلى أهله إلا أن يصدقوا". (النساء 92).
2- العتق في حال الظهار: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا". (المجادلة 3).
3- الحنث حال اليمين: "فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة". (المائدة 89).
4- العتق عن طريق الرحمة: "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة". (البلد 8).
5- العتق ضمن مصارف الزكاة: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم". (التوبة 60).
الجدير بالذكر أن المتأمل أو المطلع على مواثيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المقررة من قبل الأمم المتحدة إذا نظر بعين العدل والإنصاف لحقوق الأسرى مع ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية، فسيدرك حينئذ أنها مأخوذة من كتب الفقه الإسلامي، وسيتلو ما تلته الملكة بلقيس بقولها لسليمان عن العرش "قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ"..