اتصالات مصرية فرنسية لتوسيع التنسيق العسكري والاستخباري ضد تركيا

14 سبتمبر 2020
التنسيق الفرنسي المصري قائم فعلاً حول ليبيا (فيليبي لوبيز/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، عن اتفاق الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، على عقد اجتماعات متتالية عن بُعد بين مسؤولين عسكريين واستخباريين من البلدين، خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي، استعداداً لإجراء بعض المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين واليونان وقبرص قبل نهاية العام، ودراسة الاحتياجات العسكرية لكلّ من مصر واليونان وقبرص، في مواجهة ما تصفه الدول الثلاث بـ"التهديد التركي". ويأتي ذلك في إطار التوتر المتصاعد في منطقة شرق المتوسط، على خلفية اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا ونيقوسيا والاحتلال الإسرائيلي، وإصرار أنقرة على عدم الاعتراف بها، واستمرار تنقيبها عن الغاز والثروات الطبيعية في المناطق المتاخمة لحدودها واللصيقة بالجزر اليونانية، المتنازع على تبعية بعضها حتى الآن.

ستنضم مصر لمباحثات ممتدة بشأن التنسيق العسكري وتبادل المعلومات

وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق بين السيسي وماكرون حصل خلال الاتصال الذي أجراه الأخير بنظيره المصري يوم الجمعة الماضي، وإنه كان واحداً من سلسلة اتصالات متتابعة أجراها ماكرون، شملت أيضاً أثينا ونيقوسيا وروما، للتباحث حول سبل التصدي للطموحات التركية. وكان سبق هذه الاتصالات، تصريح لماكرون، هو الأول من نوعه في مباشرته، وذلك يوم الخميس الماضي، حين قال إنه "يجب على الأوروبيين أن يكونوا واضحين وصارمين، ليس مع الشعب التركي، بل مع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي قام بتحركات غير مقبولة". وردّ أردوغان على الرئيس الفرنسي، أول من أمس السبت، بتحذيره من "العبث مع الشعب التركي".

وأضافت المصادر أن الاتصالات متعددة الأطراف لمواجهة أردوغان، تفضي إلى انضمام مصر لمباحثات ممتدة بشأن التنسيق العسكري وتبادل المعلومات، لاسيما في ظلّ التنسيق القائم فعلياً بين القاهرة وباريس في ليبيا، وتعاونهما أخيراً في شنّ العديد من الهجمات والتحركات المشتركة مع قوات شرق ليبيا، في إشارة لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أو عبر مواقعها ضد قوات حكومة الوفاق والمواقع المدعومة من الجيش التركي. وحول إمكانية الاتفاق على إبرام وثيقة دفاع مشترك بين كلّ تلك الأطراف، أوضحت المصادر أن المعلومات الواردة من أثينا وباريس، ترجح "إبرام اتفاق بهذا المعنى بين البلدين خلال أسابيع"، وهو ما يعني مزيداً من الضغط على أنقرة". وبحسب المصادر، سيتم تقديم الاتفاق للعالم باعتباره تفعيلاً للمادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، التي تنصّ على مبدأ الدفاع الجماعي ضد الاعتداءات، والمادة 42 من معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي، والتي تنصّ على وجوب تقديم المساعدة بكل الوسائل، ضد أي عدوان مسلح على أراضي الدول الأعضاء.

وذكرت المصادر أن السيسي يسعى للدخول طرفاً في مثل تلك المعاهدات مع دول جنوب أوروبا، أو ضمان التعاون والتنسيق بشكل مستمر معها على أقل تقدير، لكن في المقابل هناك تحفظات داخلية وأخرى لأكثر من دولة في أوروبا، على تكريس تعاون مستدام مع مصر تحت حكم السيسي، الذي يواجه اتهامات حقوقية وإنسانية عديدة، على الرغم من تطوير التعاون العسكري وصفقات شراء الأسلحة من أكبر دول "الاتحاد". لكن المؤكد، بحسب المصادر، أن مصر ستشارك بصورة أو بأخرى في المناورات العسكرية المستقبلية التي ستجريها فرنسا لتوجيه رسالة تحذير لتركيا، والتي أجريت نسخة بارزة منها نهاية الشهر الماضي حول جزيرة كريت، وشاركت فيها اليونان وقبرص وإيطاليا، فضلاً عن التنسيق في المجالات السابق ذكرها.

