لا يزال الاتفاق التركي الأميركي حول مدينة منبج السورية، يتصدر المشهد السوري، في ظل حديث أميركي عن أن تطبيق الاتفاق سيكون "معقداً"، و"طويلا"، فيما يأمل الأتراك أن ينسحب هذا الاتفاق على منطقة شرقي الفرات، المعقل البارز للوحدات الكردية التي تتهمها أنقرة بالإرهاب، ولكن هذه القوات الكردية، لا تزال تتلقى دعماً من واشنطن، فيما بدأت بمد يدها للنظام، في محاولة لتقليل خسائرها، جراء ما يبدو أنه تخل أميركي تدريجي عنها.
في موازاة ذلك، كان لافتاً تأكيد مجلس منبج العسكري، المتحالف مع قوات سورية الديمقراطية، أن وحدات حماية الشعب الكردية ستسحب مستشاريها العسكريين من المدينة في الأيام المقبلة قبل أن يشير إلى أنه قادر على حماية أمن وحدود منبج من أي تهديدات خارجية، مشدداً على أنه لن يقبل بأي وجود عسكري تركي في المدينة.
وقال المسؤول الأميركي للصحافيين إن الهدف من الاتفاق هو "الإيفاء بالالتزام الأميركي بنقل وحدات حماية الشعب الكردية إلى شرق نهر الفرات"، لكن المسألة تتعلق "بإطار سياسي أوسع ينبغي التفاوض حول تفاصيله"، مشيراً إلى أن تطبيقه سيتم على مراحل تبعاً للتطورات الميدانية. وكان وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، قد قال الثلاثاء، إن خارطة الطريق الموقعة مع أميركا هي من ثلاث مراحل، تتضمن مرحلة تحضيرية تستمر ربما 10 أيام، وبعد تطبيقها سينسحب مقاتلو الوحدات الكردية من المدينة، وتديرها تركيا والولايات المتحدة أمنياً في مدة أقصاها 6 أشهر، على أن يشكل تطبيق الاتفاق نموذجاً لتطبيقه في مدن أخرى كالرقة وعين العرب، حاصراً الاتفاق بتركيا وأميركا دون أن يشمل دولاً أخرى.
وشكّل الاتفاق التركي الأميركي حول مدينة منبج حدثاً من شأنه تغيير خارطة السيطرة ليس في منطقة غرب الفرات فحسب، بل يسعى الأتراك أن ينسحب أيضاً على منطقة شرقي الفرات حيث الوجود العسكري الأبرز للأكراد السوريين. وبقي الأميركيون يماطلون في هذا الاتفاق نحو عام ونصف العام كانوا خلالها يزودون الوحدات الكردية بدعم عسكري غير محدود أقلق الأتراك كثيراً ودفعهم أكثر لاتجاه ترسيخ تحالفهم مع الروس.
ومن الواضح أن الأميركيين يسعون من خلال اتفاق منبج إلى استمالة الأتراك في مرحلة تشهد الكثير من التجاذب السياسي والعسكري بين موسكو وواشنطن التي تسعى إلى إعادة ترتيب أوراق الملف السوري بعد سنوات من التراخي، سمحت للروس بالإمساك بتفاصيل هذا الملف.
ودعمت واشنطن قوات سورية الديمقراطية التي يتخذ منها الأكراد غطاء سياسياً وعسكرياً للتوسع حتى باتت تسيطر على مساحات كبيرة من سورية. وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وبدعم أميركي مباشر، على نحو ربع مساحة سورية، إذ تسيطر على جل منطقة شرق الفرات التي تعد "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية. وتسيطر على أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، وأغلب محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة.
كما تستحوذ على ريف حلب الشمالي الشرقي شرقي نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.
وكان لاتفاق الأتراك مع الأميركيين حول مدينة منبج تداعيات كبيرة على الأكراد السوريين الذين وجودوا أنفسهم مرة أخرى مجرد ورقة مساومة على طاولة اللاعبين الكبار في سورية، حيث تركهم الروس في عفرين يواجهون الجيش التركي وحدهم، وهاهم الأميركيون يتخلون عنهم في مدينة منبج، ما يعزز مخاوفهم من تخليهم عنهم أيضاً في شرقي الفرات.
وتشكل منطقة شرقي الفرات أكثر من ربع مساحة سورية، وتضم كامل محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية بمساحة تقدر بنحو 23 ألف كيلومتر مربع، وهي المعقل الأبرز للأكراد السوريين، وهي متاخمة للحدود السورية التركية، وتضم مدناً كبرى منها الحسكة مركز المحافظة والقامشلي. ويضم شرقي الفرات نصف مساحة محافظة الرقة، ونصف مساحة محافظة دير الزور، إضافة إلى جانب من ريف حلب الشمالي الشرقي.
ويعد العرب هم الغالبية في منطقة شرقي الفرات، لذا من المتوقع أن يرحب السكان المحليون بأي تغيير يبعد الوحدات الكردية عن المنطقة على ألا تعود قوات النظام مرة أخرى إلى المنطقة التي تعاني من أزمات إنسانية واقتصادية جمة. ويبدو سيناريو منبج في حال نجاحه هو الأقرب للتطبيق في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث الإدارة التركية الأميركية المشتركة مع الاعتماد على فصائل تتبع للمعارضة السورية. وجاء إعلان التحالف الدولي بقيادة واشنطن الثلاثاء أن عملياته في سورية غير محدودة زمنياً، ليؤكد نيّة الأميركيين البقاء طويلا في شرقي الفرات، وهو ما قد يحتّم عليهم إجراء مراجعة للأوضاع العسكرية في منطقة شرقي الفرات، ويفتح الباب أمام تفاهمات جديدة بين واشنطن وأنقرة، قد تفضي لتخلي الأميركيين تدريجياً، عن تقديم الدعم للوحدات الكردية في سورية.