اختفاء مدن العالم العربي: مكة والقدس وغيرهما

14 يوليو 2015
صورة لمكة المكرمة قديماً (العربي الجديد)
+ الخط -


يمثّل مهرجان "شبّاك" الذي انطلقت فعالياته في العاصمة البريطانية لندن السبت الماضي، منبراً للمثقفين والفنّانين الحاملين صورة الثقافة العربية المعاصرة إلى العالم.

وبما أنّ لندن تعتبر بالنسبة للكثيرين الملجأ الأكثر أمناً، استقرّ فيها الكثير من العرب على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية على مرّ قرون من الزمن هرباً من طغيان الأنظمة الحاكمة أو الحروب التي اندلعت في بلادهم. قصدها أصحاب الحرف والأطبّاء والمهندسون والكتّاب والمثقفون، ما ساهم بإثراء مهرجان "شبّاك" بثلاثين فنّاناً من القاطنين في مدينة الضباب وما يفوق المئة من مختلف أنحاء العالم.

بدأ المهرجان يومه الأوّل بحفلة في الميدان تلتها في اليوم الثاني ندوة في المتحف البريطاني، بعنوان "اختفاء مدن من العالم العربي". وبدأ الحديث عن اختفاء مدن عربية منذ عامين، يقول عمر القطان، رئيس مجلس الأمناء، وذلك عبر اندماج القبائل والعشائر بالمجتمعات وتأثير الاستعمار على مدن الشرق الأوسط، إضافة إلى الحروب المدنية والصراعات الدينية والغزوات الأجنبية، التي قضت على الكثير من العادات القديمة ودمّرت أبنية ومحتها عن الوجود.

وتلقي قضيّة "اختفاء مدن من العالم العربي" الضوء على العديد من المسائل المهمّة، التي عبثت بها أيادي الدمار أو الجهل عن قصد أو عن غير قصد، مقابل الجهود الجبّارة التي بذلها ويقدّمها أولئك الذين يريدون الحفاظ على تاريخهم، بدءاً من حماية مبانيهم التي تتميّز بهندسة معمارية تعكس وجودهم، الذي يمتد إلى قرون مضت في تلك البقاع من العالم، إلى التمسّك بكل ما يثبت انتماءهم إلى المكان.

وفي هذا السياق، تحدّث زين الدين ساردار، كاتب ومحرّر ومذيع، ومؤلف العديد من الكتب آخرها "مكة"، عن المدينة المكرّمة، مشيراً إلى أنّها لم تتبدّل بسبب الحروب أو الغزوات كما حدث ويحدث مع باقي المدن العربية، بل نتيجة التجديد والتوسيع المستمر للمكان، ما أدّى إلى القضاء على الكثير من المباني القديمة التي كانت تحيط بها، وتمنح المكان الأقدس في العالم بالنسبة للمسلمين جوّا روحانياً، وتجربة فريدة لكلّ شخص قصدها للحج في السبعينيات.

ويشرح ساردار، أنّ القرآن يذكر مكّة ويصفها كواد، لكن التغيير الذي طرأ على المكان جعلها تبدو مسطّحة. وفي العام 1974 حدث أمر ما وبشكل مفاجئ، أزيلت جميع العمارات القديمة المحيطة بحرم مكّة، وانتشرت المجمّعات التجارية حول المكان، لافتاً إلى أنّ الحج اليوم بات تجربة مختلفة تماماً عنه في السبعينيات.

بدورها، تحدّثت المهندسة المعمارية شادية طوقان، وهي متخصّصة في المحافظة على العمارة وإحياء المدن التاريخية، عن مدينة القدس في فلسطين التي تواجه مشاكل عديدة، منها الحرب المحيطة بها ومنع الإسرائيليين للكثير من الأشخاص دخولها كونهم لا يمتلكون الوثائق المطلوبة لذلك.

كما تطرّقت طوقان إلى قضيّة "حي المغاربة" الذي خطّطت قوات الاحتلال للاستيلاء عليه في يونيو/حزيران 1967، حتى خسرت مدينة القدس نحو 12 بالمئة من مساحتها نتيجة الدمار الذي لحق به، وتم بناء جديد فيه لا يتناسب مع باقي مناطق القدس، ما أدّى إلى تدمير "حي المغاربة الفلسطيني ليقوم مكانه حي المغاربة اليهودي، وتشرّد نحو سبعة آلاف شخص، ودمرت نحو 700 عمارة نتيجة ذلك المشروع، الذي استمرّ لما يقارب عامين أو ثلاثة".

وشاركت طوقان في إحياء مدينة القدس، وترأست "برنامج جمعية الرعاية الشاملة لمدينة القدس القديمة"، لمدّة 17 عاما، أنجزت خلالها العديد من الإصلاحات الهامّة للحفاظ على تاريخ المدينة ومبانيها من الاندثار والزوال. كما شملت الندوة مختلف المدن العربية القديمة المهدّدة بالاختفاء، أو التي ضاع تاريخها بسبب عجز أهلها عن الحفاظ عليها، وشارك بها عدد من المثقفين الأجانب والعرب.

يذكر أنّ المهرجان يستمرّ بفعالياته المتنوّعة على امتداد 16 يوماً من الحفلات الموسيقية والاستعراضات الفنيّة والأفلام والمناظرات والمعارض.

المشاركون في ندوة اختفاء مدن من العالم العربي 

اقرأ أيضاً: اكتشاف القدس.. المدينة المحتلة تفتح ذراعيها لأبنائها للمرة الأولى

المساهمون