احضنوا أطفالكم

26 نوفمبر 2015
احضنوا أطفالكم واشبعوا من عناقهم (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل نومها تصرّ صغيرتي على أن تحتضن دميتها التي تعتبرها ابنتها. ربّما لم يشغلني الأمر من قبل واعتبرته موضوعاً يتعلق بالبنات. ولكنني اليوم شعرت بحاجتي إلى احتضان كبير من الصغيرة الماكرة التي اختارت أن تحتضن عروسها أولاً. لم يخطر ببالي أن تترك ابنتي حضني من أجل لعبة، ولكنها فعلتها، تخطيت الفكرة سريعاً وانتظرت دوري في الاحتضان وأمسكتها بقوة وأعطيتها حضناً ثانياً وثالثاً ورابعاً، حتى ملّت وقالت "كفاية كده"!


لا ألومها كثيراً على اختيارها، بل ألوم نفسي على تقصيري في احتضانها يومياً عشرات المرات، بل أعتبر ما فعلته عادلاً جداً، فيومياً تتوسل إلي عدم الذهاب إلى العمل لأنها تود أن أبقى معها فأترك حديثها العاطفي وتعلقها بملابسي وأطنطن بحديث بلا طعم عن أهمية العمل وأن ماما لابد أن تعمل كما أن الصغار يجب أن يلعبوا، وأتركها في وصلة بكاء طويلة راجية أن آخذها معي إلى عملي على أقل تقدير، وأفاجئها بالرفض مرة أخرى فقواعد العمل لا تسمح بذلك. تنظر إلي لائمة وتلاحقني حتى الباب وتستسلم في النهاية وتلقي بقبلة طائرة تخترق قلبي أمام باب المصعد الذي يُغلَق وقبلاتها ماتزال تتدافع، وتودعني الصغيرة بدمعة في العين وجرح في الروح، فأتركها وأذهب ولا ألبث دقائق حتى أغوص في تفاصيل العمل التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد..

بعد عدة مكالمات متتالية، أضطر أن أرد على هاتفي فيأتيني صوتها مرحاً "ماما بحبّك قوي"، أعتبرها مجرد جملة عادية وأرد "وأنا كمان بحبك بس عندي شغل، عايزة حاجة ياحلوة، يلا باي". أنهي المكالمة وأعود للعمل. أقضي ساعات طويلة وكلي تركيز في ما أفعله، قد تمر ساعات دون أن أشغل بالي كيف هي طفلتي الآن حتى تأتيني المكالمة الجديدة.

أعود للمنزل وعقلي لم يودع عملي بعد فأناقش تفاصيل العمل في مكالمات متتالية في المنزل وأطالب ابنتي بالكف عن ملاحقتي لحين انتهاء المكالمات التي ربما تستمر طويلاً، وبعدها أنتقل للمهام اليومية التي تستلزم سكوتها أيضاً مثل مذاكرة أختها الكبرى، شراء طلبات المنزل، والطهو.

ولكن لم يشغلني من قبل أن أبادل ابنتي العناق بعفوية ومحبة توازي ما تفعله هي، ولم أضع العناق على جدول أعمالي اليومي فلا أكاد ألتفت إليها وسط ساعات اليوم التي باتت قصيرة رغم خصم ساعات من النوم للانتهاء من كل ما يلاحقني من مهام.

يبدو أن صغيرتي لديها مهارة في العناق، فقبل أيام قابلها صديق أبيها وبعد ساعة من اللعب ودعته بحضنها الدافئ، عانقته بقوة ورسمت له قبلة في عينه وأخرى في الهواء، أعجبني الاحتضان كثيراً وربما أثار غيرتي أيضاً فطالبتها بمثله في طريق العودة للمنزل، وبعده تساءلت هل أعطي صغيرتي ما تستحقه من المشاعر، فربما تشغلنا الدنيا بمستقبل أبنائنا وتعليمهم وتربيتهم وفي هذه الرحلة ننسى أنهم من لحم ودم وليسوا مجرد عرائس نحركهم كيفما نشاء. ربما نحضر لهم الألعاب والهدايا ونوفر لهم حياة كريمة مرفهة ولكننا نحرم أنفسنا وإياهم من العناق والقبلات والاستمتاع بالضحك بما يكفي خلال ساعات اليوم.

كلّ هذه المهام تتزاحم على شاشات هواتفنا وأجهزتنا الإلكترونية، ما جعلني أتذكر المصور الذي أخفى الهواتف المحمولة من أيدي أبطال صوره ليكشف لنا كم باتت حياتنا بلا روح أو عاطفة. هكذا صرنا نستسلم إزاء الكثير من أوقات أبنائنا لمتابعة الأخبار أو تبادل الرسائل والنكات عبر مجموعات التواصل الاجتماعي، لتبقى أيدينا وعقولنا معلقة بشاشة هواتفنا متناسية قلوب أبنائنا وعيونهم.

في مساء ذلك اليوم، تركت صغيرتي غرفتها وقررت النوم بجواري، لم أجادلها هذه المرة طالبتها بعشرة أحضان متتالية ووعدتها أن نحصل على مثلها كل يوم وودعتها بقبلة على جبينها. حكينا معاً عن يومها الحافل وأهدتني حدوتة من خيالها وعناقاً طويلاً جميلاً قبل أن تغرق في النوم، وتبعتها مباشرة في نوم عميق هادئ لم أذقه منذ فترة طويلة.

بالمناسبة عندما شغلني موضوع الاحتضان أجريت بحثاً سريعاً، فوجدت أنه يقوي الجهاز المناعي ويقلل من الإصابة بأمراض القلب ويساعد على الشعور بالسعادة والأمان ويقلل من ضغط الدم والتوتر. وهنا فهمت معنى جديداً لكون الأطفال زينة الحياة الدنيا فهاهم أصبحوا علاجاً لجروحنا..

احضنوا أطفالكم واشبعوا من عناقهم، اجعلوهم يقضون أوقاتاً طويلة بين أذرعكم وامنحوهم أوقاتاً خالصة للمحبة والضحك بلا هواتف أو هموم. خففوا عن أنفسكم أوجاعها واشكروا الله على وجودهم معكم.. عانقوهم.

(مصر)
دلالات
المساهمون