اتفاق البطة العرجاء
بعد انتهاء انتخابات الكونغرس الأميركي التي تُحدد الأكثرية بين الجمهوريين والديمقراطيين، يدخل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في المرحلة الأخيرة من ولايته المجددة، وهي السنتان المتبقيتان، والتي يطلق عليها في أميركا تسمية "البطة العرجاء"، نتيجة محدودية عمل الرئيس، وبداية التحضيرات لدى الحزبين، لاختيار مرشح جديد لخوض الانتخابات الرئاسية في العام 2016. أوباما الذي تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي، أخيراً، إلى حدودها الدنيا، وهي وصلت إلى حدود الأربعين في المائة، مما جعل حتى المرشحين الديمقراطيين للكونغرس يتحاشون الظهور معه خوفاً من خسارة مقاعدهم، يصارع، في الأسابيع الأخيرة، قبيل الرابع والعشرين من الشهر الجاري، موعد توقيع الاتفاق المبدئي بشأن النووي الإيراني، من أجل تحقيق هذا الإنجاز الذي يريد أن يشكل إرثاً له، بعد أن فشل في معظم الملفات الخارجية، لا سيما في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
الرئيس الأميركي الذي كان أول من هاتف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، العام الماضي، أثناء وجود الأخير في الأمم المتحدة، وشكلت هذه اللحظة بداية الإعلان عن اتصالات بين الطرفين، كانت سبقتها لقاءات غير معلنة في عُمان، واجه ضغوطاً داخلية كبيرة من الكونغرس الذي شن حملة كبيرة عليه، قادها اللوبي المدافع عن إسرائيل، بتشجيع ودعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي عمل علناً ضده في الانتخابات، بدعم خصمه ميت رومني في العام 2012، وعرقل جهود أوباما من أجل السلام مع الفلسطينيين برفضه وقف الاستيطان، ما ساهم في توسيع الهوة بين الرجلين، وبلغت ذروتها في الملف الإيراني.
مما لا شك فيه أن توقيع أوباما على اتفاق مع إيران بشأن الملف النووي، سيترك تداعيات عديدة على وضعه الداخلي، لأن موقف الكونغرس سيبقى معارضاً، كما سيؤدي الى توتير جديد في العلاقة مع الحليف الأساسي للولايات المتحدة في الخليج، وهي المملكة العربية السعودية، حتى لو تم إرسال كل التطمينات اللازمة للمملكة بشأن أمن الخليج، وضمان النفوذ، واطلاعها على ورقة الاتفاق بتفاصيله، والتي تحدد البنود بالملف النووي فقط، من دون البحث في الشأن السياسي في المنطقة والنفوذ الإقليمي.
تحديات عديدة تواجه الرئيس الأميركي في السنتين المقبلتين، وهو يواجه مخاطر دخوله في الحرب الجديدة في العراق وسورية، عبر التحالف الدولي الذي يقوده لمواجهة الإرهاب، وفي مقدمه داعش، وحدد المرحلة الأولية لهذه الحرب بثلاث سنوات، والخوف من تمدد الإرهاب بوجود 16 ألف مقاتل أجنبي موجودين في العراق وسورية، وهو رغم رفضه دخول إيران في التحالف، إلا أنه أبدى مرونة في الحوار، وكان قد سمح سابقاً بلقاء معلن واحد، من خلال مبعوثه، وليم بيرنز، مع المسؤولين الإيرانيين، تم البحث فيه في مواجهة داعش، وتراجع بعده نتيجة المعارضة الشديدة من الداخل الأميركي، كما من الأوروبيين، وفي مقدمهم فرنسا إضافة إلى الخليجيين، إلا أن استمرار المعارك والضربات، ووجود إيران في العراق، إلى جانب حلفائها، حتى بعد تشكيل الحكومة العراقية، بقيادة حيدر العبادي، واستبعاد نوري المالكي، سيجعل إمكانات الحوار مجدداً ممكنة، لا سيما بعد توقيع الاتفاق.
أوباما، ورغم وضعه الضعيف داخلياً، يريد أن يترك إرثاً بتوقيعه اتفاقًا تاريخياً مع إيران، وهو ما سيحدد الهندسة الأمنية في الشرق الأوسط، بغض النظر عن تفاصيل وتعقيدات تنفيذ هذا الاتفاق الذي سيتأثر، بالضرورة، بحالة الشلل التي تشكلها مرحلة "البطة العرجاء" التي يعيشها في السنتين المقبلتين، ومهما كانت النتائج، فإن مرحلة ما قبل الاتفاق لن تكون كما بعده، لا على أوباما، ولا على إيران، ولا على المنطقة.