احسِب نقاطك

10 ابريل 2019
هؤلاء جميعهم خاضعون إلى نظام الائتمان الاجتماعي الصيني (Getty)
+ الخط -

تخيّل نفسك مواطناً خاضعاً للتقييم على مدار الساعة بوسائل تقنية وإلكترونية وبرامج ذكية، فتكافأ أو تُعاقب بناءً على تقارير تصدرها الحكومة وتحوّلها إلى نقاط. قد يُدرج اسمك في قائمة سوداء بأسوأ الأحوال، تحرمك من خدمات تبدو بسيطة مثل استخدام وسائل النقل العام، وتصل إلى حدّ منع توظيفك، أو قبولك في جامعة معينة، بحسب نوع أخطائك وكميتها.

اسرح في خيالك أكثر، وتصور أنك أمام كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت دائمة خارج بيتك وداخله، تلتقط حركتك وتسجل أبسط أفعالك من نوع الطعام الذي تطلبه، إلى محادثة صديقك عن رضاك أو استيائك من مديرك، أو من قرارات حكومتك.

قد يسأل بعضنا: ما الجديد في الأمر، فكلنا مراقبون عبر هواتفنا وكاميراتنا وحواسيبنا وحساباتنا المصرفية...إلخ؟ هذا صحيح، ولكن الجديد هنا هو وجه آخر رديف للمراقبة، فأن تُراقب حرصاً على "الأمن القومي" وحماية "السلم الأهلي" وضبط "المعارضة" أمر ليس خفياً، لكن أن تهدف إلى تقييم أداء المواطن بالنقاط، وتصنيفه بين مواطن "ممتاز" وآخر يستحق العقاب بناء على تحليل البيانات شيء آخر. أليس مخيفاً أن يعجز الإنسان عن الاختلاء بنفسه بعيداً عن عيون وآذان المراقبين؟ وأن يُحرم من فسحة "حرية" يتنفس فيها خارج السياق الذي رسمته الحكومة؟

كل ما سبق ليس مبالغة ولا خيالاً علمياً، وإنما نظام عملاق باشرت الصين بتطبيقه منذ سنوات، وتسميه "نظام ائتمان اجتماعي"، يتعرف على الأفراد من خلال الوجوه وبصمة العين والمسح الضوئي للجسم والتتبع الجغرافي، ويجمع كل بياناتهم الشخصية والطبية والتعليمية والمالية وتصفحهم للإنترنت وغير ذلك ويُترجم في النهاية إلى مجموعة نقاط.




وتطور الصين نظامها "التجسسي" على مواطنيها البالغ عددهم نحو 1.4 مليار شخص، على أن يكون جاهزاً عام 2020، وتعاونها في ذلك شركات عملاقة تتيح للحكومة كل ما لديها من معلومات عن الصينيين، وفي المحصلة يكسب المواطن نقاطاً أو يخسرها، فيكافأ أو يعاقب بحسب ما يراه "السيستم" أو عين الرقيب مناسباً. الكلام لا يختصر عن هذا النظام الرقابي، ويكفي أن تضع عبارة China social credit على محركات البحث، لتظهر لك ملايين المواد المنشورة عن الموضوع. يبقى السؤال الأهم: كيف يُحتسب هامش الخطأ في التقييم؟ فالبشر ليسوا آلات، والأفكار والأهواء والسلوك وحتى المواقف عوامل متغيرة!

والخوف حين يكتمل النظام الصيني ويصبح منتجاً قابلاً للتصدير، فتشتريه أنظمة "نامية" ليزيدها تحكّماً. هكذا تتحوّل الأوطان إلى شركات والمواطنون إلى موظفين ينتظرون تصنيف مواطنتهم بعدد النقاط.
المساهمون