بعد تأخير فرضته ظروف كورونا والتنافس بين المرشحين، رسا اختيار المرشح الديمقراطي جو بايدن على السيناتور كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس لخوض معركة الرئاسة الأميركية معه ضد الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس.
ويبدو أنّ قرار بايدن المحسوب بعناية جاء ليخاطب قواعد الحزب الديمقراطي المتنوعة، وخصوصا الأميركيين السود والأقليات وشرائح من الوسط المستقل المفترض، وفق الاستطلاعات، بأنه جاهز للتصويت ضد الرئيس ترامب.
والسيناتور هاريس من عائلة مختلطة، أم آسيوية (هندية) وأب من جزيرة جامايكا (أسود) ومتزوجة من محام أبيض وتتمتع بمواصفات سياسية – قيادية جعلتها معروفة في عموم الساحة الأميركية بالرغم من كونها جديدة على الكار السياسي، إذ دخلت مجلس الشيوخ قبل أربع سنوات فقط.
لمع اسم هاريس في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة واحتلت لفترة الصف الأول بين المرشحين الديمقراطيين قبل أن تنسحب من المعركة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
يضاف إلى رصيدها السياسي أنها صاحبة خلاصة شخصية غنية، شملت منصب وزيرة العدل سابقاً في ولاية كاليفورنيا، وقبلها شغلت وظيفة المدعي العام في إحدى مناطق الولاية، وبما راكم لديها خبرة قانونية ميّزت دورها في مجلس الشيوخ وعزّز حضورها كصوت ليبرالي معترض بقوة على الرئيس ترامب وسياساته. وهذا ما ساعد على بروزها في الحزب الديمقراطي إجمالاً، وبشكل خاص في صفوف السود والأقليات.
على هذه الخلفية تعود الآن هاريس إلى ساحة الرئاسة من الباب الواسع. اختيارها حظي بترحيب قيادات ومرجعيات حزبية عديدة ليس فقط كنائبة للرئيس المحتمل بل أيضاً كمرشحة لحزبها في انتخابات 2024 إذا فاز بايدن الذي يستبعد أن يسعى لاحقاً لتجديد رئاسته وهو في سن الـ82. فقد كشفت خلال السنوات الأربع الماضية، عن مؤهلات وكفاءات لافتة.
مع السناتور هاريس تتكرر تركيبة معركتي الديمقراطيين في 2008 و2012 وإن هذه المرة بصورة مقلوبة حيث المرشح الرئاسي أبيض ونائبته من السود. وكما كان أوباما أول مرشح رئاسي من الملونين آنذاك، فالسيناتور هاريس هي أول اميركية من السود تخوض المعركة كنائب للرئيس، وثالث امرأة يجري اختيارها لهذ المنصب.
في 1984 فشل المرشح الديمقراطي والتر مونديل ونائبته جيرالدين فيرارو، وفي انتخابات 2008 خسر المرشح الجمهوري جون ماكين ونائبته سارا بالين المعركة.
وفي تقديرات البعض أنّ هاتين الخسارتين إضافة إلى خسارة هيلاري كلينتون في 2016، كانت في جانب منها إشارة إلى أنّ أميركا ليست مستعدة حتى الآن لقبول سيّدة في البيت الأبيض. لكن الظروف الراهنة مختلفة.
في ضوء ردود الفعل يبدو أنّ بايدن نجح في الاختبار الأول حيث لاقى اختياره "الموفق" الكثير من الترحيب في صفوف حزبه.
وبذلك أعطى شحنة زخم للمتبقي من حملته الانتخابية قد تكون كافية إذا تمكّن من تحقيق استنفار واسع للناخبين الديمقراطيين، واستقطاب ما يكفي من المستقلين غير الحزبيين على قاعدة قراره هذا، وبرنامجه الانتخابي الذي سيكشف عنه في المؤتمر العام للحزب، بداية الأسبوع المقبل.
وضع بايدن حتى الآن ثابت في تقدمه على ترامب. لكن بفارق كان من غير الصعب على ترامب إزالته كما حصل في 2016، لولا كورونا وتداعياتها التي باتت عبئاً كبيراً على الرئيس، وبما يرجح كفة بايدن- هاريس حتى الآن.
يبدو أن بايدن نجح في الاختبار الأول حيث لاقى اختياره "الموفق" الكثير من الترحيب في صفوف حزبه
وبهذا ارتسمت معالم المعركة بصورتها النهائية: الديمقراطي الذي تمثل لائحته التنويع الذي يعكس "صورة التركيبة الأميركية"، والجمهوري الذي تعكس لائحته الصفاء العرقي الأبيض.
وإذا كان خطاب الحملة حتى الآن متوترا بما فيه الكفاية، فإن دخول هاريس إلى الساحة من المتوقع أن يزيد من تحريك النعرات والنغمة العرقية، في معركة يبدو أنّ كافة الأوراق ستكون مباحة فيها.
الأربعاء يلتقي بايدن مع نائبته في مقره بولاية ديلاور. ويوم الاثنين لمقبل، يفتتح الحزب الديمقراطي مؤتمره العام وفيه يعرض بايدن برنامجه الانتخابي، الذي جرت صياغته قبل اختيار هاريس.
ما تسرّب من البرنامج الانتخابي على الصعيد الخارجي وفيما يتصل بالمنطقة، أنه خلا من ذكر "الأراضي المحتلة"، واكتفى بالإشارة إلى "عدم شرعية المستوطنات". موقف متوارث ولو أنّ بايدن بقي متمسك بصيغة الدولتين. لكنه تمسّك رخو طالما أنه يغض النظر عن واقع الاحتلال الإسرائيلي، ويرفض الإشارة إليه بالاسم رغم ضغوط "فريق التقدميين" في الحزب.