وأشارت المصادر إلى مسألة أخرى ستتطلب تنسيقاً بين فرنسا واليونان ومصر، وهي أولوية التسليح، إذ تطرح المستجدات الإقليمية احتمال حاجة أثينا العاجلة للحصول على أسلحة سبق واتفقت مصر على شرائها، لكن هذا الاحتمال لم يظهر عملياً حتى الآن، وإن كان ممكناً. ومساء السبت الماضي، أعلن رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن بلاده ستعزز قواتها المسلحة بشراء 18 مقاتلة من طراز "رافال" وأربع فرقاطات من فرنسا. وذكرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، أن إعلان اليونان "خبر ممتاز لصناعة الطيران الفرنسية"، فهي المرة الأولى التي تطلب فيها دولة أوروبية الحصول على طائرات مقاتلة من هذا الطراز.

ستشارك مصر في المناورات العسكرية المستقبلية التي ستجريها فرنسا لتوجيه رسالة تحذير لتركيا

ونهاية الشهر الماضي، كشفت "العربي الجديد" عن اتفاق بين مصر واليونان على تبادل القطع العسكرية والأسلحة الزائدة عن الحد أو غير المستخدمة من قبل كل طرف في الآونة الأخيرة، مقابل مبالغ مالية أقل من الأسعار المعروضة في السوق العالمية، تحقيقاً لمنفعة الطرفين، وتكريساً للتحالف الاستراتيجي بينهما ضد تركيا، لا سيما أنه لا توجد آفاق حتى الآن لتغيير هذا الموقف، على الرغم من الاتصالات الاستخبارية والاقتصادية السرّية أيضاً بين القاهرة وأنقرة.
وقالت مصادر مصرية إن فكرة التعاون العسكري على صعيد المعدات والأسلحة بين البلدين، بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلال زيارة وزير الدفاع المصري، الفريق أول محمد زكي، إلى أثينا، لحضور فعاليات المرحلة الرئيسية للتدريب البحرى الجوي المشترك بين البلدين وقبرص، "ميدوسا 9". وأعلن المشاركون في التدريب، حينها، في رسالة ضمنية لتركيا، أنه أكبر التدريبات البحرية والجوية المشتركة التي تنفذ في نطاق البحر المتوسط، "وبما يعكس التقارب التام وتوحيد المفاهيم العملياتية بين القوات المسلحة لكل من مصر واليونان وقبرص، للتعاون في فرض السيطرة البحرية وتأمين الأهداف الاقتصادية والحيوية والتصدى لأي عدائيات محتملة"، على حدّ وصف البيان المشترك آنذاك.

وتحاول تركيا التصدي لطموحات دول منتدى شرق المتوسط للغاز، لتوسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر والحكومة الإسرائيلية، والمملوكة حالياً لشركة جديدة أُسّست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إنيرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" المملوكة حالياً للدولة، ممثلة في جهاز الاستخبارات العامة وهيئة البترول، لتشمل قبرص، بهدف الاستفادة من مصنعي إسالة الغاز في مصر، واللذين سيستفيد منهما الطرف الإسرائيلي أيضاً. وتمّ تداول معلومات متباينة عن مدى نجاح تركيا في إيجاد كميات جيدة من الغاز قبالة سواحلها، ما يفاقم خشيتها من إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء، من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية بين أعضاء المنتدى والشركات الأميركية والأوروبية الكبرى، ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد التركي. وأسباب التخوف هي نفسها الأهداف التي ترنو إليها واشنطن وحليفاتها.

وتدعم الإدارة الأميركية التحركات المناوئة لتركيا، إذ انضمت بصفة مراقب لمنتدى الغاز، بالتوازي مع سعي الدوائر اليهودية وذات الأصول اليونانية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، للإسراع في تمرير مشروع القانون المتداول حالياً في الكونغرس، باسم "قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط"، الذي أعده النواب روبرت مينديز وماركو روبيو وكريس فان هولين وغاري بيترز وكريس كونز. ويحظى مشروع القانون هذا بدعم واسع من الدوائر اليهودية وذات الأصول اليونانية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ويهدف مشروع القانون لإنشاء مركز أميركي للطاقة في المنطقة، ووضع خطة متكاملة لتدشين تعاون استراتيجي مع ثلاثة أطراف رئيسية، هي اليونان وقبرص وإسرائيل، للدفاع عن مصالحها المشتركة في مواجهة تركيا. كما يهدف إلى التضييق على أنقرة في ما يتعلق باستكشاف حقول الغاز الطبيعي، بحجة "معاقبتها على تعدد مصادر شراء السلاح الخاص بها، واستخدام الأسلحة الأميركية في ترويع وتهديد قبرص".


 

المساهمون